- سامية البحري*
إلى اليمني الجريح ضياف البراق
إلى متمرد من صنعاء ..اختلسوا منه الدمع والابتسامة
اختلسوا ظله فمشى غريبا بين نفسه ونفسه
واستوطنه القحط والضياع ….
باسم الله ..كبروا ..ثم قطعوا الرؤوس في الساحات والشوارع ..
والله منهم براء. …..!!
ما أشد الحروف حين تنزف …!!
سمعت نزيفك أيها اليمني المكلوم
سمعت نزيفك وصدقته…صدقته بكل ما أملك من يقين
إلى جيل مكلوم من الوريد إلى الوريد
دمره الأوغاد. ..فمضى يحمل قبره حدبة فوق ظهره
لا هو استطاع أن يلجه..ولا القبر احتواه. ..
كم يلزمني من الجرأة لأكتب ما كتبت .. .
وكم أعتذر لاني لا أملك سوى جنوني وحفنة من الكلمات .. والكثير الكثير من النقاء والصفاء والطهر
إلى جيل عربي مقهور ..مدحور.. مغدور
أصيح بملء الحرف والوله :
وحق الجرح المفتوح سأبتسم بملء الروح ...!!
تمرد كما برومثيوس سارق النار
تمرد ولا تخش الإله “زيوس”
ولا تخش أن يقتلع منك الكبد
والعين والقلب ..
فعلى الخارطة العربية ما يكفي من مشاهد الرعب والقتل والسحل
وفي الجغرافيا العربية أكثر من “زيوس” فإن انتصرنا على واحد خرج علينا منه نسلا عظيما ..
لم تعد تلك المشاهد ترعبنا ..ولم نعد في حاجة إلى مشاهدة أفلام الرعب التي يصنعها الأمريكان ويتاجرون بها لصناعة الرعب الخيالي والممتع عند بعض النفوس الصادية…
ونحن من نحن …العرب ؟؟؟
نحن تفوقنا في صناعة كل خبيث
نحن نرعب..ونقتل..ونذبح على الملإ
وأمام الجميع …وبلا رحمة ولا شفقة
نحن نسرق ..ونشرع لثقافة الاختلاس ..بلا حياء ولا تردد
نسرق الفرح من عيون الطفولة
ونهديهم الموت ..
نحن نخون ..بكل إصرار وترصد
نخون أنفسنا ..نخون الله . ..
أجل لقد فعلناها بكل قبح ولا حياء
قتلنا الله ..وصنعنا “اله ” جديدا على مقاسنا ..
اله يطيعنا..عوض أن نطيعه..
يفعل كل ما نأمره به ..يأتمر بشهواتنا القبيحة وغرائزنا الحيوانية ..
وهذا الإله بفعل التطور التكنولوجي العجيب تناسل وأصبح الإله المتعدد
حتى غدا كل منا له الهه الذي يحمله في جيبه حيثما ولى وجهه ..
كن مجنونا أيها البراق اليمني
كن مجنونا بلا رحمة . .ولا شفقة
فهذا الوجود لا يستقيم للمجانين أمثالنا..
كن مجنونا ..متسكعا..صعلوكا بالمعنى الكبير للكلمة
ولا تكن وغدا بالمعنى الضيق للكلمة. .
فهذه الحياة تحب الأوغاد وتهبهم كل السعادة الموجودة في الكون
وتلك السعادة الوقحة تحب الأوغاد جدا لأنها تغدق عليهم ولأنهم يبذلون في سبيلها كل ما ملكت اليمين ..
ويداعبونها باليسار ..
لا بيت للعربي يا ضياف :
نعم ..لا بيت له ..ولا جدار ..ولا تراب ..ولا ماء ..ولا ظل يمشي وراءه ..
حتى ظله اختلسه الأوغاد. .
البيت العربي الوحيد هو بيت الشعر ..
بيت الشعر لغة واصطلاحا
ذاك الذي يتكون من صدر وعجز ..
أطاحوا به ذات حداثة خبيثة ..فرقت ..هدمت ..فتكت ..
شتتت …
لم يعد للعربي بيتا …!!
بل بيت العنكبوت أشد صلابة منه ….!!
العربي سيضرب في الصحراء بلا زاد ولا ذاكرة ..
وقد باعوا أرضه وعرضه في صفقة تسمي التطبيع والإجرام سلاما ….!!
والبكاء ؟؟
هل يجدي البكاء ؟؟
وتلك الدموع. .دموع تماسيح. ..!!
وذاك التنديد والتسويف قبيح قبيح !!
أنت حرف ينزف أيها اليمني المجنون
وأنا أصدق نزيفك..نزيفك في الكلمات ..والحروف ..وفي تلك العيون الحالمة …!!
ورغم الداء والاعداء
لا تخلع قلبك أيها البراق
صدق قلبك ..وصادقه ..وأمض وراءه ..فالقلوب النقية لا تكذب أبدا
لملم شظاياك…وكن أنت أنت ..ولا تكن سواك …!!
أراك في عيون صنعاء
تلك المدينة الجميلة التي دمرها الأوغاد باسم الأمن و السلم والسلام والمحبة والخير
أراك في عيون الأبرياء الذين ينتظرون أن تزرع في حقول قلوبهم الراح والريحان..
وتلك الكتب التي تموت على أرصفة الشوارع لن تموت ..
أقم صلاتك في حضرتها كل يوم ….!!
ولملم آهاتها..وامسح عن وجهها الجميل ذاك الغبار
ثم اتخذها خليلة في تلك الليالي الطويلة والباردة
وحدها الكتب لا تخون يا ضياف …
وحدها الكتب تنتظرك ..وتشتاقك وتبكي من أجلك ولك …
وحدها تلك الكتب الملقاة على أرصفة الشوارع تحمل الحكمة في رحمها ولا تلدها إلا في حضرة المريد
وحدها كتب الأرصفة المهملة تحولك إلى حكيم أو اله يقبض على كل الكون في قبضة واحدة
فعانق تلك الكتب بكل الوله والعشق والشغف ..
ففيها الدفء الذي يشحن روحك إلى الأبد. ….!!
أما عن العرب والتناسل والنسل..
فتلك مأساة ما بعدها مأساة
العربي تحركه الغريزة ..لذلك يحلم بالمثنى وثلاث وأربع وما ملكت اليمين والحور العين والجواري…
مستنقع من الرذيلة يمشي على الأرض. ..
وبركان من الغرائز الحيوانية المكبوتة …
كل تعدد هو كفر في نظري ..إلا عشق الكتب ..فكلما اعتنقت فلسفة التعدد في الكتب كلما كان نسلك عظيما ..
حتما ستنجب لنا من رحم فكرك الخصيب أعمالا عظيمة أيها اليمني المكلوم ..الموجوع ..المتمرد …
ما عرفت اليأس يوما يا صديقي ..وسأبتسم بملء الروح لهذا الجرح المفتوح. ..
فبالابتسامة نضمد كل الجروح ..
ولعمري إن جروح الروح أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند …….
وإن تكسرت النصال على النصال سنقتلع الضلوع فمنها السيوف ومنها الدروع ……..
وهكذا سنظل ……!!
التونسية التي لا تعرف ارتداء الأقنعة.
- شاعرة وناقدة من تونس.