- سناء مبارك
هذه الرواية تذكرني بأيام حلوة، قرأتها جرعة واحدة في إحدى نبطشيات أبو الريش الهادئة في قسم الكبد. ولم تفارقني اقتباساتها وحبكتها حتى الآن، كيف لا وهي تحكي عن تفاصيل تشبهنا تمامًا، عوالم الدرك الثالث.
الرواية للهندي آرافيند اديغا، كتبها باللغة الإنجليزية ونشرها في ٢٠٠٨ بعمر ٣٣ عامًا، هي روايته الأولى، وحصل بسببها على جائزة مان بوكر الدولية لنفس العام. – الرواية متوفرة بترجمة عربية جيدة.
رأيتُ على الورق الهند التي رأيتها بعيني عندما زرتها قديمًا، بكل التناقضات والطبقات والتنوّع..
الهند التي تظهر في أفلام بوليوود التقليدية مختلفة عن هند النمر الأبيض، إنها هند الشوارع الخلفية والفقر وأقنان الدجاج المحروسة من الداخل، إنها هند الهندي “نصف المخبوز”، يمثلها بطل الرواية الذي أدى دوره ببراعة فائقة الممثل والمغني أدراش جوراف..
الرواية/الفيلم مليئة بالترميز والأفكار الفلسفية، ومن الصعب القبض على فكرة محورية واحدة في قلب هذه الملحمة.
الواقعية المفرطة في هذا العمل قد تكون مقززة أحيانًا، ومستفزة أحيانًا أخرى، الطبقية والتباين الحاد في الفقر والغنى، السادة والخدم هو كل ما يتحتم كشف مستوره حتى تعرف أن الديمقراطية في عالم غير محكوم بالقانون، كذبة كبيرة، ككذبة الحرية في قبضة الشيوعية..
التنبوء بسيادة “الرجل الأصفر” و “الرجل البني” أفكار طلائعية يرددها بطل الرواية التي أحيطت باطار تراجيدي ساخر، يبتدؤها وهو يقص قصته، رسالةً يبعثها لرئيس وزراء الصين الذي يعتزم زيارة الهند، يدعوه للعمل معه بعدما أصبح رائدًا للأعمال، النمر الأبيض الذي استطاع أخيرًا الخروج من القفص، هذه النبوءة لا تتواءم كثيرًا مع كل النقد الذي حفلت به الرواية للأنظمة التي تمثلها، ولا مع الإعجاب الذي قد تلاحظه للنموذج الأمريكي، الذي بدا وكأن الكاتب يتنبأ بزواله ولا تدري هل هو يسخر أم يقرّر.
ولأن لغة الرواية تنبض بالمشاهد من تلقاء نفسها كان حريًا بالفيلم الذي صدر منذ يومين أن يحفل بالسرد الصوتي الذي نقل عبارات الرواية وخواطرها واقتباساتها كما هي، فكان فعلًا، وبدت لؤلؤا في جيد هذا العمل الرهيب من إنتاج نتفلكس.
انصح بشدة بالاثنين، الرواية والفيلم، كلاهما رحلة ممتعة للحواس في عالمي الأدب والفن.