- عبدالملك الحاج
بعد حلول الليل تزحف جحافل القبائل صوب (حُمَالة)، وكان الاتفاق بين قيادة القطاع وشيوخ القبائل يقضي بان تتولى قيادة سلاح المدفعية المتمركزة بالمواقع مهمة إسناد القبائل اثناء تقدمهم، وبما ان القبائل لا تجيد استخدام أجهزة الإشارة، فقد تم الاتفاق على أن تكون النار التي سيقوم بإشعالها القبائل هى الاشارة المتبادلة فيما بينهم، بحيث تتولى القبائل ايقاد النيران في المكان الذي تصل اليه مجاميعهم ويتوقفون هناك، لتبتدي بعد ذلك المدفعية بتنفيذ عملية التمهيد والتمشيط.
لكن ما حصل هو أن القبائل قاموا باشعال النيران وتقدموا مباشرتا، ولم يتوقفوا في اماكنهم بحسب الاتفاق، وعند اقترابهم من خط التماس كانت قذائف المدفعية الجنوبية تمطرهم بغزارة من مواقعها العسكرية في “ضبس والقاهر والحمام” من الجهة الامامية، ومن الجهة الخلفية كانت مدفعية الجيش الشمالي تقصفهم من مواقع “القرن والمقيطير وشميلة والحسكة” بنيران كثيفه.
منزل (فتوان) كان يقع بين (الجرابة والجربوب) على مقربة من ساحة المعركة، فقد استطاع ان يحتمي هو واسرته بـ (جُرف) في احد الشعوب هناك، وفي اليوم الثالث للمعركة تمكن (فتوان) من الدخول الى الراهدة وهو يحمل سلاح جرمل (زاكي كرام) ويحتزقُ بمحزم الرصاص المسمى “بالطيار” واثناء تجوله في السوق يلتقى بـ (سالم ناجي) ويخبره ببعض من تفاصيل معركة حمالـــة…
سالم:
اللي شقول انك شيخ مشايخ وافتوان.
منين انديت البندق، اتعسكرت مع القبائل!!
فتوان:
كم حدك يا بنادق لقا معك الا قلب، البراصح تشكي ضيقه.
سالم:
كيف دخلت لا هناك.
فتوان:
شلونا نسير نسعف المصوبين.
سالم:
اسعفتموهم.
فتوان:
كم اشنسعف الحبوال والشعوب امتلت جثث، منذوقين ومقشوعين بكل بقعة، اللي يئنوا واللي يصيحوا والمُبَشوَّتين والمندوشين خليها على ربك.
سالم:
كيف لما قشروهم اذي القشرة!!
فتوان:
قالوا لهم لقا وصلتم اوقدوا وجسوا مكانكم ولا تتحركوا وهم كانوا يكربوا وقدموا، الا والجبال ارعدت عليهم، كان اللي قدامهم يدجفوهم واللي وراهم يندفوهم.
سالم:
ما ركبتش براسي كيف اصحابهم ضربوهم بالمدافع؟!!
فتوان:
انا شا قولك كيف وقعت، العساكر حصلوها فرصه القبايل معاهم بيس سعودي يستلموا مشاهرة بالسعودي والعساكر لهم أشهر ما اندولهمش المعاشات، دخلت بينهم المفاحسة وزيد العساكر مفكودين من حقهم القياده بصنعاء لما نزلوا القبايل يحاربوا بدالهم وهم ما ركنوش عليهم.
سالم:
طيب القبايل ما يعقلش اين ساروا كلهم، كانوا مضحضحين تقول جراد!!
فتوان: وا وليد منينه عاد شنجوا كان اللي يسلم من دانات كرش، يتشنتح بقذايق الراهدة، واللي اكتشح وسلم من القذايف والدانات يجي صيد طاهش حمالة، والاسبع يكملوا ما بقي… الطهابش يعدشوا والعكاشة يندشوا، والكلاب اتنشحوا، امانه انهم يروحوا القرى كل واحد متعنطل بلقفه وصلة.
كانت معركة حمالة هى اولى معارك النظام الشمالي على الجنوب وبداية انفجار الوضع المسلح بين شطري البلاد، للتتحول بعد ذلك الراهدة والمناطق الحدودية المحيطة بها الى مسرح للعمليات الاستخباراتية، ومنطقة صراع مستمر وساحة للمواجهات العسكرية.