- عبدالكريم الرازحي
كانت فازعة امراة طيبة القلب. كريمة، ومحبة ،ومتسامحة، اشتهرت بكثرة صدقاتها، وبقدرتها على التحايل .حتى قيل بأنها تحايلت على عزرائيل حينما جاء ليقبض روحها.
ومن بين جميع نساء القرية كانت الوحيدة التي تنذر لبن وسمن بقرتها للفقراء وكانت تقول للنساء اللاتي ينذرن سمون بقراتهن للاولياء :
-“الفقراء احق بالسمن من الاولياء”
لكن اكثر ماكان يميز فازعة عن غيرها من نساء القرية هو انها كانت تفتقر لغريزة التملك لكأنها ولدت بدونها . كانت بقرتها (سحابة) بقرة سبيل ومثلما يتوقف عابروا السبيل امام سبيل الماء ،ويشربون منه ،ليرووا عطشهم. كان الاطفال اذا ابصروا بقرة فازعة (سحابة )تمر من امامهم، وهم في حالة عطش.. يستوقفونها ،ويندسُّون تحتها ،ويدسُّون حَلَمَة ضرعها في افواههم ،ويروون عطشهم من حليبها مباشرة وهي واقفة، هادئة ، تنتظرهم حتى يروواعطشهم لتتابع سيرها.
وكان بمقدور اي امراة ان تستوقف بقرة فازعةفي الدرب اثناء عودتها من المرعى، وتحلبها ، وتملأ طاستها بحليبها. ولم تكن فازعة تشكو ،اوتتذمّر ،او تغضب. وكانت تقولُ لكل من ينتقدها ويلومها على التفريط بحليب بقرتها سحابة :
- “سحابة سحابةربي.. لبنها لبن ربي.. وحقينها حقين ربي .. وسمنها سمن ربي. “
لكن فازعة التي لم تكن تملك من الدنيا سوى بقرتها كانت تملك خيالاقوياً وجامحاً وبقوة خيالها كانت تخلق عالماً خاصاً بها موازيا لعالم القرية ،وللعالم الذي يتحدث عنه الفقيه سعيد. وكثيرا ماكان خيالها الجموح والمجنَّح يقودها الى حالةٍ من التصادم مع منطق وتصورات الفقيه سعيد للكون والحياة. حتى انه لم يكن يتردّد عن تكفيرها ولعنها عندما تصله اقوالها عن طريق (كُعُود الرام )التي راحت – بعد ان اهتدت على يديه -تبلغه باقوالها اولا باول.
وكانت (كعود الرام) هي التي ابلغت الفقيه سعيد بان المجاذيم الثلاثة تسللوا بعد المغرب الى بيت فازعة .
بعد ان انتهى المجاذيم الثلاثة من تناول طعامهم سال المجذوم الكبير عمااذا كان بمقدورهم ان يباتوا ليلتهم في القرية !!
ومن دون ان يردُّوا عليه بلا اونعم نهض الشياطين الثلاثة وانطلقوا الى بيت فازعة يخبرونها برغبة المجاذيم في المبيت فقالت فازعة بأن بمقدورهم ان يناموا بالمسجد لكن الفقيه سعيد اعترض بشدة وقال :
-” المسجد بيت الله يافازعة ولو يهمك امرالمجاذيم الملاعين افتحي لهم بيتك “
قال لها ذلك وهو يشعر في قرارة نفسه بأن فازعة لن تجرؤ على فتح بيتها للمجاذيم او ربما اراد ان يُوقع بينها وبين اهالي القرية الذين كانوا يحبونها ،ويصغون لكلماتها، ويصدقونها.
لكنه حين عرف بان فازعة فتحت لهم بيتها، وبأنهم تسللوا اليه في الظلام جُنّ جنونهُ وراح من سقيفة بيته يحرض اهالي القريةويؤلبهم ضدها ،ويقول لهم بكل مالديه من صوت:
-” ااين انتم يااهل القرية؟ المجاذيم الثلاثة في بيت الملعونة فازعة وانتم ولالكم علم. والله لولم تخرجوهم من بيتها، وتطردوهم خارج القرية، ستحل عليكم لعنة الجذام وستصبح قريتكم مجذومة، وملعونة. ولسوف تجذمون كلكم كباركم وصغاركم وحتى نسوانكم سوف ينجبن لكم اطفالا مجذومين وملعونين .”
وكان ان اشاع كلام الفقيه سعيد جوا من الرعب وصعدوا كلهم الى سطوح بيوتهم وهم غير مصدقين ماسمعوه وقال بعضهم :
- فازعة مش هي مجنونة تفتح بيتها للمجاذيم !!
وقال البعض الآخر : الفقيه سعيد مايكذبش
وقالت كعود الرام : شفتهم بعيوني بعد صلاة المغرب وهم يدخلوا بيت فازعة.
وقال السيد عبد القادر بصوتٍ مشبعٍ بالازدراء: - من تكون فازعة هذي وكيف تدخل المجاذيم بيتها من دون رغبة اهل القرية !!
ومن سطوح بيوتهن قالت امهات الشياطين الثلاثة : عبد الرحيم وعبد المنان ومنصور - “والله لويُجذموا عيالنا ويوقع بهم مرض الجذام لاناكل لحم فازعة ونشرب دمها “.
وبعد ان تأكد للجميع بوجود المجاذيم في بيت فازعة خرج فتيان وانصار الفقيه سعيد من بيوتهم وراحوا يدقون باب بيتها ويصرخون بملء اصواتهم : - اخرجوا يامجاذيم من قريتنا اخرجوا ياملاعين
وصاح عبدالستار مهددا فازعة : - افتحي الباب يافازعة افتحي ياملعونة والله لوماتفتحي الباب لانكسره وندخل نسحبك انت والمجاذيم .
ومن سطوح البيوت ارتفعت اصواتٌ غاضبةٌ تطلب من المجاذيم ان يغادروا بيت فازعة ويغادروا القرية وان لم سيكون القتل مصيرهم.
وقال الفقيه سعيد بأنه لادية للكلب ولا للمجذوم
ومن سطح بيتها قالت شجون ناشر تكلم انصار الفقيه سعيد المتجمعين امام بيت فازعة : - البيت بيتها وبيت ربنا.. والمجاذيم ضيوفها وضيوف ربنا.. وانتم مُودخّلكم ! ومُوفضّلكم! كل واحد يرجع بيت امه قبل مايقتلب حسي ويرجعوا الجن لاراسي!!
كانت شجون ناشر قد جُنّت في (سنة الجُدَرِي ) وخرجت من دينها ،ودخلت في دين الدرويش عبد الحق. وكانت فازعة هي التي دلتها على الدريش عبد الحق وهي التي اقنعتها بأن دين الدرويش عبد الحق اصح وافضل من دين الفقيه سعيد.
ليلتهاراحت شجون ناشر تدافع عن فازعة قائلة :
- فازعة دينها غير دين الفقيه سعيد ..وصلاتها غير صلاة الفقيه سعيد ..وقبلتها غير قبلة الفقيه سعيد.. والوحي الذي ينزل عليها غير الوحي الذي ينزل على الفقيه سعيد.
وقالت بأن فازعة عندما اطعمت المجاذيم وفتحت لهم باب بيتها لم تفعل ذلك بحسب رغبتها وانما بقوة الوحي :
-ملاك ربي نزل لها للسقيفة وقال لها : - يافازعة المجاذيم جياع يقول لك ربي اتصدقي عليهم
وبعدما اكلوا وشبعوا نزل عليها ملاك ربي وقال لها : - يافازعة افتحي للمجاذيم بيتك وهي مارضتش تفتح
و قالت لملاك ربي : - ارجع لاعند ربي وقل له تقول لك فازعة :
- لمو افتح بيتي للمجاذيم وانت معك بيت ؟
وربي رد عليها وقال لها :من قال لك يافازعة ان المسجد بيتي !!
بيتي اللي فيها بقريتي ” بقرتي “
وبعدها قالت لهم شجون بان فازعة فتحت بيتها للمجاذيم بوحي من ربها وليس من حقهم ان يغضبوا منها او يزعلوا.
كان اهل القرية يعرفون بأن فازعة تدين بدين الدرويش عبد الحق .ويعرفون بأن صلاتها غير الصلاة ،وقبلتها غير القبلة. والوحي الذي يتنزّل عليها غير الوحي الذي يتنزّل على الفقيه سعيد لكن فتح باب بيتهاللمجاذيم هو الذي اثار مخاوفهم
كان الفقيه سعيد يعرف كيف يعزف على وتر الخوف ،وكيف يستثمر مخاوفهم، وينمِّيه، ويستفيد منه، ويو ظفه لمصلحته وكان خوفهم من المجاذيم، وخوفهم من ان تحل بهم وبقريتهم لعنة الجذام قد دفعهم للا صطفاف مع الفقيه سعيد ضد فازعة رغم حبهم لها.
كانوا قد عقدوا النية على اخراج المجاذيم من بيتها برضاها او غصباً عنها
وكان كلام شجون ناشر وقو لها بان فازعة ادخلت المجاذيم الى بيتها بوحي من ربها قد اجّج نيران غضب الفقيه سعيد، وغضب انصاره الذين راحوا يلعنونها، ويلعنون فازعة، ويلعنون الدرويش عبد الحق .
وليلتها كان الخوف من لعنة الجذام قد دخل الى كل بيت باستثناء بيت فازعة
–