- رشيدة القاضي
بعد نفاد الوقت والصبر ، وبين مجادلة أمي وأبي حول مائة ريال أجرة صاحب الباص التي لم أحصل عليها … خرجت مسرعة تملؤني الحيرة والدموع ، ذرعت حارتي الممتلئة بحفر الماء والحجارة وقراطيس القمامة ، أتعثر حتى أصّل إلى طريق الباصات ، وأنا أتساءل كيف يمكنني الصعود والنزول دون امتلاكي للأجرة ؟
ودون إرادة مني وجدت قدمي تصعد الباص ، و أرتمي بثقلي على كرسي رث … تفحصت الركاب ، غرزت عيني في وجه صاحب الباص أبحث عن ذرة رحمة تخلصني من أُجرة لا أمتلكها … تحسست حقيبتي ، أدخل يدي بأمل حدوث معجزة ما ، تصدمني الأوراق ، أعجنها بغضب ، أمرر يدي نحو فتحه ممزقة إلى جوف الحقيبة ، أبحث في الزوايا لعلني أجد شيئاً رغم تكرار بحثي كلما يغزوني الغضب ليصفعني اليأس .. أنتشل ناظري بفزع ، أدركني الطريق إلى الشارع المقصود ، ويوقظني من توجسي صوت آخر لأحد الركاب يستوقف الباص برفقة امرأتين قادتني قدمي لأكون ثالثتهن وسط ذهول مني ، وغفلة صاحب الباص … فما إن وجدت نفسي أخطو ذاك الشارع بتناغم سريع حتى غزاني هم الرجوع للمنزل … دخلت المبنى المراد تنقلت بين المكاتب أبحث عن ضالتي ، وأقدم طلبي ، فما إن بدأت أستلم الاستمارة وأملأها بشغف حتى رفعت عيني ببطء للورقة الأخرى ، لتصفعني خمسمائة ريال رسوم تلك الاستمارة التي حشوتها لتوي … دسست جسمي في الزحام ، وأنا أندب حظي بهمس ، وأنسحب مهرولة نحو الخارج تاركةً لهم تلك الاستمارة المحشوة على مكتبهم الزجاجي الباهظ … جررت قدمي بتثاقل … أوقفت باصًا ممتلئ ، جلست على حافة أحد كراسيه … حاولت أن أستجمعني لأصبح أكثر ضؤولاً ، فأقتل الشعور بالذنب الذي راودني عندما جئت دون أُجرة … كان الوقت بطيئاً يمر لأني لم أُفكر أن أُفكر أصلاً … وصلت لمنفذ حارتي المعهود ، أوقفت الباص ، كنت وحيدة … هرولت نحو الباب ، ونزلتُ مسرعة وسط شتائمه التي لم أكن أسمعها …