- كتب: محمد الصهباني
قبل عامين، كان “سوق الجمعة” الأسبوعي الشهير في دمنة خدير، بتعز، يعجُ بالمتسوقين من خمس مديريات مجاورة، كلٌّ يشتري ما لذّ له وطاب، إلا رجل وطفلته، قصدا محلاً لبيع المكسرات، وسط الشارع العام للمدينة.
ظل الأب يتأمل بصمت شديد يمينًا ويسارًا زبائن المحل، عيناه تخبئان وجعاً لايعلمه إلا الله.
ما إن سنحت له فرصة، أخذ دبة زيت، سعة ( ٥ لترات) وهمّ بالخروج، ولم يسعف حظه النجاة بها، إذ نهض صاحب المحل من مقعده لتوجيه “ملطام” له، فتلقاه نيابة عنه العامل خالد اللحجي، الذي لم يترك لصاحب المحل تأديب ذلك الرجل، كما هو طبيعي أن يحدث نهاية فعل كهذا الذي أوقع الرجل وطفلته، ذات الثماني سنوات!
سارع اللحجي إلى إلجام صاحب المحل بكفه، قائلا له: ولا خبر.. أنا تلقيت صفعة على خدي، لأنني على ثقة بأن الرجل لو لم يكن محتاجاً، لما تجرأ أن يسرق.. خلي الدَّبة الزيت على حسابي، واستر ما سَتَـر الله”.
كان اللحجي ذات العضلات المفتولة على استعداد للاشتباك مع صاحب المحل إذا ما أصرّ على الشرشحة بالرجل ” المحتاج” رغم أنه يعلم بأن موقفه “ليس صواباً”.
انتهى الأمر بمغادرة الرجل، وفي جيبه عشرة آلاف ريال، جمعها اللحجي من أصدقائه المحيطين بالمحل، بطريقة لم يشعر بها إلا صاحب المحل، الذي ظل واقفاً كأخرس يرقب الموقف، تلقى يومها درساً في المروءة والإنسانية!.
وأنا أستمع ظهيرة أمس إلى تفاصيل القصة من لسان بطلها خالد اللحجي، بعد أن التقطت له صورة، سرت في جسمي قشعريرة، تفاعلاً مع موقف إنساني كبير، وإن كان سلبياً نوعاً ما.
و”اللحجي” شعبوي معروف في”الدمنة”، مثير للوقاحة، والفكاهة، حكواتي بارع في إجبار الآخرين على التحلق حوله إذا ماحكى قصة إجتماعية، ومقاوم عنيد إذا ماتعرض لهجوم لفظي في سياق” نجام” ينتهي بسخريته منهم” أنا إلا جنوبي .. مش من الدمنة”!!.