- كتب: محمد ناجي أحمد
“الخيوط المنسية- اليمن وثلاثون عاما من حكم علي عبد الله صالح” كتاب للكاتب والشاعر عادل الأحمدي، طبع عام 2008 عن مركز نشوان للدراسات والنشر.
بغائية رسمت منهج الكتاب وقصديته كان التجميع التوفيقي للخيوط السياسية بلتفيق وتخييل للمعلومات وتوفيق بين التناقضات والمتنافرات السياسية وتوجيهها نحو هدف جبهوي إزاء خصم إمامي ظل يستبطن الكتاب ويجاور مساره- كان هذا الكتاب ونسج خيوطه على أرضية 26سبتمبر.
يبدأ الكتاب بإهداء تعبوي لزملائه “أرباب العلم وحاملي مشاعل التغيير” وهي عتبة تعطي ملمحا عن ظلها الأيديولوجي الداعي إلى اصطفاف الأفرقاء في مواجهة زمن ما قبل 26سبتمبر.
ثم ينتقل الكاتب إلى المقدمة التي يستهلها بالحمد والصلاة والسلام ويختتمها بالحمد والمنة والفضل لله، وبين حمد البداية وحسن الثناء في النهاية كان شكره للزوجة والأخ والصديق والأستاذ.
لا شك أن البداية التقليدية تعكس زمنا ثقافيا ظل مهيمنا في منطلقاته وغاياته الداعية إلى تجسير العلاقة بين “الحاكم” و”مراكز القوى المهمة ” و”الشعب” ضمن قاعدة المناصحة والمشورة…
على طريقة كتب الآداب السلطانية يرى الكاتب أن مقتضيات “تكاثر بني البشر…” ,و”الاختلاف” “وجود حكم بينهم يستطيع المواءمة بين الفرقاء ويجنبهم الصراع ويفرض قراره فيما اختلفوا فيه بما يمتلكه من شوكة شخصية وإجماع مسبق. وبالتالي يتوجب عليهم الطاعة والنصيحة ويتوجب عليه العدل والاستشارة”.ص15.
هي رؤية ومنطلق في مفهوم الحكم والسياسة محورها إجماع أهل الحل والعقد ولزوم الطاعة والمشورة ملزمة كانت أو معلمة. وللحاكم حقوق وواجبات وللشعب حقوق وواجبات ” وعلى قدر انسجام واكتمال هذا الفهم تكون مسيرة البلد نحو القوة…”ص15، وعلى قدر “الخيرية” و”سننية” “المشروع التعبوي” “تستمر فترة التمكين”ص15.
صفات الحاكم وفقا لخطاب الكتاب ومنطلقاته المؤسسة على “الخيرية” و”السننية” و”التمكين” هي :
-قوة الشخصية التي يفرض بها رأيه عند اختلاف المحكومين.
-عدم انحيازه لطرف دون آخر، وهو ما يسمى ب”العدل”
-الرضى والإجماع عليه
-أن يكون لديه فراسة بالرجال
-أن ينحاز إلى الحق والمصلحة العامة أكثر من انحيازه لشخصه.
-أن يُظْهر له الجميع توقيرا واحتراما يليق بمكانته.
وهي شروط كما نراها ترجمة لشروط الآداب السلطانية التي يجب توافرها في الحاكم تمت صياغتها بقدر من مواكبة الزمن مع الاحتفاظ بجوهر المقولات التراثية و ثنائية الحاكم والمحكوم.
إن نظرة المؤلف للخيرية الفردية تقوم على أساس القول المأثور :
“المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف” أكان هذا “المؤمن” حاكما أو محكوما، فالضعيف مفضول على الدوام. مما يجعل هاجس الصراع مع الخصم الإمامي الباسط ظله في الكتاب اختلافا في السياسة واتفاقا في المنطلق المعرفي العقائدي القائم على ثنائية القوي/الضعيف، والأفضل/المفضول لا على واحدية المواطنة!
هنا نجد البون شاسعا بين المفاهيم والمصطلحات والأرضية المعرفية كزمن ثقافي ماضوي وبين المفاهيم السياسية والمعرفية للقرن العشرين والواحد والعشرين!
بمعنى أن الزمن الثقافي الذي ينطلق منه المؤلف هو زمن ماضوي في “أسسه” و”طريقه” وفي متن لغته و”غاياته”، وهو يهتدي ضمنيا بمقولة حسن البنا الباحثة عما يجمع والمؤجلة لما هو مختلف فيه.
ولهذا فإن وظيفة المثقف هو السعي إلى الحاكم لتقديم المشورة والخبرة له لا أن ينتظر “السلطان” أن يأتيه طالبا المشورة :”فيما أصحاب الرؤى السديدة قابعون في البيوت، ينتظرون أن يأتي الحاكم إلى بيوتهم ويتوسل إليهم رؤاهم، وهذه هي منتهى السلبية والسذاجة…”ص18.
من هذه الأرضية المعرفية يقدم الكاتب مفهومه لماهية “المعارضة” بأنها “المحاكاة” لا المغايرة، “في حين أن لفظة “المعارضة” لا تعني الاعتراض بل المحاكاة، أي قيام القوى المنافسة بعمل يوازي عمل الحزب الحاكم ولا يصادمه، وذلك من باب التنافس على تقديم الأفضل.”ص20.
قياسا على ما يراه في المصطلح الشعري “المعارضة الشعرية” أي الكتابة على منوال الموضوع والتزام الوزن والقافية!
وإزاء ما يراه المؤلف خصوصيات الشعب التي تتعلق بـ”الفكر السياسي” “ومعتقداته وتحدياته وظروفه وموقعه في ركب المرحلة” يكون رفضه لما سماه بـ”الأفكار المستوردة” وخطورتها على خصوصية “الفكر السياسي السائد”!
ومن تلك الأفكار المستوردة “والتصورات الشائهة” “الاعتقاد السائد بأن النظام الديمقراطي هو الوحيد الذي يحكم الشعب نفسه، وهذا صحيح، عندما تأخذ الأمور مأخذا سطحيا،، غير أن الأصح هو أن أي شعب في أي مكان وفي أي زمان وعبر أي نظام حكم هو الذي يحكم نفسه…”ص21.
ومن هذا المتن المعرفي يفسر الكاتب استغلال “لصوص المناصب عاطفة الشعب ومعتقداته ويمارسون الدجل عليه ويفرضون شوكتهم عليه بشوكة خارجية، ويقتلون أحراره ومراكز القوى المهمة فيه، ومثل هذه العصابات من تجار التاريخ ومقاولي الدول تكون عواقبهم وخيمة، وهم من ناحية أخرى في اعتقادي، عقاب من الله لا يسلطه المولى-عز وجل- إلا على شعوب بطرت حكامها، وتقاصرت في تقديم النصح أو أكثرت من تمجيدهم حتى حولتهم إلى أصنام؛ ثم ولولت بعد ذلك تستنجد بالآخرين أملا في إزالتهم.”ص21.
هو فكر سياسي يقوم على معادلة “الحاكم” و”مراكز القوى المهمة” و”الشعب”، لذلك حين تكون الزلازل السياسية والتدخلات الخارجية فإن سبب ذلك هي الشعوب التي “بطرت حكامها”.
بحسب المؤلف فإن الرئيس علي عبد الله صالح دخل الجيش “بالتحاقه بالمدرسة الحربية في العام 1958، وعمره يومذاك 12عاما”ص51، وهذا غير صحيح فقد كان التحاقه بالجيش في تلك السنة ضمن فرقة القناصين، لكن الإمام أحمد لم يعد يهتم بهذه الفرقة بسبب دورها في انقلاب 1955 الذي قاده المقدم أحمد الثلايا وسيف الإسلام عبدالله وأخيه العباس…
تم توزيع علي عبد الله صالح عام 1958 في آنس من لواء ذمار، وقد التقاه هناك علي محمد صلاح كما يذكر الإخير ذلك في مذكراته، متحدثا عن حذاقة ونشاط علي عبد الله صالح الذي كان يأخذ التنافيذ من زملائه ويذهب لإحضار المطلوبين بعد أن يتفق مع زملائه الجنود على تقاسم الأجرة معهم.
لم يكن الرئيس علي عبد الله صالح عضوا قياديا في حركة 13يونيو 1974م.وإنما كان وقتها قائدا لكتيبة الدبابات في معسكر خالد بلواء تعز، واستطاع أن يتواصل مع الرئيس إبراهيم الحمدي ويبلغه بوجود تحركات انقلابية يقودها قائد لواء تعز درهم أبو لحوم، وبتحركه بكتيبة الدبابات قام علي عبد الله صالح بمحاصرة القيادة ليتم تعيينه في عام 1975 قائدا للواء تعز خلفا لدرهم أبو لحوم الذي اتهم هو وإخوانه بالتخطيط لانقلاب ينفيه سنان أبو لحوم في مذكراته ويرى أن ذلك كان اختلاقا للتخلص من نفوذهم في الجيش وفي السلطة.
أحدثت الثورة السبتميرية انقلابا في الفكر السياسي وقطيعة مع الآداب السلطانية في الفكر الزيدي الذي يرى الحكم في البطنين، ليصبح الحكم حقا للفلاح الذي خرج من معطفه الجندي والضابط والحرفي والتاجر والقاضي، لذلك توالى على الحكم ابن الفحام وابن الفلاح والقاضي والضابط. بمعنى أن نظرية الحق الإلهي في الحكم سقطت لتحل محلها نظرية حق الشعب في أن يحكم نفسه بنفسه.
لم يكن علي عبد الله صالح صديقا للرئيس إبراهيم الحمدي كما يذهب الكاتب في زعمه حين قال : قام الرئيس إبراهيم الحمدي بتعيين صديقه علي عبد الله صالح قائدا للواء تعز، بدلا عن درهم أبو لحوم.
لا شك أن علي عبد الله صالح كان بعد توليه قيادة لواء تعز من الأركان الهامة لنظام الحكم في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي، فلواء تعز يأتي بعد لواء صنعاء في الأهمية داخل نظام الجمهورية العربية اليمنية آنذاك، لكن علاقة علي عبد الله صالح بحركة 13يونيو لم تبدأ قبل عام 1975م.
حديث المؤلف عن توجس الرئيس أحمد حسين الغشمي من علي عبد الله صالح وطلبه منه عدم الطلوع إلى صنعاء إلاَّ بإذن ليس مبنيا على حقيقة العلاقة المتينة بينهما، فبحسب مذكرات الشيخ يحيى منصور أبو اصبح المعنونة بـ”شهادتي عن عبدالوارث عبد الكريم والرئيس الغشمي” فقد كان علي عبد الله صالح أهم ركن من أركان حكم الغشمي بل إنه يفضله على أقرب الناس إليه، وتعود علاقتهما المتينة كما يرويها الغشمي ليحيى منصور أبو اصبع إلى مرافقة علي عبد الله صالح للغشمي حين ذهب الأخير في رحلة إلى أسمرة لإجراء عملية في العمود الفقري وكان علي عبد الله صالح خير ممرض ومرافق وصاحب، ومن يومها تعززت علاقتهما بل أصبح الغشمي يراه أقرب إليه من أقاربه.
يزعم المؤلف أن علي محسن كان قياديا في الفرقة الأولى مدرع في عهد الغشمي، وهذا زعم باطل لأنه بكل بساطة لم يكن هناك فرقة أولى في ذلك الوقت وإنما المدرعات والكتيبة الأولى مدرع بقيادة محسن سريع. فعلي محسن كان وقتها ضابطا حديث التخرج من الكلية الحربية التي دخلها هو ومحمد إسماعيل أبو حورية بتوصية من الرئيس إبراهيم الحمدي تستثنيهما من شروط الكلية، فلم يكن لديهما مؤهل تعليمي يسمح لهما بالالتحاق في الكلية، وهناك استقطبهما لحركة الإخوان المسلمين صالح عباد الخولاني الذي كان معلما في الكلية الحربية آنذاك.
صحيح أن علي محسن الأحمر التحق في منتصف ثمانينيات القرن العشرين بأكاديمية ناصر العسكرية لكنه واجه ذات المشكلة وهي عدم امتلاكه مؤهلات دراسية مما اضطر الرئيس علي عبد الله صالح أن يطلب تدخل الرئيس حسني مبارك لتجاوز هذه المشكلة بحسب ما يرويه اللواء علي محمد صلاح في مذكراته…
يرى المؤلف في كتابه هذا أن الجميع تعاون في انتخاب علي عبد الله صالح رئيسا للجمهورية العربية اليمنية في 17يوليو 1978خوفا على اليمن، لكن مذكرات الشيخ يحيى منصور أبو اصبح تتحدث عن اتفاق “الملتقى الوطني” الذي كان يجمع الحزب الديمقراطي الثوري والطليعة الشعبية واتحاد القوى الشعبية وحزب البعث مع الشيخ عبد الله بن حسين الحمر وسنان أبو لحوم ومجاهد أبو شوارب ومحمد الفسيل الخ وكان الإجماع عدم انتخاب رئيس من الجيش، بل كان الشيخ عبد الله أكثرهم رفضا لانتخاب علي عبد الله صالح رئيسا ويسميه “الشاويش” تقليلا واحتقارا، وأن الموقف تغير حين تحركت المملكة العربية السعودية بمالها ونفوذها الملزم وأجبرت الجميع على انتخاب علي عبد الله صالح رئيسا، وأن موقف المشايخ الرافض كان بغرض رفع رصيدهم من المقابل المالي الذي سيجنونه من السعودية.
ويذكر الرئيس علي ناصر محمد في كتابه “ذاكرة وطن” أنه سأل الرئيس علي عبد الله صالح عن كيفية صعوده إلى الحكم فقال له : بمسدسي والمال السعودي والدعم الأمريكي.
كل ذلك لا ينفي المهارات الشخصية التي تميز بها علي عبد الله صالح في مراكمة طموحاته في الحكم، وتطويره لتلك القدرات حين أصبح رئيسا للجمهورية العربية اليمنية ثم الجمهورية اليمنية.
لقد كان صعوده إلى الحكم على أرضية اليمن السبتمبري إلذي جعل الطموح بالرئاسة متاحا لابن الفلاح القادم إلى الجندية هربا من الفقر.
يزعم المؤلف أن انتفاضة 9و10و11ديسمبر 1992م كانت بتشجيع وتحريك من الحزب الاشتراكي اليمني وهذا غير صحيح فقد خرج الشعب في تعز وذمار وصنعاء والحديدة بفعل غلاء أسعار المواد الغذائية والمشتقات، فكان أن خرج في تعز أصحاب الدبابات والعمال وطلبة الجامعة ثم ازداد اشتراك الناس في هذه الانتفاضة طيلة أربعة أيام ولم يتم تفريق الناس إلاَّ بنزول الجيش “معسكر خالد” بتعز، والفرقة الأولى مدرع بصنعاء، والضرب المباشر بالرصاص الحي، وهكذا تم وأد تلك الانتفاضة في كل تلك المحافظات بعنف مفرط من الجيش وبذخيرة حية سددت لصدور المهمشين في تلك الانتفاضة، وكان موقف التجمع اليمني للإصلاح من تلك الانتفاضة أشد عدوانية فقد وصفها الإصلاح ونوابه بأنها انتفاضة لصوص، وتمت التحقيقات في جهاز الأمن السياسي بتعز على يد نائب مدير الجهاز بتعز علي السعيدي وعبد الله القيسي وهم من أعمدة الإخوان المسلمين في جهاز الأمن!