- عبدالملك الحاج
على الرغم من ان المغبش لم يكن يدرك انه امام مهمة صعبة ومع هذا استطاع اقناع المجتمعين في منزله ان الجمهورية ليست ملك احد وانها قامت من اجل انهاء الظلم ونشر العلم والعدل والاهم والمساواة بين الجميع دون تمييز، وبنفس الوقت حثهم على التخلي عن الشعور بالذل والانكسار ودعاهم الى مواكبة الزخم الثوري واستغلال كافة الفرص المتاحة التي هيئتها لهم الجمهورية الوليدة والمشاركة في حمايتها من خلال الالتحاق في صفوف جيشها حديث التكوين.
بعد ان تم توزيع المتواجدين في منزل المغبش الى جميع القرى والمناطق التي تم تحديدها لهم، تحركوا على الفور في وقت العصر، حيث توجه كل واحد منهم الى المنطقة المحدده له وذلك لابلاغ اهاليهم وابناء عمومتهم بما تم الاتفاق عليه، واقناعهم بالتواجد صباح الغد هم وابنائهم بالاماكن المحددة، والتوجه بعد ذلك بحشد جماعي الى الراهدة لتسجيل اسمائهم بجيش الثورة قبل ان يتم اغلاق التسجيل.
في اليوم الثاني كان الحشد الذي دعاء اليه المغبش غير متوقع، فقد احتشد الكبار والشباب من جميع النواحي والمناطق المحيطة بالراهدة، وكان هذا الحشد مكون من مجموعتين.
المجموعة الاولى تتكون من المجاميع الصغيرة القادمة من غرب وشمال الراهده وكانت نقطة تجمعها هى قبة عبد الملك عند مدخل المدينه، وبعد اكتمال وصول المجاميع الوافدة اليها من مختلف القرى تحركت هذه المجاميع في مجموعة حاشده الى مركز التسجيل في وسط المدينة، فكان البعض يدق المرافع والطيسان والبعض الاخر يعزف المزامير، اما البقية فقد كانوا يلوحون ” بالمشدات ” وهم يهتفون ويرددون …
لا رجعية لا ملكية نحن جيش الجمهوريه
واصلت المجموعة الاولى السير الى ان وصلت الى امام المنصة التي تتواجد فيها اللجنة المصرية وبجانبها يتواجد محافظ الراهدة مدير الجمرك والمشائخ والاعيان الذين وقفوا مع اللجنة العسكرية وقفة تحية للزخم الثوري لهذه الفيئة الواصلة الى الساحة والتي ظلت تهتف دون توقف…
اما المجاميع المحتشدة من المناطق الشرقية والجنوبية للراهدة فكانت نقطة تجمعهم هى الوعرة، وبعد ان احتشدت جميع تلك المجاميع القادمة من شرق وجنوب المدينة الى مركز التجمع مكونه المجموعة الثانية، تم التحرك نحو مركز التسجيل وهى ترفع الصموال والحكيل وتردد …
ثورة ثورة يا سلال بالصميل او بالحكال
بعد وصول المجموعة الثانية الى مقر تواجد اللجنه العسكرية بساحة الاستقبال انضمت على الفور بالمجموعة الاولى، وبعد ان توقفت الهتافات الثورية، تقدم المغبش وبجانبه اربعه اخرين الى المنصة لمصافحة المحافظ والضباط المصرين الذين قدموا لهم شرح تفصيلي عن شروط القبول للالتحاق في صفوف الجيش وتم اطلاعهم على ان اللجنه ليس لديها اي تحفظ في مسألة قبول المجندين وانه سيتم قبول جميع الشباب الذين تنطبق عليهم الشروط دون استثناء.
في نفس اليوم تم تسجيل عددا كبيرا من الشباب الذين قام بتجميعهم المغبش الى جانب تلك المجاميع الكبيره من ابناء المناطق المحيطة بالراهدة، فقد فاق العدد الذي كانت تتوقعه اللجنة بارقام كبيرة.
بعد اكتمال نصاب التسجيل واجراء عملية الفحوصات اللازمة قامت اللجنة بتجميع المقبولين في صفوف لواء الثورة الى حبيل الراهدة المعروف بـ ” المعلاف ” تمهيدا لنقلهم الى معسكرات التجنيد… لم يعد الشباب الذين تم قبولهم الى منازلهم بل تواجدوا بالراهدة ولم يغادروها.
في ذلك المساء تحولت الراهدة الى ساحة احتفال وعروض، انها تشهد عرس ثوري فريد وكرنفال شبابي وجماهيري كبير لتوديع تلك الاعداد الكبيرة من المجندين من ابناء هذه المناطق، مجاميع تهتف واخرى تردد الزوامل الشعبية الحماسية واخرون يرقصون على ايقاعات المرافع والمزامير.
في الساعة السابعة مساءا تلك اطلقت اللجنة العسكرية المصرية الالعاب النارية التي اشعلت سماء الراهدة والمناطق المجاورة لها بالانوار الملونة، وكان اهالي هذه المناطق لاول مرة يشاهدون مثل هذه الالعاب باستغراب وتعجب وفرحة عارمة، انها نجوم الثورة تشتعل في السماء وهم يهتفون ويرددون بابتهاج عاشت الجمهورية عاشت الثورة.
لحظات واذا “بالتناصيير” تشتعل من جبال (حمالة والقرن وحصن الهجر وقلة والمُشَقّر والجاح والاعبوس وحيفان الاغابرة وذي سامر ومساهر بالاعروق والصلوا وقلعة الدملؤه والاقروض وشقب وسامع وحُمّر ماوية، انها مشاعل الثورة تحيط بالراهدة من جميع الجوانب.
فرقة التوجيه المعنوي المرافقة للجنة المصرية كانت قد قامت منذ وقت سابق بتحديد المكان المناسب وتجهيز منصة العرض السينمائي وهى عبارة عن شاشة سينمائية كبيرة متنقلة تم وضعها في مقدمة ساحة التجمع، وفور الانتهاء من اطلاق الالعاب النارية افتتح العرض السينمائي بخطاب لرئيس اللجنة العسكرية المصرية وتلاه خطاب محافظ لواء الراهدة والقبيطة.
ابتداء العرض بنيوز خاص للزعيم العربي جمال عبد الناصر وهو يستقبل زعما ورؤساء العالم وعرض مقتطفات من خطاباته، وبعدها تم عرض عدد من الاناشيد الحماسية والاغاني الوطنية ليأتي بعدها عرض فلم سينمائي اشترك فيه كبار الممثلين المصريين، لقد عاشت الراهدة في تلك الليلة لحظات استثنائية لم تشهد مثلها من قبل على الاطلاق.
صباح اليوم التالي قامت اللجنة العسكرية بتقسيم المجندين الى مجموعات، وتم نقلهم بواسطة شاحنات النقل الى قصر صالة في مدينة تعز، وبعد ان قامت اللجنة باستكمال الاجراءات الاخيرة هناك تحركة العربات والشاحنات التي تقل المجندين نحو طريق الحديدة.
وصلت عربات النقل الى الحديدة ومكث المجندين في العرضي لمدة يومين متتاليين لانتظار الباخرة التي سوف تقلهم الى مصر، وفي صباح اليوم الثالث تم ترحيلهم على متن السفينة التجارية (نجمة الاقصار) التي ظلت تبحر بهم في مياة البحر الاحمر لمدة خمس ايام على التوالي الى ان رست في ميناء السويس.
وصل المجندين الى جبل الطور ومن هناك تم توزيعهم الى المعسكرات الخاصة التي تم تجهيزها للتدريب من قبل القوات المصرية، وتم تشكيل الكتائب والسرايا والوحدات لهذا اللواء العسكري الذي تم تسميته باسم لواء الثورة.
بعد توديع المجندين بالراهدة عاد المغبش الى منزلة وفي المساء يحضر معجب الى ذراع الابل للسمرة مع المغبش وكان حديثهم يدور حول ما شهدته الراهدة من حشود كبيرة واندفاع الشباب وحماسهم للاكتتاب بالتجنيد من اجل الدفاع عن الثورة والجمهورية… فيتحدث معجب الى المغبش قائلا:
- قبلوا اصحابكم يا مغبش.
- كيف ما شقبلوهمش هذي الجمهورية حقنا كلنا ما فيش احد احسن من احد.
- لا تنتشيش مره، صبرك.. شرجعوهم من الطريق.
- يا وليد عيب عليك قلك شرجعوهم..لو شفت القايد المصري كيف سلم عليا وقال لي هذا ما عهدناه بكم يا احفاد حمير.
- ما هوش داري انكم من احفاد ابرهه والا كان ما شقبلش ولا وزاط منكم… ثم يضحك
- المهم قا قبلوهم وشرجعوا ضباط يقودوا جيوش وعلى عينك يا حاسد… والله وسبرت لنا يا معجب… لكن تشا الصدق الضجة حق الراهدة تكون قا وصلت لا كل مكان.
- مو تحسب الراهده بسيط… احسب بس كم معانا قادة بالثورة.
- قصدك الوزراء اللي هم بالحكومة كم منهم.
- قول الاول عبد الغني العريقي ابن مطهر، والثاني عبد الغني بن علي.
- ايوه والثالث منه.
- الثالث هاذك ابن اخوه هائل سعيد.
- قصدك علي محمد.
- ايوه.. والرابع بن غالب اسمه احمد.. هاذم بس الا من الاعروق والاغابره.
- نسيت صاحب المداكشة القباطي.
- ايوه والخامس محمد سعد، وبن قايد سيف الضابط اسمه محمد قايد السادس من اليوسفين.
- والسابع عبد القوي حاميم من الشريجه…. هذم غير التجار اللي دحفوا بيسهم للثورة ودعموا الثوار.