- عبدالملك الحاج
قُبيل تشعشاع الفجر واثناء “تفزفاز الغبش” يفتز “المُقَيبل بن علي” شيخ مشايخ الطيور من عشه باعلى عتان شجرة “الخصال” ويتلفت حواليه فيدرك بان وقت البكور لم يأت وساعة الزجيل لم تحن بعد، فيظل في (عقشه) ينتظرُ قدوم الغشاوش ويرقب من مكانه العالي ما يدور قبل اوان البزوغ.
يصحو “الجاهلي” من غفوته على ترانيم تلك النغمات الشجية التي يعزفها الماء من على شلال المقصوب اثناء انسيابه في المنحدر وخلال جريانه بين “حصاص” النيس في قاع الوادي.
بذات اللحظة تفتح الريم اعينها على سفوح وروابي عيريم، وتنسنس الروائح العطرة من بين حماحم الحنون المتدلية على اغصان شجيرات الحناء بوادي “السُبد”.
تُغرد القمرية من نكاب “الحسيمة” بموال الغباشيش، وينتبش الصبح سريعا من كل مكان… فتطلُ “الخدمة” ملبسة بثوب “الخنان” العرائيسي الفريد، فيتسلل الضوء نحوها ليفتش الطرحه من على وجهها البهي، فيشع بريق جمالها الفتان كأنها عروس بيوم زفافها، بل ملكة حسناء متوجة على عرش الجمال.
اما “القبع” فقد بدأ مكتحلا بالنداء ومشقراََ بالغمامة، مرشرشاََ بالهثيم ومعطراََ بالنسيم، وحوله يتراقص الجهيش بنشوة وابتهاج، ويبكي الطل فرحاََ بطلته الباهية فتجري دمعاته على خدود تلك الحشائش بكل حنان ورقة، انه على موعد لاستقبال الذكرى السنوية لمزار “المُعَشّر” الجمع الذي يقام في مثل هذا اليوم من كل عام.
مع وصول اول خيط من خيوط اشعة الشمس الى (قبة المعشر) يصل “قاسم العصار” الى وادي المقصوب، اول القماطة القادمين من خدير والبدو مع قطيع المواشي، وبنفس الوقت تصل الحجة “بهية” قادمة من طور الباحة على ظهر احد الحمير السورقية، وبرفقتها عدد من الفتيات والفتيان الذين يحملون السلل والمحامل، وخلفهم تقاد تلك الحمير المحملة بـ “الصيد المملوح” و”الحجول والمحاجش واثواب التبيتات”، وكذلك (البلح والمناصف) و”الوزف” و(المسارف والتفالات) اضافة “للسعفات” المصنوعة من سعف النخيل.
اما في تلك البرحة القريبة من المزار فتبرك هناك الجمال الوافدة من “سحول بني ناجي” والمحملة بحبوب الدخن والغرب والدجر والكُشري والسمسم والحلبة.
من تلك التبة المقابله ترتفع الاصوات التي تستقبل بفرحة عارمة وصول الحمير القادمة من صبر والمحملة بالبلس والفرسك والزيتون، ثم تصل بعدها مباشرة الحمير التي تحمل باخراجها “كلاوت وزرب” القات الشقبي المعروف بالمبرح والمثاني والشرو.. لقد تحول ذلك المكان المهجور الى سوق متنوع تباع فيه مختلف السلع بالاضافة الى”قبوة الكاذي وحماحم السواد والفيجل والشذاب”، اما الحلويات التي اشتهرت بصناعتها منطقة النويحة فتتواجد بانواعها (الهريس والمضروب والمخاوي والوهطي)، كما تتواجد الحلويات الاخرى مثل السكر الاحمر و”الحلي والسمسمية والمجلجل” وهذا النوع من الحلويات تصنع في منطقتي الاعروق والصلو.
بدأت الافواج تتوافد الى مزار الولي المعشر، حيث كان لكل فوج علمه الخاص به “البنديرة” يتقدم الموكب بالاضافة الى فرق “المرافع والطيسان والدفوف والطارات”.
يصل “المُغَبــــــش” الى “جمع المعشر” في الوقت الذي كانت فيه الجموع تتحرك باتجاه الجانب الاخر من الجبل يتقدمهم صفوة القوم وشيوخهم فينضم اليهم المغبش، ويستمر الموكب بالتحرك الى ان يصل الى احدى زوايا الجبل وهناك تقوم كل عشيرة بتسمية فارسها للمنافسة على لقب افضل قناص لهذا العام في جمع المُعَشّر، يلمح طارش النمشي احد اعيان العبيسه المغبش في اخر الصفوف فيذهب اليه ليسلمه بندقيته والرصاص كي يشارك في رمي النصع، واثناء تقدم المغبش للإنضمام الى القناصة يعترض الشيخ “سعدان البدح” مشاركة المغبش كونه لا يحق للاخدام منافسة اسيادهم.
يتراجع المغبش الى الخلف، الا ان طارش النمشي اصر على مشاركة المغبش بالقنص طالما وهناك احد المهمشين المرافقين لاحد المشايخ الكبار يشارك بالنصع دون ان يعترض عليه احد، وهنا يتراجع الشيخ سعدان ويتقدم القناص المغبش، فيصل عدد القناصة المشاركين في هذا الموسم الى خمسين قناصاََ… والمغبـــــــــش.