- محمد ناجي أحمد
( حقيقة الثورة وأسرارها ) للعقيد عبد القادر الخطري- وقد تمت طباعته بعد (13)عاما من وفاته ، فقد توفي عام 1974 وتمت طباعة الكتاب بتاريخ 25-10-1987.
سنان أبو لحوم والحسنيين:
في مذكرات الشيخ سنان أبو لحوم نجده يتحدث عن قربه من ولي العهد محمد البدر، وأنه وظف علاقته معه لصالح المشايخ، فقد كانت العطايا تمنح لهم وتتسهل بفضل الشيخ سنان خلال فترة سفر الإمام أحمد إلى روما، وهو ما اعتبره الإمام نهبا لبيت المال، وطالبهم بإعادة ما أخذوه، والقى خطبته المشهورة في الحديدة حين قال فيما قال: هذا الفرس وهذا الميدان ، ومن كذب جرب…فسارع المشايخ ليلا في تسلق سور مدينة صنعاء هاربين وباحثين عن النجاة ، وكان من حظ سنان أنه استطاع الهرب إلى عدن عن طريق بيحان، وأصبح ينشط متحركا ما بين عدن ولحج، وتواصل في لحج مع رجل الحسنيين البارز القاضي أحمد السياغي …
يصل الشيخ أحمد محسن العيني من تعز إلى لحج ويلتقي بالشيخ سنان أبو لحوم ، فيعطيه الأخير عشرين مسدسا ربع بوليس من النوع الأمريكي الصنع، وألف حبة ذخيرة، وسلم له مبلغ ألف ريال ماريا تريزا(فرنص) لتوزيعها بنظره هي والمسدسات على المشايخ…”وقد أفاد الشيخ أحمد محسن العيني عقب وصوله من لحج بأن الشيخ يقوم بنشاط خارق فهو يعمل مع كل الأطراف عبارة عن دينمة” يقوم بتجهيز المال والمسدسات ومتفجرات، ويرسلها إلى تعز وصنعاء لاستخدامهن…وقد اندهش الشيخ أحمد محسن العيني من سرعة تلبية سنان لطلبه من المسدسات والأموال، فلم يؤخره أو يتلكأ لكنه قام إلى غرفة في محل إقامته ,واخرج المال والمسدسات وسلمها للعيني!ص226-حقيقة الثورة وأسرارها.
من هي كل الأطراف التي يعمل معها الشيخ سنان حينها؟
في تلك المرحلة كانت الأطراف المحلية المتصارعة على الحكم هم: البدريون والحسنيون.
والأطراف الخارجية هي الاستعمار البريطاني في عدن، والولايات المتحدة الأمريكية ، والسعودية ومصر. فهل كان يعمل مع كل الأطراف لخدمة ما سماه (عبد القادر الخطري ) في كتابه هذا-لخدمة القضية الوطنية؟
هل كانت الأموال والأسلحة التي يحصل عليها سنان أبو لحوم حين كان متواجدا في عدن ولحج من الحسنيين عن طريق القاضي( أحمد السياغي)المتواجد في لحج ، وأن التفجيرات التي رتب لها سنان في تعز وإب وصنعاء، والتي ذكرناها في قراءتنا النقدية لكتاب(أحمد منصور أبو اصبع، كانت بترتيب من الحسنيين؟ ومن ذلك الترتيب لاغتيال الإمام أحمد بواسطة عدد من الأفراد ليدخلوا بشراشف النساء ، وقد أفشلها القاضي عبد الرحمن الإرياني لأنها من تدبير الحسنيين وتمويلهم وتخطيطهم، فقد أرسل القاضي عبد الرحمن الإرياني برسالة إلى عبد الغني مطهر يطلب منه عدم توفير ما تحتاجه خطة اقتحام القصر لأنها من تدبير القاضي (احمد السياغي)في لحج!.
حين نقول الحسنيين فإن قولنا هذا يشمل الممول والداعم والراغب بتولية الحسن بن يحيى للحكم ، وهم الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية…
يبدو أن العديد من المحسوبين على الحركة الوطنية كانوا يتحركون ويتواصلون مع كل الأطراف الداعمة سواء مصر أو السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا، المهم أن يكون ” الخير للوسط”.
“لم يقصر الشيخ سنان ولم يتوانا(لم يتوان) فقد أرسل مجموعة من أصحابه الأحرار بعد أن زودهم بمجموعة من أصابع الدينمت المتفجرة لاستخدامها في بيوت معلومة” ص234-حقيقة الثورة وأسرارها.
وهذا يعني أن الحسنيين من خلال نشاط القاضي أحمد السياغي في لحج كانوا وراء هذه التفجيرات ؛لزعزعة حكم الإمام أحمد الذي أراد تسليم الحكم لولده محمد البدر وعينه وليا للعهد…فالقاضي (أحمد السياغي) فرَّ من تعز إلى لحج حين شعر بتهديد الإمام له بسبب تعاونه مع أخيه الحسن ،أي أنه كان يعمل على ” تولية الحسن العرش دون غيره لأن الحسن أخذ منه العهد والميثاق على ذلك ، وهو لا يحب أن ينكث عهده”ص226-حقيقة الثورة وأسرارها.
ففي إب حدثت التفجيرات ” تحت إشراف درهم أبو لحوم والأخ عبد الحفيظ بهران عضوي الجمعية الثورية بلواء إب”ص337.حقيقة الثورة وأسرارها.
يتحدث (الخطري ) مذكراته هذه أن الحسنيين دسوا في صف ما سماه (الجمعية الثورية الوطنية الديمقراطية) بعض الخونة المحترفين للارتزاق. ومن هؤلاء رسول الشيخ سنان أبو لحوم (أحمد الجهراني)” الذي كان يقوم بإيصال الرسائل من عدن من طرف الشيخ سنان.”ص308-حقيقة الثورة وأسرارها.
يتم الحديث عن رسول الشيخ سنان على أنه خائن ومندس ،وهو الذي ظل لمدة عام كامل يقوم بإيصال المال والسلاح وأصابع الدينامت إلى المشايخ في تعز وإب وصنعاء. والقول بأنه تقرب بالدس والوشاية بالقاضي عبد السلام صبرة والشيخ محسن العيني وعبد القادر الخطري.ص308. وفي ذات الوقت يتم الإشادة بالشيخ سنان أبو لحوم ومنحه صك الوطنية وتنزيهه من أي تواصل أو تعامل مع الحسنيين!
مع أن الشيخ سنان منذ هروبه الأول إلى عدن في النصف الأول من أربعينيات القرن العشرين كان حريصا على أن يجد نافذة للتواصل مع الحاكم البريطاني ، أو المعتمد البريطاني في عدن. في هروبه الثاني إلى عدن ولحج في عام 1959 كان على اتصال بأبرز رجالات الحسنيين وأدهاهم (القاضي أحمد السياغي ) وكذلك بسلطان لحج!
بعد فشل اغتيال الإمام أحمد في المستشفى بالحديدة عام 1961م انتحر محمد عبد الله العلفي، وتم القبض على عبد الله اللقية ومحسن الهندوانة .
وبحسب عبد القادر الخطري في كتابه هذا فقد شكل ولي العهد محمد البدر محكمة لمحاكمة اللقية والهندوانة ، كانت المحكمة برئاسة السيد أحمد محمد زبارة وعضوية كل من السيد عبد الله عبد الكريم والسيد زيد عقبات . ومن العسكريين العميد عبد الله السلال والعميد أحمد علي الآنسي والعقيد غالب سري.ص253-المرجع السابق.
والصحيح أن المحكمة وهي في نفس الوقت لجنة التحقيق تشكلت بحسب ما أورده أحمد منصور أبو اصبع في مذكراته(تعايشي مع الحركة الوطنية)برئاسة محمد علي عثمان وعضوية أحمد زبارة والزعيم السلال (مدير المينا) والعميد أحمد الجرموزي(أمير الجيش) وأحمد الشامي مدعيا عاما.
على ذات النهج القصصي يورد (الخطري) إجابات عبد اله اللقية على أسئلة لجنة التحقيق التي شكلها البدر، فتكون ردوده بيانا سياسيا بليغا، وبدرامية وحبكة قصصية واضحة…وبخصوص نفيه لشرعية الحكم نقتطع هذا الجزء من إجاباته للتدليل على مساحة الخيال القصصي لدى الخطري، ولغة الخطاب السياسي . فحين سئل اللقية عن شركائه في التخطيط لهذه العملية قال:”…وأما عن شركائي فهو الشعب من أقصاه إلى أقصاه، والشعب في حد ذاته لم يكن شريكا ولكنه صاحب الحق الشرعي وهو وحده الذي يملك هذا الحق دون غيره. ومن حقه أن يحكم نفسه بنفسه على أسس مبنية برضاه وعلى قواعد يشرعنها من وحي نفسه، دون يكون هناك حاكم ومحكوم ولا سيد ومسود ولا ظالم ومظلوم ولا ناهب ومنهوب ولا مستغل ومغلول ولا مغتصب ومغصوب…”ص254-حقيقة الثورة وأسرارها.
ما تعرض له عبد الله اللقية والهندوانة من تعذيب شديد على يد لجنة المحكمة والتحقيق يجعل القارئ يرى في هذه الردود السياسية البليغة والمسبوكة في بيانها اختلاقا ونسج خيال من (الخطري).
في حوار بين الإمام أحمد وابنه محمد البدر يجري المؤلف خطابا سياسيا على لسان الإمام احمد يدين بلسان الإمام حكم الإمامة الذي اعتمد بحسب ما أجراه المؤلف على لسان الإمام –على الجهل والفقر والمرض والتفرقة، ويسوق المؤلف هذا الخطاب من خلال كلمة ووصية كاملة يوجهها الإمام لابنه !
لا يوجد حاكم يدين نفسه وشرعية حكمه ، ويصف مداميك حكمه بأنها تعتمد على الجهل والفقر والمرض والتفرقة- إلاَّ فيما يرويه الخطري في هذا الكتاب من حوارات وخطابات أجراها المؤلف على ألسنة الإمام أحمد والبدر وعلى لسان سعيد حسن إبليس واللقية وحسين الأحمر والممرضة الحسناء السورية، والشيخ أبو شوصة الخ!.
يتناقض المؤلف مع نفسه، فبعد أن كان قد زعم أنه دبر عملية الحقنة المسمومة التي قامت الممرضة الحسناء السورية بحقنها للإمام، حسب زعمه، وكاد الإمام أن يموت بحسب مخيلة (الخطري) لولا مجيء الطائرة من إيطاليا ووصولاها تعز بعد أن كانت حياة الإمام قد تدهورت، ها هو يحدثنا عن الذوق والمروءة والإنسانية والأصول في عدم الإجهاز على الإمام أحمد وهو مشرف على الموت” ولذلك يحسن الانتظار حتى يلفظ نفسه الأخير ، لأنه ليس من الذوق ولا من المروءة ولا من الإنسانية ولا من الأصول الإجهاز على إنسان مشرف على الموت بصرف النظر عن كل مساويه.”ص316-حقيقة الثورة وأسرارها.-عبد القادر الخطري-1987.
*ملاحظة: تم طباعة هذه المذكرات في 25-10-1987م، بإشراف ابنه يحيى عبد القادر الخطري، الذي كتب خاتمة لهذه المذكرات ، فقد توفي (عبد القادر الخطري) في عام 1974م.
وقد تعرض الخطري للاتهام بالعمل ضد الرئيس عبد الله السلال والتخابر، ضمن التهمة التي وجهت للعميد محمد الرعيني وهادي عيسى ،عام 1966م بالتخابر مع جهات خارجية، لكن السلال عمل على إطلاقه من السجن ، ثم تم اعتقاله وسجنه بعد انقلاب 5نوفمبر 1967.