- عبدالملك الحاج
ينزل الشيخ من على البغلة وهو يتمتم بصوت خافت.. الخادم يخبر من صدقه لو ما نزلتوش والله انه شعمله، نحن بالخلى لا احد شدري بي ولا شغير عليا.. اعوذ بالله وهذي الصورة اللي فوقه، قد عيونه مقلبات ووجه محشوط وهو بعلم الله.. احسن لي امشي قوله ولا يجزعنا غلطة.
يمتطي المغبش صهوة البغلة، ويستأنف المسير ولكن هذه المرة كان الشيخ هو من يقود البغلة والمغبش يركب عليها، وبعد ان تقدموا عدة خطوات…..
المغبش:
يضحك من على البغلة وهو يقول.. والله اننا شيخ من صدق.. مو رايك يا شيخ اصلح اكون شيخ على المشايخ والا ماشي.
يلتفت الشيخ نحو المغبش وهو غاضب الوجه لكنه لم يتكلم بل واصل السير.
المغبش:
لا تجحمر جنابي ولا شي متمشيخ علينا طول ولا قا فتحنا لقوفنا، ومستكثر على المغبش يتمشيخ من فوق البغلة (بسقة).
الشيخ:
اتمشيخ يا بن اير الصعب اتمشيخ ولا يهمك بيني وبينك لما نوصل.
المغبش:
يضحك بصوت مرتفع ثم يقول:
المهم اتمشيخ علوك بقية الطريق واعمل اللي براسي، ولما نوصل وَ سيدي اعمل اللي برأسك.
الشيخ:
سهل شرميلك انا مو شعمل خلينا نوصل بس.
المغبش:
اقولك سير بلا فرغنة، قود وانت ساكت خلينا اتمشيخ سوى طعم الورق باللجع يقرح لا قبة الرأس.
يقود الشيخ البغلة الى أن اصبحو على مشارف القرية اوقف الشيخ البغله واستدار يتحدث للمغبش محاولاََ اقناعه بالنزول من على البغلة فإذا دخل القريه وهو يقود البغلة للمغبش فإن موقفه سيكون محرج امام رعيته للغاية.
الشيخ:
يا مغبش يكفيك قا وصلنا.. انزل لشيخك يركب وخلي الطبق مستور.
المغبش:
مو تخبر يا شيخ انزل.. يمين ودين ما انزل الا دجا الدار حقك.
الشيخ:
وعادك تحلف عليا ايمانك يا مكسور الناموس، عيب عليك استحي خلينا اطلع فوق البغلة.
المغبش:
اقول لك سير وَ سيدي، لا تخلينا اتمرشح بدمك وقت المغربيه.
الشيخ:
اعقل يا خادم تشا توصل راكب والنسوان يضحكين على دقني.. مو شقولين المغبش متمشيخ، والشيخ يقود البغلة للمغبش.. اقولك خيرة الله عليك انزل من فوق البغلة، خلي الليله تجزع على خير.
يوجه المغبش البندقيه باتجاه رأس الشيخ وهو يقول:
لا تكلفنا يا شيخ اماسيك، انا ملعون بن ملعون لو ما تقود البغلة لا اخلي مخك يذرذر بطول الاصفية.
الشيخ:
إغضُب اللي يقروك ونزل البندق.. هذي الساع وقت زوال وجزعة الشياطين لا تخلي ابليس يركبك ويزيد علوك.
المغبش:
ما دامك داري انه وقت رواح الجن لمه ما تقود البغلة سكته مساكته.
يواصل الشيخ السير ويبدأ بالدخول الى وسط القرية حيث كان الشيخ هو من يقود البغلة والمغبش لايزال راكبا عليها، النساء والرجال والاطفال يطلون من على اسطح منازلهم يتابعون هذا المشهد الغير مألوف بصمت واستغراب، اخيراََ تصل البغلة الى امام الدار والمغبش يتلفت يميناََ وشمالاََ من على صهوتها غير مبالي بما قد يحدث له، وفور وصولهم ينادى الشيخ عساكره…
الشيخ:
مو بكم مهقعين يا سجيف.. نزلوا الخادم من فوق البغلة واربطو ابوه شق الحمار … ثم يدخل مباشرة إلى داره.
يطوق العسكر البغلة وهم متخوفين من أن يقوم المغبش بمقاومتهم فهو مسلح وبحوزته العديد من الذخائر، لكن المغبش لم يبدي اي مقاومة انه هادئ تماما وغير متوتر، يلتفت اليهم مبتسما وهم امامه وأثناء نزوله من على البغلة يرفع البندقية بقبضة يديهه عالياََ ويسلمها مع محزم الرصاص إلى سالم حنش وهو يضحك.
احمد الوجرة:
مو صنف لامك تعمل هذي العملة.
المغبش:
مو من عمله.. ركبت البغلة من هيجة المبلاج لما وصلنا.
سعيد البدح:
حيا بالشيخ المغبش كيف شفت المشيخة من فوق البغلة.. منجهه والا لا.
المغبش:
انا شيخ يا بدح مو تحسب بس الزمن بن كلب والا قا نسيت انه جدي قا حكمكم زمان.
هزاع القرقور:
صدقت نفسك هيا استلم مو شقع بك.. ما عملوهاش القبائل يا مغبش اجيت انت اشتشلخ من فوق الاعدان.
المغبش:
انا شخلتو فوق البغله بس.. وعملت اللي بالرأس، ذلحين خندقوها وَ اسياد واعملوا اللي برؤسكم.. لكن دخلونا جحر الحمار الداخلي.
تلك الليلة شعر جميع (المُغَبِشين) ليس في القرية وحدها بل بالمنطقة وربما في العزلة باكملها أن هناك مصيبة كبيرة قد حلت على رؤوسهم… اما (سعود) فقد هرولت الى دار القرية بعد سماعها للخبر واخذت تقبل اقدام الشيخ وتقدم له اعتذارها واسفها لما قام به ولدها المغبش من جرم كبير، إلا أن الشيخ ركلها بقدمه إلى أن وقعت على الأرض، استعادت سعود توازنها من جديد وجلست على ركبتيها أمام الشيخ ….
سعود:
نحن اخدامك وَ سيدي وانت شيخنا والقول قولك اعمل بنا اللي تشاء.
الشيخ :
يرفع صوته وهو يمد بيده الى امام وجه سعود انتِ منتش داري مو عمل ابنك وا سعود ماحد قا عمل عملته.
سعود:
قشش وَا سيدي قشش…..
صباح اليوم التالي كان المغبش مربوط إلى جذع الشجرة التي تقع في الساحة المقابلة لدار الشيخ، وكان الشيخ قد استدعى عقال القرية والقرى المجاورة الذين تجمعوا الى تلك الساحة.
الشيخ:
هيا مو شوركم يا عقال.
العقال:
الشور شورك يا شيخ.
الشيخ:
افتحوا المدفن ونزلتم الخادم وسطه الان.
العاقل حمادي:
لا يا شيخ هذي خيبه بحقك.. مو شقولوا الأوادم عليك.. الشيخ استقوى على الخادم حقه وقتله بداخل المدفن.
الشيخ:
ما فيش غير نكرد الاخدام كلهم من القرية ولا يبقي منهم نافر.
عبده مكرد :
هذي كبيره يا شيخ.. ما يصلحش نخرجهم كلهم من سِبيت واحد.. نطرد المغبش وحده حدده.
الشيخ:
بعدك يا بن مكرد.. بس اول شي دقوا بيته ولا تخلو به وضر.. واطردوا ابوه ولا عاد اشوف له صوره.
تحرك اتباع الشيخ نحو بيت المغبش وهو يشاهدهم وهم يهدمون بيته حجر حجر وبعد ان اكتمل الهدم يفكون وثاقه فيتقدم خطوات ليأخذ ثيابه (وشملته والكامل) ووضعهم في صُرة ثم ربطها في مؤخرة عصاته السميكة وحملها على كتفه ثم اتجه الى أمه ليحضنها وكانت تبكي والدموع تنهمل من عينيها كالمطر
وتقول له:
ريت نهاية قشاشتك وَ مغبش لينه وصلتنا..
هيا لو كان ما قششت مو شقعبك يبني…
هز المغبش لها رأسه ثم التفت الى الشيخ والعقال والمحتشدين وقال:
عملتم ما بدالكم يا اسياد، دقدقتم ديمتي وذلحين تطردونا من قريتي، فيسع ما نسيتم معروفي، شقيت معاكم باللقمة والهُجمة، خدمتكم لما حنيت، ضربت بالمرافع لما (كفريت)، شرحتُ وحضّرتُ ومسيت، ضربت لكم السياري، زمرت لما اتقارحين اذاني، ركزت المدايع، عَمّرت البواري…. نضحت الشعاب، عمرت المكاسر، نقفت الاصفية اتحملت فوق ظهري الاركان والالم والمساقف والاوظار.. والان هذا جزاتي.. تطردونا طردة الكلاب.
تبهذلو بنا وسكتنا لكم، تهتكو عارنا واتعامسنا، تتمعشقوا على مكالفنا وزرطناها بالغصب، تشلوا المليحة من جنب زوجه، وقلتم الخادمة مرقحة سيدة.. والصُغيره حلاوة شيخه..
عباقي ذل ازيد من هذا الذل، عادكم تقولوا انكم تحكموا بشرع الله، اينكم واين شرع الله منكم، انتم بشق وشرع الله بالشق الثاني، وعاد الفقي خطب الجمعة الاوله… الناس سوى سوى مثلما اسانين المشاط ما بوش فرق بين القبيلي الابيض ولا الخادم الاسود وهات يا هشت….
انتم ذلحين تضحكو على الخلق، والا تغالطوا الخالق او تكذبو على نفوسكم، تطردونا وتخرجونا مهرور مطرور، موصله عصى الله العملة اللي عملتيه…قششتو وركبتو بغلة الشيخ.. ابن الخطاب بكله وهو مش شيخ امير المؤمنين دخل المقدس يقود الحمار للعبد حقه والعبد راكب، والشيخ حقنا عمل ضجه ومصناجه لمه المغبش ركب فوق البغله (بسقة)، قصدكم تدوروا لنا عذر بس، اما عيشوا مذلولين والا خرو وطرو من البلاد… هيا البلاد لكم واسياد…….
تحرك المغبش لمغادرة القرية وبعد أن قطع مسافة قصيرة يلتفت اليهم وهو يواصل السير والجميع ينظر اليه….. فيضحك بصوته (الجاعي) بضحكات مجلجلة تقعقعت كالبوارق وتحنحنت بحنين الرعود.
فيسرع بعد ذلك بخطواته سالكا تلك الطريق المؤديه نحو المجهول، تاركاََ خلفه القرية وذكرياته الجميله فيها ونظرات أمه تترقبه وهو يخطو بخطوات ممتدة وسريعة..
الى ان اختفى خلف انكاب الجبال..