- د. قائد غيلان
مازال الشعر يكافح من أجل استعادة مكانته بين الأجناس الأدبية الأخرى، لكن هناك كثيرا من النصوص تساهم في توسيع الفجوة بين الشعر والقارئ، وذلك بارتمائها الكامل بين أحضان النثر، ومن ذلك ديوان ” تعالي إلى صدري ولو على هيئة رصاصة” للشاعر قيس عبدالمغني.
إن النثرية هي أهم ما يميز هذا الديوان الذي يفترض أنه “شعر” حسب توصيفه في الغلاف، ولنأخذ هذا الاستهلال لإحدى القصائد:
البعض يخلط بينك وبين الوردة التي أهداها ” بانديراس” لـ ” كاترينا زيتا جونز” في فيلم ( ليجند زورو)
كان الاقتصاد اللغوي يقتضي أن يكتفي الشاعر بهذه الجملة “البعض يخلط بينك وبين الوردة” فما بعدها مجرد حشو وتفاصيل غير ضرورية، فماذا ستضيف من دلالة شعرية كون تلك الوردة هي “التي أهداها ” بانديراس” لـ ” كاترينا زيتا جونز” في فيلم ( ليجند زورو) “، إن تلك الإضافة لم تفعل شيئا غير إضعاف الشعر والسقوط في النثرية، وكذلك النص القصير التالي:
لقد قطعت شوطاً مهما في سبيل نسيانك ..
أنا سعيدٌ بهذا
أنا سعيدٌ حقا
وعلى استعداد للقتال والموت
وللبكاء عند قدمك حتى
في سبيل إثبات ذلك.
لا يمكن أن يكون هذا الكلام العادي شعرا، يمكن أن يكون منشورا فيسبوكيا، لكنه لا يصلح أن يكون قصيدة. وبما أن النص قصير يبدو الخطأ فيه أوضح، مثل تلك الـ ” حتى” النشاز في آخر الجملة أو السطر، تشبه الترجمات الرديئة للغة الافلام، لأن “حتى” في العربية لا تأتي في آخر الجملة، بخلاف مقابلاتها في اللغات الاخرى.
إن السردية تطغى على الديوان، وهي ليست عيبا في النص الشعري، مادامت الأجناس الأدبية تتلاقح وتستقيد من بعضها، لكن العيب أن تغرق النصوص في السرد، إلى درجة أن الكاتب لو نزع توصيف “شعر” من الغلاف لتناولها الناس على أنها قصص، ولنأخذ النص التالي نموذجا:
“يموت طفل يمني كل عشر دقائق “
منذ أن سمعت بالخبر وأنا أتحاشى النظر الى الساعة أو معرفة الوقت
أستمع إلى أغنية من خمس دقائق
وبرغم كونها ساحرة؛ أخشى تكرارها ..و مضاعفتها
أشاهد فيلم “American Hustle” دون النظر إلى مدته
أذهب إلى الماسنجر
لاتفقد نافذة الحسناء اللعينة
“نشطة منذ 40دقيقة”
مضى أربعة أطفال مذ كانت هنا
أنام دون ترتيب مسبق
أضبط المنبه على الساعة التاسعة وعشر دقائق
لكني أستدرك : وإحدى عشرة دقيقة.
لطالما كنت من أولئك الذين يفضلون الصحو بعد فوات الأوان.
ما الذي يجعل النص أعلاه شعرا وليس قصة ؟ أين الشعرية؟ لو تنازع الشعر والسرد حول هذا النص لما وجد الشعر دليلا واحدا لصالحه، بينما كل الأدلة في يد السرد. وهكذا معظم نصوص الديوان، تبتعد كثيرا عن الشعر وترتمي في أنواع أدبية أخرى، وهي بالتأكيد لا تضيف شيئا إلى الشعر ولا تخدم تجربة الشاعر، فهذا الديوان يقع ضمن تلك المحاولات التجريبية التي تهدف إلى التنويع والتجريب، لكنها تخرج عن نظام القصيدة التقليدية دون أن تستطيع خلق بديل أفضل.
يجب ألا يفهم القارئ أني هنا ضد التنويع وضد الاستفادة من الأجناس الأدبية الأخرى، فمسألة تلاقح الأجناس قد أصبحت من المسلمات عند أهل الاختصاص، لكنا ضد أن تضيع خصوصية الشعر، أن يفقد حلاوته وهو يذوب في النثر، أن يترك الشعر مكانته ويذهب يتوسل له مكانة عند الأجناس الأخرى.





