- محمد ناجي أحمد
( حقيقة الثورة وأسرارها ) للعقيد عبد القادر الخطري- وقد تمت طباعته بعد (13)عاما من وفاته ، فقد توفي عام 1974 وتمت طباعة الكتاب بتاريخ 25-10-1987.
يتحدث عبد القادر الخطري في كتابه هذا(حقيقة الثورة وأسرارها) عن (الجمعية الثورية الوطنية الديمقراطية ) وعن صفته بأنه أمين عام الجمعية!
لم نجد في المذكرات السياسية التي تحدثت عن تلك الفترة اسما لتنظيم بهذه الصيغة، ولم يذكر القاضي عبد الرحمن الإرياني تنظيما بهذا الاسم، وكذلك لم نجد أحمد منصور أبو اصبع في كتابه ( تعايشي مع الحركة الوطنية)-وقد كان لصغر سنه يقوم بدور توصيل الرسائل والمهام بين المجموعات الوطنية-لم يذكر اسما لتنظيم بهذا التركيب “الثوري” “الوطني” و”الديمقراطي”!
من الواضح أن التسمية لا تنتمي للنصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين وإنما لعقد الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين!
فالمجموعات الوطنية التي مثلت نشاط (الاتحاد اليمني ) في عدن ومصر، وكذلك القضاة والمشايخ والتجار والضباط والطلاب والمثقفون كانوا مجمعين على هدف واحد وهو التخلص من حكم الإمام أحمد ، وكانوا منقسيمن ضمن استقطابات ولي العهد محمد البدر وسيف الإسلام الحسن بن يحيى حميد الدين، أي أن التفكير كان منحصرا بتغيير الحاكم وإصلاح نظام الحكم لا اجتثاثه بشكل جذري، فإسقاط النظام المتوكلي وإقامة نظام جمهوري عادل كان انقلابا ثوريا في التفكير السياسي اليمني، جاء مع (تنظيم الضباط الأحرار )الذي تأسس في ديسمبر عام 1961م، بعد انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة في 28سبتمبر 1961م.
قبل ذلك كان الأحرار اليمنيون يطالبون بالتغيير وإصلاح النظام في إطار الاستقطاب البدري/ الحسني، وكان هناك بين الطرفين المتنازعين عناصر مزدوجة وعناصر متنافرة، سواء من حيث التنظيم والتخطيط للاغتيالات أو التفجيرات أومن حيث التمويل، أو من حيث الشخصيات المشتركة بين الضفتين!
في كتاب (أحمد منصور أبو اصبع ) (تعايشي مع الحركة الوطنية) نجده أحمد منصور يحيل القارئ إلى كتاب (الخطري) بخصوص اسم “الجاسوس” الذي أخبر الإمام أحمد بخطة الدخول إلى القصر بشراشف النساء، واغتياله داخل القصر، ، وأن هذا الواشي كان من جماعة النقيب قاسم بن حسن أبو راس ، وأن (الخطري )قد ذكر اسمه في مذكراته التي نحن في سياق قراءتها نقديا. لكننا لم نجد في هذه المذكرات ذكرا للاسم مكتفيا بصفته كواحد من جماعة النقيب قاسم بن حسن أبو راس، وإذا كان (أحمد منصور أبو اصبع) يتحدث عن واش واحد من بيت أبو راس فإن (الخطري) يتحدث عن اثنين كل واحد منهما وشى بخطة اغتيال تم ترتيبها لاغتيال الإمام أحمد.
الواشي الأول أبلغ محمد التركي مدير الأمن بأن هناك ترتيب لاغتيال الإمام أحمد من خلال جماعتين ، الأولى تتبع النقيب قاسم بن حسن أبو راس، والذي تكفل بتجهيز مائتي مسلح من جماعته، والثانية تتبع الشيخ حسين بن ناصر الأحمر ، والذي تكفل بتجهيز مائتي مسلح من جماعته. وقد فشلت العملية لانكشاف المخطط، وقد قام النقيب قاسم بن حسن أبو راس باستدراج الواشي وقتله. يروي (الخطري) على لسان النقيب (قاسم بن حسن أبو راس) أن النقيب قاسم وجد الواشي ليلا جوار الجولة المؤدية إلى طريق المستشفى المقابلة للمدرسة ،مع مدير الشرطة وهما يتهامسان” وقد هممت في تلك اللحظة بأن أهجم عليه وأطعنه طعنة نجلاء غير أني تذكرت بأن قتله في شارع المدينة سوف يثير الشكوك ويلفت النظر فتركته وشأنه وتوجهت نحو البيت الساكن فيه أنتظر وصوله، بينما اتفقت مع سائق سيارة كان بجانب البيت الذي أسكنه على تأجير سيارته إنجيز إلى مكان ما. كما اتفقت مع بعض الخبرة بأن سوف أكلفهم بمهمة وهو من الجملة وحتى يصلوا إلى مكان ما ويدخلوه في خبر كان، وقد تم بالفعل ” ص150-حقيقة الثورة وأسرارها.
أما بالنسبة لخطة اقتحام القصر بمجموعة وهم لابسين الشراشف فقد اكتشفها الإمام ، وجيء بجيش براني من (الأهنوم) لحراسة الاقصر.
يورد (الخطري) أسماءهم وعددهم بأنهم ثمانية وهم” الشيخ حسين بن ناصر الأحمر، والنقيب قاسم بن حسن أبو راس، والشيخ أمين بن حسن أبو راس، ومحمد مفرح، والشيخ حسين شملان، والرقيب علي محمد واصل، وعبد القادر الخطري ، وحمد علي نجاد”ص154-حقيقة الثورة وأسرارها.
لكن أحمد منصور أبو اصبع يروي هذه الحكاية بشكل مختلف نوعا ما، فيقول بأن أحمد النيني ومحمد أحمد االقيري وعلي أبو لحوم وآخرين” وصلوا من عدن إلى تعز بالتنسيق مع أحمد السياغي واتفقوا مع عبد القادر الخطري(أحد رجالات الحركة الوطنية في تعز) على أن يوفر لهم سيارات وشراشف لكي يدخلوا القصر كالنساء تجنبا لافتضاح أمرهم ، ويقومون باغتيال الغمام ويكون دليلهم داخل القصر يحيى بن الحسين بن الإمام يحيى …”ص91-معايشتي مع الحركة الوطنية- أحمد منصور أبو اصبع.
وقد ألغيت هذه العملية لأن مخبرا من بيت أبو راس أبلغ الإمام بالخطة ، حذرا وخوفا بحسب تفسير أحمد (منصور) ، وطمعا بالمال والمنصب والراتب بحسب تفسير (الخطري) وقد غادر النقيب قاسم تعز بنصيحة من القاضي عبد الرحمن الإرياني حسب ما يرويه (الخطري) في كتابه هذا” ولما كان ذلك بصورة عاجلة فلم تقف المجموعة على حقيقة المخبر عمن يكون من أصحاب النقيب قاسم الذي قام بدور الوشاية بعد أن صار صاحبه الأول في خبر كان”ص158-حقيقة الثورة وأسرارها.
تم معرفة الأول وقتله دون ذكر لاسمه في أي من المذكرات، فيما الثاني لم يتم معرفة اسمه وإنما صفته من أصحاب أو بيت أبو راس.
يورد الخطري العديد من الحوارات والسيناريوهات ، سواء بين الإمام أحمد وسعيد حسن (إبليس) أو بين الإمام أحمد وابنه محمد البدر ، أو مع سيف الإسلام الحسن بن يحيى والإمام والأسرة الحاكمة الخ. وطريقة بناء الحوارات وتفاصيلها القصصية الدقيقة ، نقل المشاعر المختلفة ، كل ذلك يجعل القارئ يحكم بأنها هذه السيناريوهات وإن انطلقت من جزئية أو مقولة أو موقف حقيقي لكن البناء النصي لهذه الحوارات والقصص من مخيلة مشروع سارد كان يمكن أن ينافس رواية (الرهينة) لـ(زيد مطيع دماج) لو أكان اهتم بهذه الموهبة…
يروي (الخطري) أن قرى حاشد حين تم استدعاء الشيخ حسين بن ناصر الأحمر وابنه حميد للقدوم إلى السخنة استنفرت وقاتلت حتى نفذت الذخيرة. وهذه من المتخيلات ، فقد خذلت حاشد الشيخ حسين وابنه حميد ولم يقف مع ابنه حميد سوى نفر قليل، تماما كما خذلت أحفاده عند اكتساح (الحوثيين) لقرى حاشد عام 2014م.
لقد كانت النتيجة استسلام حميد بن حسين الأحمر ورفيقه الشيخ علي بن ناجي الشائف حين أرادوا الفرار عن طريق الجوف إلى بيحان، وتم القبض عليهما في الجوف .ص192-193.
وبعد أيام من حبس الشيخ حسين وللده حميد والشيخ عبد اللطيف بن راجح في سجن حجة أصدر الإمام احمد ” أمره إلى نائبه بلواء حجة بإعدام الشيخ حسين وولده حميد بن حسين والشيخ عبد اللطيف بن قايد ضربا بالسيف في ساحة السجن”ص193.
يحكي المؤلف قصة مقتل الشيخ (أبو شوصة) حين ذهب مراجعا هو وعدد من المشايخ من أجل إطلاق الشيخ حسين بن ناصر وولده حميد من سجن حجة ، لكن الإمام أحمد قال له “لا تحاول الإلحاح في إطلاق حسين بن ناصر وولده حميد فالباقي وجه الله.
فحملق أبو شوصة بعينيه إلى الطاغية ورفع صوته غاضبا وقال بلهجته البدوية البريئة : اعقل يا جني لك الجن تشلك ، حسين بن ناصر وولده في راسك”ص195.
لقد خذلك حاشد وبكيل مشايخها وسلمتهم للإمام أحمد الذي وضعهم في سجن حجة ثم أعدمهم، فهل يعقل منطقا أن يأتي مشايخ للمراجعة عنهم وبهذه اللهجة والخطاب المتحدي؟
إنها من خيالات (الخطري) كي يبني عليها قصة بوليسية رتبها على مقولة متخيلة لـ(أبو شوصة)” اعقل يا جني لك الجن تشلك، حسين بن ناصر وولده في راسك” فكانت النتيجة بحسب خيال (الخطري) أن الإمام أحمد سرها في نفسه، ثم ضيَّف الشيخ (أبو شوصة) على الغداء، وهناك وضع له أطباق طعام مسموم ، فما جاء المساء إلاّ وأبو شوصة قد مات مسموما…يجيد (الخطري) حبك السيناريوهات والقصص بطريقة حوارية ومشهدية ولغة تصويرية ،وكأنه كاتب سيناريو ومخرج في آن” وتقدما الاثنان إلى مكان السفرة وقد تكونت السفرة من عدة صحون ذات لونين بعضها باللون الأخضر الغامق والبعض الآخر باللون الأبيض الخاص.
وقد وضعت هذه الصحون على نمط خاص ، فقد كانت الصحون ذات اللون الأبيض الخالص أمام مجلس الطاغية أحمد والأخرى ذات اللون الأخضر الغامق فقد كانت أمام مجلس الضيف.
وقبل أن تمتد الأيدي بدا الطاغية في تمهيده للضيف بقوله إنه ممنوع من الوجبات الدسمة والمطبوخ بالتوابل وانه لا يأكل إلا مسلوق حسب قرار الأطباء ، ثم أشار له بأن يتناول من الصحون التي أمامه وكان السم المدسوس على طعام الضيف من نوع خاص لا يشعر المرء إلاَّ بعد أن يتناوله بنحو ساعة…”ص199.
وعلى ذات النسق القصصي والخيال الجامح يتحدث (الخطري) عن الممرضة(سميحة) “الحسناء السورية” التي قيل إنها جاءت معه من روما وقيل بأنها كانت الممرضة للملك عبد العزيز بن سعود…والصحيح أنها كانت من جواري الملك عبد العزيز بن سعود وقد أهداها للإمام أحمد ، وبحسب رواية (الخطري) فقد تزوجها الإمام بعد أن استدعى أخاها إلى تعز وعقد للإمام بأخته وعاد إلى سوريا.
و(الخطري) يعطي لهذه الممرضة “الحسناء” بحسب وصفه لها- أدوارا بوليسية في التجسس على الإمام والتقارير المرفوعة له والمتعلقة بالوطنيين وخططهم أو بالقضايا الإدارية والمالية الخ ثم ينسى (الخطري) أن الإمام قد تزوجها ، فيحدثنا عن عفتها وشرفها ورفضها أن تلطخ سمعة أهلها، وأنها حافظت على بكارتها، الخ. ثم وصولا إلى ترتيب (الخطري) لعملية تسميم الإمام بحقنة ، وقد تمت العملية لكن الإمام وفي لحظاته الأخيرة تم إنقاذه بأدوية جاءت من إيطاليا فاستعاد عافيته!
وقد قتل الإمام بحقنة لم نجدها إلى لدى (الخطري) رغم أنه يشير في كتابه أنه تحدث عنالعملية قبل تنفيذها مع(القاضي عبد الرحمن الإرياني) لكنه كتم من سيقوم بالعملية على القاضي. ولم نجد في مذكرات القاضي عبد الرحمن إشارة أو ذكر لهذه العملية!
ثم تنتهي قصة” الحسناء السورية” بأن أقنعت الإمام أحمد أن ترسل خادمها حسين يحيى الموادم ، وقد حدد الخطري سنه ب(11) عاما- أن يعطي لخادمها جوازا دبلوماسيا ليذهب إلى سوريا ويطمئن أهلها على حالها، وفي نفس الوقت كانت قد خاطت رسالة سرية في بطانة ملابس خادمها وضحت لأسرتها فيها أنها تريد ان تغادر اليمن، وطلبت منهم أن يستعينوا بالرئيس السوري حينها، فكان لها ما أرادت ، وغادرت تعز إلى سوريا!