- عبدالملك الحاج
يستمر القناصة بقنص “النصع” الذي تم وضعه في التبة المقابلة، وما هى الا لحظات واذا بالطبول تقرع وزغاريد النساء ترتفع والمغنيات يزفين بدفوفهن هذا الفارس القناص الذي نال مرتبه الشرف من بين جميع الفرسان، المشائخ ووجهاء العشائر يتسآءلون ابن من يكون هذا القناص الذي التقط النصع بالطلقة الثانية حتى طار عاليا في الهواء، الجميع لا يعرف حتى اللحظة من هو القناص الفائز.
تهتف الاصوات وتصفق الأيدي والزغاريد ترتفع والمرافع والمزامير والدفوف تعزف الالحان الفرائحيه، الا ان الفائز مجهول الهوية، اذا من يا ترى يكون هذا الفائز كي يرفع على الاكتاف ويحمل الى ساحة الرقص وترقص عشيرته هناك رقصة الانتصار والفوز كما حدث للقناص (سلام جناح) الذي فاز وحصل على افضل قناص بجمع المعشر في العام الماضي، اما قناص هذا العام لازال مجهول الحسب والنسب والعشيرة.
عم الصمت المكان وذهب المشرف على القنص الي القناصة فيمر امامهم الى ان يصل الى امام احدهم فيتوقف هناك، ثم يرفع صوته عاليا ليعلن للجميع بان الذي استحق لقب افضل قناص في جمع المعشر لهذا العام هو…… المغبــــش.
في وسط الهدوء الذي ساد المكان لحظات الاعلان عن القناص الفائز يمر النمشي ومعه الجازعي وتلك المجموعة المسلحة من ابناء العبيسة والجزيعة الى ان يصلوا الى المغبش وبعد ان قاموا بتوزيع الريالات “الفرنصية والبقش والعانات والباولات” على الفرق الشعبية رجال ونساء، دقت المرافع والطيسان ضربة السياري للمغبش وغطرفن له النساء المهمشات بالزغاريد، وتغنين باروع الكلمات التي تقال في مناسبات الفوز بقنص النصع، ويرتفع الزامل من حناجر رجال الاعبوس والجوازعة ولم يُخذل المغبش كونه وحيدا دون اهل او عشيرة تقف الى جانبه في هذا الموقف الذي وجد نفسه محشورا فيه دون ارادته، ويستمر الموكب الى ان يصل الى المكان المحدد للرقص في اسفل الجبل، وهناك انقسم الرجال الى صفين لتأدية رقصة الهُتُش، الركلة الجماعية التي تُرقص بالسلاح وبمشاركة افضل النساء الراقصات في الفرق الشعبية المتواجدة بالجمع.
المشائخ والاعيان واتباعهم لم يحضروا فعاليات الرقص بل ظلوا هناك في اماكنهم، اما الفقهاء وتلاميذهم من فرق الانشاد ينتقلون الى جوار قبة الولي وهم يرددون نشيد (الجمع)، مجموعة المجاذيب ” تعود الى ساحة القبة وتمارس الطقوس الخاصة بالمجذابة، فيتقدم مجذوب الحضره اقرع الراس “مقعش” الشعر يرتدي ذلك المئزر وتلك المحشة المطوية على خصره وبين ردفاتها يضع الجنبيه، حاملا بيده اليسرى “الطبيلة” وفي اليمنى الفأس.. فيدق رأسه بضربات قوية ويطعن بطنه بجنبيته الحادة دون ان تسيل قطرة دم، ويستمر الجذب الى ان يغير عليه الولي وتحصل الكرامة.
في ساحة الرقص تنتهي رقصه الركلة ويتجه طارش ومانع والمغبش ورفاقهم لإيقاد شعلة الجهيش واثناء “تشويط السبول والمحاجين” على النار يطلب طارش من المغبش ان يحكي لهم تفاصيل القصة التي حدثت بينه وبين شيخه منذ يومين، واثناء سرد المغبش تفاصيل القصه يصل حسن الهرواش ورجاله المسلحين ويوجهون بنادقهم باتجاه المغبش، فيقوم طارش هو ومن معه بمحاصرة الهرواش وجماعته طالبين منهم الكف عن المغبش مالم فانهم سيطلقون النار عليهم دون تردد.
إستشعر المشائخ ووجهاء القوم بخطورة الموقف وتحرك البعض منهم لتهدئة الوضع بين الطرفين الا ان مساعيهم فشلت، فيتدخل “السيد هاشم” ويتدارك الموقف في اللحظات الاخيرة فقد حضر الى مكان الاشتباك حاملا بيده العلم المعروف “ببنديره السادة” ذات اللون الاخضر وفي وسطها الهلال، فيقف في المكان الذي يتوسط الجمع ملوحا بتلك البنديره فيصمت الجميع ويعود السلاح الى الاكتاف ويطلب منهم احترام مزارات الاولياء ورجال الله الصالحين، وعدم التعرض لاي شخص كان طالما وهو في حضرة ولي الله المعشر، ويدعوهم بالتوجه لصلاة الظهر.
بعد الافراغ من تناول وجبة الغداء تتجه المجاميع الى الجبل للمقيل ومضغ القات، اما الفقهاء يجتمعون حول القبة وتبتدي الحضرة بقراءة المولد الحريري والديبعي وترديد الاناشيد وتكون الخاتمة إقامة المرحب، على امتداد الجبل الذي يقع فيه مزار الولي كانت المجاميع قد توزعت تحت ظلال الاشجار “وشواجب الاحوال” والمدرجات، اما النمشي والجازعي والمغبش ومن معهم فقد كان مقيلهم على ظلال شجرة “السُقم”، انهم يمضغون القات ويتبادلون الأحاديث….
- غالب المرد: يا جماعة القبة امتلت نذور، من
الصبح والنسوان يناقلين قوارير السمن
والسليط والعطر والبخور والعوده انواع انواع،
والبعض يندين الريالات الفرنص والباولات هذا
غير الكباش والاجدية. - محسن خرفج: عليهن نذور، والذي ما توفي
بالنذر، تصاب بلعنة الولي. - المغبش: ازواجهن بالغربة راكنين معاهم من
بقشتين بالبلاد… وهن ينذرين بها للولي منشان
لا يتزوجوا عليهن بالغربة. - مكرد ناجي: يعلم الله اين تيسر النذور.
- المغبش: منتش داري.. يشلوها الجن، القبقبة
للولي والفايده للقيوم. - مكرد ناجي: السمن يسكبه االمنصوب داخل
المسرجة وسرج القبة، وبقية النذور اين يسير. - المغبش: ذكرتنا بجابر كان يشقي حمال.. وبعد
العشاء يشل معه فطيرة خبز ودخل القبة،
واستقام عند المسرجة حق السمن يدعي… يا
قبة الولي… العبد لله جابر البحكلي، معه عاس
خسيم، يأكله ناشف والا يتوكز… وجوب من
نفسه… يتوكز يتوكز… واتوكز بالسمن وخرج،
كل يوم والسمن يزلج والقييم يسكب، في
احدى الليالي جلس القييم بزوة القبه وبيده
صميل مكعرر ينتظر الذي زلج سمن الولي..
دخل جابر القبة ووقف بجانب المسرجة
ودعى… يا قبة الولي العبد لله جابر البحكلي
مخوق من الجوع يفت والا يتوكز… وجوب
من نفسه… يفت يفت… والقييم صاح من
الزوه ملعون ابن الملعون “لا يفت ولا يتوكز”
ويمتحه بالصميل وسط الرأس لما سخدد به.
يستمر النقاش فيما بينهم، يتحدثون عن الاولياء وكراماتهم وما يحدث اثناء المزارات، وينتقدون القائمين على الاضرحة بانهم هم من يشوهون سمعة الاولياء، ويلفقون الاقاويل والحكايات الاسطورية وينسبوها للاولياء، فقد جعلون من اضرحة اولياء الله مصدر للارتزاق وكسب المال، ثم ينتقل الحديث الى الكرامات التي اشتهر بها الاولياء….
سالم الدهمشي:
الولي حقنا كان يقوم في نص الليل يشل (الغرب) وسار البير يعبيه ماء وعندما يمتلي الغرب يربط الطاهش بالعمامة حقه وحمل الغرب وركب ونزقه مثل الحمار لما يوصل البيت بالغرب وفسح للطاهش يسير.
نعمان جازم:
كلهم كانوا يركبوا فوق الطاهش، اما الولي حقنا مافيش مثله ولا بعده… المجاذيب يجلسوا داخل القبة يجذبوا لما تقرح التعشيرة من رأس القبة… بعدها تخر الريالات الفرنصي لا قدامهم لكن حامي نار، وقربوا يشلوها المجاذيب باطراف الجنابي والعطواف.
المغبش:
هذا القييم يا بن جازم يشقي لجاهل بيستين وطرح ريالين والا ثلاثة فرنص فوق الوقيد وعمله بشقف مدر ومد به للوليد المتخفي برأس القبه لما يأشر له القييم يرجمبها الولد من الشجح لا داخل القبة.
طارش:
عندنا السيد علي نعمل له كل سنه جمع ومعه كرامات خيرات، ومن كرامات الولي السيد علي كان لما يسرح يحطب يربط الحطب بالحناشة وروح.
سالم حسن:
الولي الذي عندنا كان يرعي الغنم وقت الظهر وصل للبير يدور الدلو منشان يغرف ماء من البير ويسقي الغنم ما حصلش الدلو… خرج السكين وخلس جلد الجدي وربطه بالعمامة وغرف الماء من البير لما شربين الغنم ورجع يدرع الجدي بجلده من ثاني، وسدحه بالظهر وقام الجدي يبترع…
الباري داري لمن يندي كرامته… مش من لبس عمامة قال قانا سيد… ولا كل سيد يوقع ولي.
المغبش:
الشيخ عبدالله كان معه جنيه اسمها “منشه زربة” ومعها قرن حديد وسط الرأس.. الولي المعشر تقولوا مو كان معه من كرامة.
مانع علي:
المعشر كان فقيه يقري الجهال، وفي يوم اجو رعية للجبل وجلسوا قريب من المعلامة يضربوا النصع وما قدروش يصيبوا النصع، نزل لهم المعشر وقال لهم اهربوا يا بنيي ووجه عصاته وضرب النصع بالباكورة لما طار بالهواء.. فصاحوا الرعية بلا باروت… يا معشر يا باهوت.. ومن ذك اليوم سموه بالمُعَشّر….
تستمر الاحاديث وتتواصل فعاليات الحضرة الى المغرب، وقبل حلول الليل ينفض الجمع وتتحرك الجموع للعودة الى مناطقهم، اما المغبش فيذهب مع طارش وجماعته باتجاه وادي “السُبُد” انه يريد الذهاب الى حيفان مركز الناحية…