- عبدالملك الحاج
عاد محسن في تلك الليلة الى منزله تاركا المغبش شارد الذهن يفكر بقتيل الجبارنه، ذلك الشاب الذي تمت تصفيته بتلك الطريقة التي جعلته يستدل بان محاولة تنصل القائد عن فعلته وانكاره بمعرفته بالقتيل تؤكد ان الشاب قد قُتل ظُلماََ وتعسفاََ، بهدف ارهاب الاهالي وبث الذعر في المنطقة.
ظل المغبش يفكر كثيرا وعندما لم يجد الاجابه الشافية لبقية التساؤلات التي كانت تدور في ذهنة قال:
وانا مو حاجتي لوجع الرأس وقلاب المواجع.
سدوا يا اسياد مانا الا مغبش…. وناااام.
صباح اليوم التالي ذهب المغبش كعادته الى الراهدة وعند وصوله تم القبض عليه وايصاله الى مبنى الجمرك القديم مقر تمركز قيادة القطاع وجهاز الاستخبارات واودعوه في احدى زنزانات الجمرك.
ذلك اليوم شهدت الراهدة حملة اعتقالات واسعة لفئة (الاخدام) بعد القبض على (القوبة) في قرية (اللصب) اثناء عودته من المسيمير عبر الضاحي ومداهمة محل (خميس) لتأجير الدراجات الهوائية في المدينة مساء اليوم الاول واعتقاله ايضا.
دخل المغبش الزنزانه ووجدها تكتض بالمعتقلين من اصحابه ومعاريفه واثناء دخوله قال له حيدرة:
ما دام وبينه المغبش، باين عليها اشتدبش.
الحَوِش:
اللبوا بني يانة لا زنزان، تقول ليش وَ مغبش!!.
المغبش:
اتنقوا بني السوداء نقوة، مدري مو قا معاهم من خبر وعلم.
ينفتح باب الزنزانة مرة ثانية ويتم ادخال احد المعتقلين.
شايع:
يا عويلة غلطوا واندو واحد ابيض بيننا تقولوا غلطة والا ورطة.. ثم يضحك
المغبش:
تَنّي واسمع، وعاين مو شقع.
استمر ذلك الرجل طوال فترة المساء في الزنزانة يتحدث مع المعتقلين وكان يلمح لهم بانه من اصحاب (القوبة)، وفي الصباح تم اطلاق صراحه.
حيدرة:
ما تركبش!! يحبسوه بالمغرب ويفكوا له الصبح.
سعدان:
ان كان حَصّل اخبار.. والا هُداري هُدار.
المغبش:
لقط له زوارق وسار.
عند الظهر يتم نقل المغبش من الزنزانة الى مكتب الضابط الخاص بالمخربين للتحقيق معه.
المحقق:
انت فكرك شوعي يا مغبش.
المغبش:
لا انا فكري بذراع الابل عند نعمه وبنته.
المحقق:
ايش علاقتك بالقوبة.
المغبش:
اسود مثلي.
المحقق:
بس هو مخرب.
المغبش:
هو الا عودي كبريت بوسط حُق.
المحقق:
شنشخط العود ونطرحه بالحق.
المغبش:
بس الحُق و فندم من درزان.
المحقق:
ايش تشتي تقول.
المغبش:
والدرزان من شدة والشدة من طبله والطبلة من كرتون والكراتين من حاوية والحاويات من مصنع وجر لك جر و فندم.
تم اعادة المغبش الى الزنزانة وفي المساء جاءات الاوامر التي تقضي باطلاق صراح جميع المعتقلين بزنزانات الجمرك ونقل القوبة وخميس الى سجن الشبكة بتعز لمحاكمتهم هناك.
يعود المغبش في ذلك المساء الى منزله فيجلسُ متكئاً في زاويته المفضلة يتناول اعشاب القات مع زوجته وكانت تلك الليلة مظلمه، والرياح ترجف بشدة انها ليلة ممطرة لوامح البروق تضيء بقوة، والرعود تتقارح اصواتها المدوية في بطون الهيج وصدور الضياح.
يتساقط المطر بغزارة، فتشتن الامزان ويُدَردِشُ الماء في السواقي وعلى المدرجات فتفيضُ الشواجب وتَسفَحُ الاسوام.
ترتفع الاصوات من المساكن المرتفعة والبعيدة تنبهُ بقدوم سيل الجاح، لحظات ويدفر السيل بصوته الهادر انه سيل الليل (فيلفجُ) الوادي بطرفة عين وتتعالى اصوات المعبرين من الاعبار فمنهم من يحاولُ كسر توجه السيل وتغيير مجراه خوفا من جرف الارض او حدوث بعض (السمات او الفجاير) ومنهم من يحاول جاهداََ وضع (الرسمات) لتوجيه الماء الى اعبارهم التي كسرها السيل و(حُملت) عند دفرته الاولى لكي ترتوي (الطين ويشرب الزرع) انها لحظات فارقة لاختلاط المشاعر، حيث يختلط الرعب بالفرح والخوف بالامان في وقت واحد.