- عبدالملك الحاج
عند سماع السجناء للمغبش وهو يرددالزامل، ارتفعت اصواتهم يطالبونه بالمزيد، لقد اثار ذلك الموال شجونهم ونجش مواجعهم والاحزان.
ينزعج عامل الناحية من زامل المغبش ويصب جام غضبه على عساكره فيقومون بإيداع المغبش السجن ذلك القبو المظلم الذي يقع في الطابق الارضي لدار الناحية، ويوجد فيه سجناء من مختلف عزل الناحية اغلبهم مسجونين بسبب التنازع على الاراضي الزراعية، فيرحب “سعيد المكعده” بالمغبش قائلا:
- ارحب يا مغبش.
- قا وصلنا.
- على مو حبسوك.
- على الركبه فوق بغلة الشيخ.
- وانت فعلته يا مغبش، محد تطاول على
اسياده غيرك. - سيدنا كلنا واحدي.
- انا سيدك وسيد سيدك.
- ايوه.. الشيخ سيدك وانت سيدي واللي يحكمنا
اليهودي ابن اليهودي.. قدها الا “خج دج بج”.
استوعب المغبش وكذا سعيد قضايا المسجونين بشكل سريع ولم تمر سوى فترة قصيرة حتى تحول سجن الناحية الى ديوان لمناقشة قضايا المسجونين.
في الصباح الباكر يخرج عامل الناحية بكرشه الكبيرة يرتدي الزي الرسمي لعمال النواحي ثم يمتطي ظهر حصانة ويتوجه الى مقابلة نائب الامام بتعز الذي ارسل في طلبه للحضور الى “صالة” ومعه عدد من المرافقين وقد يغيب في تعز لعدة ايام.
بعد مغادرة العامل دار الناحية كان المغبش قد خرج الى جوار بوابة السجن واذا بالشاويش الجعراني يناديه…
- الشاويش :
أين جا المغبش يجاوب. - المغبش :
مو قد في يا جعراني. - الجعراني :
ابسط يا مغبش ما بلا معك زيارة ابصر ما يشتوك.
يذهب المغبش نحو البوابة واذا به يشاهد “احمد عبده” امامه قادم من القرية يحمل على ظهر حماره “شوال” فيها الخبز وانواع الكدر والقفائع وصلع الدخن المخمرة وبعض الاقراص المعجونه بالسمن واللبن وهناك ايضا “قصيص” بداخلها الحقين المحمأ مع (الجبابة) بالاضافة الى بعض من قطع “الهريس والمضروب”، يصافح المغبش احمد عبده وهو يقول:
- شفناك وشفنا الخير يا بن عبده.
- كيفك يا مغبش اهل القرية يسلموا عليك، خبر
حبسك بكل القرى. - قول لي كيف لك اليوم دخلت حيفان.
- اليوم سوق حيفان قا نسيت اجيت اتسوق..
هيا شل الرساله هذي. - لمن اشل هذه الرسالة.
- ارسلتها لك “غصون” بس خفى محد يدري، لو
علم الشيخ شعمل لنا دوشه، قامين من سحرى
يعملين لك الخبز. - منهن.
- (غصون وزهور ونعمة وفك النون وبدره وقند)
كلهن حسمانات عليك بالقرية، هاااا مد بيدك. - يمد المغبش يده وهو صامت.
- هذي خمسة ريال فرنص جمعتها غصون من
القرية ازقرها ضبط.
كاد ان يغمى على المغبش.. لم يستطع ان يتمالك نفسه وسالت الدموع على خده دون ارادته.. لقد شعر بإرتياح لم يشعر بمثله طوال حياته فهذه اللحظة انسته كل مواجعه واحزانه المتراكمات، فتحولت ملامح وجهه البائسة الى سعادة غامرة لقد صفح من اعماق قلبه الطيب على جميع من اساء اليه ولم يعد يحمل ضغينة على احد حتى على الشيخ نفسه.
يذهب احمد عبده الى السوق ويعود المغبش الى العسكر والمساجين الذين تجمعوا حوله فيقوم بوضع تلك الشوالة التي وصلته من القرية امام الجميع كي يشاركوه الفرحة.
عندما عاد احمد عبده من حيفان الى بيته ذهبت غصون اليه وبجانبها بعض من نساء ورجال القرية للاطمئنان على حال المغبش، فيصف لهم كيف كانت فرحته كبيرة وهو يتسلم الهديه المرسله اليه، كما اخبرهم بان الجميع بحيفان يتحدثون عن المغبش والمساجين و(سعيد عُبيد) الذي يتزعمهم لمواجهة المتجبرين الظلمة من داخل سجن الناحية.
في المساء يفتح الشاويش الجعراني باب السجن وينادي المغبش وبقية المسجونين لقضاء ليلة سمر في الساحة التي تقع امام دار الحكومة، فيجتمع العساكر والمساجين معا في سمرة جماعية يمضغون فيها القات ويتبادلون الاحاديث والقصص المسلية فى الهواء الطلق وعلى اشعة القمر، يتكى الشاويش الجعراني في واجهة المكان، وكان يمضغ بعض من اوراق القات في فمه ويمسك بقصبة المداعة ويتحدث للمغبش الذي كان يتكي امامه.. الا ان المغبش كان شارد الذهن يتذكر غصون ومواقفها التي لا تنسى، لقد كان سعيدا في تلك الليلة انه يشعر بسعاده غامرة وراحة نفسية لم يشعر بها من قبل……
- الشاويش :
ما بك الليلة يا مغبش لا حس ولا خبر. - ردمان العودلي :
افدوك انا وا مغبش امانه عليك سمعنا صوتين قلبي يشطرف يشا يطير.
يتنهد المغبش من اعماقه بعد ان كان قد تخدر من اثر مفعول القات وبدأ يشعر بنشوة غامرة فيتناول قصبة المداعة من الشاويش الجعراني وياخذ نفسا عميقا ثم يغرد بذلك الصوت الجميل وكانه البليبل الصداح…
بالخير يا سمار يسعد مساكم
حسي مع خلي مش هو معاكم
يا مسلمين اينه مدينة الليم
شنشتكي نحن الجميع مظاليم