- مروان كامل
كانت ليلة بغيضة تلك التي قضيتها متمنياً الموت لأول مرة في حياتي بذلك التمني الجاد والحقيقي الذي اتذكره الآن ولا اصدق بأنني قد عشته بالفعل قبل عامين ونجوت منه، كنت اتمنى الموت كما تتمنى انت العافية يا مالي، اي والله، وصلت إلى مطلق الإنتحار، إلى اللحظة النفسية التي يصل إليها المنتحر قبل الإقدام على فعلته، وقد عرفت سرها وعرفت ماهيتها تماماً، واستطيع ان اؤكد لكم من خلال ما عشته تلك الليلة بأن المنتحر، كل منتحر على وجه الأرض قد ارتاح بوضعه حداً لحياته، هناك شعورات ومخاوف غير قابلة على البقاء والاستمرار معها في عملية التنفس والتفكير، والموت ارأف بصاحبها منها.
كنت أعيش اسوء ليلة مرت عليّ في حياتي، نمت منذ السابعة صباحاً وحتى الثامنة مساءاً دون ان انهض من سريري لتناول وجبة طعام واحدة، ولم اتحرك سوى بإتصال من احد الاصدقاء بأن هناك عرس حلو فيه حمود والحبيشي وفنانين آخر.
وذهبت الى ذلك العرس وانا بنفس المزاج البغيض واللا انساني، وجلست في “زوة” ما اشتي فيها شي الا اخزن واسمع الغناء الحي واشوف المغنين امامي بشكل جيد، وما كنت اعرف حمود السمهْ بشكل شخصي ولا هو كان يعرفني، انا اعرفه كفنان ذائع الصيت وهو يعرفني ككاتب ونقيب موالعة، وكانت تصله منشوراتي خصوصاً تلك المتعلقة بالغناء والموسيقى، وإحدى هذه المنشورات كانت كتابة عفوية عن احياءه وغنائه الساحر في عرس نجل الملحّن القدير عبدالباسط الحارثي.
لم اكن اعرف ان حمود وصلته تلك المقالة العفوية وقرأها، وانه اصبح يعرفني من خلال منشوراتي وصفحتي على الفيسبوك، وكان اقصى طموحي في ليلة العرس تلك هو ان استطيع رؤيته بشكل واضح وقت الغناء، كأي معجب بفنان، وكأي محب للغناء، وكأي مريض به في حالتي.
وفجأة في منتصف السمرة، وبدون اي مقدمات، حمود نزل من منصة المغنين ومشى نحوي، كنت اظن انه في طريق ذهابه الى الحمام او ما شابه، وحين اقترب مني بشكل واضح وهو ينظر إليّ، وقفت بإرتباك اول ما وصل وهو فرد بذراعيه لمعانقتي ومصافحتي وقال انا جيت اسلم عليك وأشكرك على المقالة اللي كتبتها عليا في عرس الحارثي ..إلخ.
حمود اللي سرت العرس وكنت اشتي بس اشوف غناءه الحي بدون ما احد يغطي عليا، قام نزل من المنصة وجاء لاعندي، وانا في هذاك الوضع النفسي المدمر.. والمعدوم!
انت لا تعرف ذلك الشعور الذي شعرت به حينها، وتلك المعنويات الكبيرة التي امتلئت بها، كيف فاضت، وكيف اخرجت مني اكتئابي البغيض كما يلفظ البحر من جوفه حوتاً ميتاً.
لقد انقذني حمود السمهْ بهذا الموقف الاعتباري من أخطر حالة مزاجية قد عرفتها في حياتي، وقد تكون حياتي التي انقذها لا اعرف، ووجدت ان اليوم العالمي للصحة النفسية هو الوقت المناسب للحديث عن هذا الموقف، وعن “تعبان يا استاذ حمود” شعار المرحلة، والأغنية اللي كتبها قصيلة ولحنتّها من قلبي وتعبيراً عن نفسي، وعن الشوترة وسمرات الأعراس اللي كانت من أهم الملاذات اللي احتجيت بها للمحافظة على صحتي العقلية والنفسية في السنتين الأخيرة.
أحب حمود السمهْ، وانا مدين له، وسأفضّل ان لا تربطنا ببعض ايّة معرفة شخصية على ان تكون هناك اعتبارات وحسابات وتأويلات من اي نوع حين الحديث عنه، او ان اهتم بأي شيء آخر حوله غير الفن الذي يقدمه، يظن البعض اني اقلل من نفسي بكتابتي العفوية والانطباعية او اتملق حمود من اجل ان يغني ألحاني، وفي الجانب الآخر يفسّر حمود احياناً منشوراتي المنتقدة بأنها اساءة له، وبيرجع يتفهم، ويتعامل مع النقد بشكل ممتاز، وهو اكثر فنان قد كتبت عليه وانتقدته، وما تعرف انه فعلاً كبير الا لما تكتب على فنان ثاني وتشوف ردة الفعل!
وانا لا اقلل من نفسي كما يتوهم البعض، والله مالكم علم من هو مالي، وحمود أكثر من يعرف بأني لا اتملقه من أجل الألحان، وربما لم يسبق ان كان معه من معاريفه واحد بجرأة وصراحة مثل جُرأتي وصراحتي، و أود تذكير الجميع :
هل نسيتم كيف كنت اكتب واعبّر عن حبي الجارف للفنان العظيم علي عنبهْ، وكيف كنت انشر دعوته وفنه واهتم بكل ما يخصه وبكل التفاصيل حوله حتى ظن الجميع ان هناك ديانة سرية تنتشر في اليمن، وكان ذلك قبل التلحين بسنوات، فهل كنت اكتب تلك الكتابات والمنشورات على علي عنبهْ تملق وتزلف وتقليل من نفسي؟
ومثله الفنان أصيل علي أبوبكر، وضياء الحرضي، ومن قبلهم حسين محب وعبود خواجه ويحيى رسام، وغيرهم من الفنانين، او الرسامين زي رشاد السامعي، او حتى الأدباء ممن كان لأعمالهم الساحرة والخالدة أثراً كبيراً في نفسي كأنسي الحاج ومظفر النواب ..إلخ، هل يمكن ان تفهموا هذه النقطة الخاصة بالمشاعر الطبيعية التي يحملها الإنسان تجاه ما يحبه في الفن!
او الرياضة مثلاً لما كانت جدران غرفتي في اول ثانوي كلها صور لاعبين كرة قدم!
لا تشككوني في نفسي وتقيدوا سجيتي، انا عارف لنفسي، خلوني على نفسي، خلوني على ما انا، وبلغوا حمود مني السلام.