- عبدالملك الحاج
يعود المغبش من الجنوب الى القرية وكانت المنطقة اكثر سخونة من ذي قبل، فقد خيم الرعب والخوف على مناطق الشريط الحدودي وانتشر المسلحين في جميع القرى بالاضافة الى تَزايُد عدد المجانين بشكل ملحوظ.
في تلك الفترة ظهرت مجاميع مقاوِمة من ابناء المناطق الذين انخرطوا في صفوف التنظيمات السرية المناهضة لنظام الشمال كالمقاومين وجيش الشعب وغيرها.
صباح اليوم التالي من وصوله ذهب المغبش لزيارة محسن الى بيته فوجده في حالة نفسية سيئة بسبب ما يتعرض له من مضايقات بعد حادثة الجبارنة، فيقوم المغبش بنقله الى منزل السيد المجيدي لمعالجتة.
المجيدي:
مو قا معك يا مغبش.
المغبش:
محسن يا سيد عبده.
المجيدي:
مو به محسن.
المغبش:
به زيران.
المجيدي:
نعم مو بك يا محسن.
محسن:
ماناش داري مو بي، رأسي وسطه صجه ودوه، لا قدرت اهجع ولا ارقد.
المغبش:
قا شلوه ما باقي الا شبيهُه، انا فداك افتح الكتاب عاينهم مو يدورا، قول لهم ما لقيتم الا محسن تسبطوا شقه مو اشتعملوا به قده مثل الخروان، سيرو دوروا لكم واحد من السمان العتاعيت.
محسن:
هذم ما ينفع معاهم لا كتاب ولا حضره، الا لو بُه معه اثنين من حق (ضياح الغيل) يتبرعو بهم انا معك، اما غيرهم مركنكش يتحزحزوا حتى بنانه.
المجيدي:
معي كل شي انا داري كيف شعمل لابتهم، لو ما خليتهم يجزعوا شاخط ما انا المجيدي.
معي خارق مارق، رواعدهم صواعق، اقوى من الريح واسرع من البارق.
انت بس روح يا مغبش وخليت محسن عندي يومين، اشترجع وقده يطن مثل الريال الفرنصي.
محسن:
انا فدوك وَ مغبش لا تسيبنا وحدي اجلس عندي، السيد باين علوه ناوي عليا، خارجنا انا حميسك.
المغبش:
يقع اللي شقع، وانت اتحمل الركضة مو شقعبك. المهم تتخارج منهم.
يستأذن المغبش من السيد عبد المجيد ويذهب باتجاه السوق، اما السيد المجيدي فيقوم بادخال محسن الى احدى الغرف بجوار منزله ثم ينادي زوجته لاحضار الفطور.
يكمل محسن جفنة مليئة بالفتة المفتوت باللبن والسمن وكتلي شاهي ثم يطلب المزيد.
المجيدي:
جاهدك الله كيف عملت بالجفنة.
محسن:
و سيدي مش انا هم اتشاطفو به الجن مشاطفة.
ينادي المجيدي لاحضار فته اخرى، فيكمل محسن الجفنه الثانية ثم يقول:
اشبعك وسيدي عبده اشبعك، ويستمر في صب الشاهي الى ان يفرغ الكتلي تماما.
المجيدي: شبعوا وا محسن والا نزيدهم.
محسن: لا شبعوا لما (بغروا).
اخذ المجيدي يدور في المكان ويتمتم بكلمات غير مفهومة ولا تصل الى السمع بالشكل الكافي، محسن مستلقي على الفراش، فجأة يرتفع صوت المجيدي وهو يوجه حديثه الغاضب نحو زاوية الغرفه قائلا:
مو تقول يا (مدهم) يا الذي تجري مجاري الدم، محسن يتبهتن عليكم بالكذب.
ينهض محسن على ركبتيه ويمسك بقميص المجيدي ويقول:
انا ربيعك وربيع جدك الهويدي، افدع لي وا سيدي منهم، لا يرجع الخبر يقتلب صدق، كما انا بي الا (سبحه) امانه عليك لا تدخل بيننا مدهم ولا تندي المجلعم.
كان المجيدي قد احضر معه من قبل (قزع) ممتلئ بالحليب دون ان يشعر به محسن او يلاحظه ووضعه في نافذة الغرفة.
يتحدث المجيدي مع مدهم بالقول:
خلاص مفهوم اطرحه عندك بالكوة وسيرلك لما احتاجك شستدعيك.
يلتفت محسن فينظر نحو النافذة الصغيرة (الكوه) ويشاهد هناك “القزع” فيستغرب محسن ويندهش.
ياخذ المجيدي القزع المتلئ بالحليب وتمتم عليه ببعض الكلمات ثم ناول محسن كي يشربه. يغمض محسن عيناه ويشرب الحليب ثم يقول:
مو شربتنا وَ سيدي لا هو حقين ولا هو لبن طعمة مثل الحلتيت.
المجيدي:
انا ولاشربتك شي، اللي شربته حقين مش لبن، لكن حقين من حقهم.
محسن:
خينا مدهم قا سار يتحقن لي من عند امه ورجع.. اللي شربتوه حقين جن.
المجيدي:
يريد ان يضحك لكنه يحاول ان يتماسك بشده ويقول لمحسن:
بطل الهدرة شرجعوا يشطفوبك ولقفك شلوق،
اتمدد وارقد لا تخرج الا لما ارجع لك.
كان العلاج الذي وضعه المجيدي في الحليب قد بدأ مفعوله يسري في جسم محسن فينام سريعا.
يغلق المجيد على محسن باب الغرفه، ثم يتوجه الى الراهده للتسوق وفي الطريق كان يتذكر كلام محسن ويضحك بشده.