- محمد ناجي أحمد
( حقيقة الثورة وأسرارها ) للعقيد عبدالقادر الخطري- وقد تمت طباعته بعد (13)عاما من وفاته ، فقد توفي عام 1974 وتمت طباعة الكتاب بتاريخ 25-10-1987.
يلاحظ على المذكرات السياسية للضباط أن ما هو ذاتي يتضخم ،وسعة الخيال والاختلاق القصصي يكون متوفرا بشكل بارز ، وتنعكس المواقف الذاتية في الأحكام ،ويأخذ مسار المذكرات خطا قياديا يبتدئ منهم كمحور للحركة الوطنية ولا ينتهي عند تنفيذ الآخرين للمهام التي تعتبر ثانوية إذا قارناها بأصحاب هذه المذكرات، ففيها تتضخم الأدوار ، مازجة الواقعي والوهمي …
إلاَّ أن هذه المذكرات فيها العديد من الحقائق التي تتكشف من خلال المقارنات والتحليل والموازنة ومعرفة الظروف الموضوعية والذاتية المحيطة برجالات الحركة الوطنية ووعيهم الذي تشكل داخل تلك الظروف ، وكانت مواقفهم ولغتهم ووعيهم حامل أساسي لتلك البيئة ولتلك العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي نشؤا داخلها وعبروا عنها…
حين نتوقف مع شخصية سعيد حسن فارع الملقب (إبليس) لحذاقته في هذا الكتاب، والذي تم إلقاء القبض عليه في السخنة وهو يحاول تنفيذ عملية اغتيال الإمام أحمد ، ومصطحبا معه شنطة فيها عشر قنابل نصفها هجومي والنصف الآخر دفاعي، مع ذهب أخذه لتسهيل مهمته ممن سيساعده في إنجاح المهمة .
التقي سعيد حسن فارع بالشيخ يحيى منصر أحد مشايخ الزرانيق وأسرَّ له بمهمته التي وصل من أجلها. ومن مذكرات (أحمد منصور أبو اصبع)( تعايشي مع الحركة الوطنية ) والصادرة عام 1994م ، يتضح لنا ان تواصل سعيد حسن مع الشيخ يحيى منصر كان بتوجيه من الأحرار في عدن وفي تعز، لكن الشيخ يحيى منصر بحسب كتاب عبد القادر الخطري ( حقيقة الثورة وأسرارها) والعديد من المذكرات تجمع على أن الشيخ أوهم سعيد حسن بالتعاون معه ثم ذهب لتبليغ الإمام والوشاية بالعملية ومن سينفذها. فحين كان سعيد حسن (إبليس) في المقهى بالسخنة وطلب من الشيخ يحيى منصر مساعدته” أظهر الشيخ منصر استعداده في مساعدته ثم ولى من المقهى ،ورافقه سعيد حتى خارج باب المقهى وقد كان الوقت حينذاك الساعة التاسعة مساء . وبعد مضي ساعة من الوقت كان الأخ سعيد يتناول القهوة إذا يفاجا ويرى أمامه أربعة من جنود الحرس الملكي وقد وجهوا بنادقهم إلى صدره…”ص58.
يستطرد عبد القادر الخطري ويحكي حوار قصصيا جرى بين سعيد حسن والإمام أحمد ، ومن تفاصيل الحوار يتضح للقارئ أنه أمام سيناريو لمشهد حواري ، وبالنص والتفاصيل الدقيقة التي توحي للقارئ أن منبعها مخيلة ومشروع قاص وروائي لوكان طورها لصار حكاء يشار له في عالم القص والسرد. ليس فقط في سرده لما حدث من حوار بين الإمام أحمد وسعيد حسن وإنما تفاصيل وحكاية الحوار بين البدر وبين اللقية بعد حادثة اغتيال الإمام أحمد في مستشفى الحديدة ، وكذلك في حكاية ما حدث بين الإمام أحمد وسيف الإسلام الحسن وبقية الأسرة الحاكمة ، الخ. كلها حكايات تشي بسارد وخيال ينطلق من فكرة أو مقولة ليبني عليها حوارا ومشاهد مكتملة التفاصيل واضحة في أدوارها ولغتها وتعابيرها!
تم تعذيب سعيد حسن بتشميسه وذلك بإدخاله عاريا -باستثناء ما يستر عورته-في حفرة في الصحراء ، ثم إخراجه وضربه بجريد النخل ، ووضع الملح على جروحه الخ. وحين يئسوا من أخذ اعترافاته بمن أرسله لتنفيذ هذه العملية ، ومن يقف خلفها أدخلوه زنزانة ، وأدخلوا (محمد الحبشي)جاسوسا عليه في الزنزانة ، على أنه من أعضاء ما سماه عبدالقادر الخطري في كتابه ( الجمعية الثورية الوطنية الديمقراطية) وسنعود لمناقشة هذه التسمية التي يزعم الخطري أنها الاسم التنظيمي للخلايا الوطنية في تعز وصنعاء والحذيدة-وقاموا بضربه ،حتى ينطلي الدور والتمثيل على سعيد حسن ، لكن مهمة (الحبشي) فشلت فقد تنبه سعيد للخدعة، ثم تم سجن سعيد في سجن حجه ، وكان معه في السجن محمد الفسيل ومحمد الصرحي وآخرون ،فاتفق سعيد مع الفسيل والصرحي على الفرار من السجن ، وقاموا بربط حبل من نافذة دورة المياه( الحمام) المطلبة على الصحراء ، واستطاع الفسيل والصرحي النزول، وحين جاء دور سعيد انقطع الحبل قبل ان يصل إلى الأرض ببضعة أمتار فانكسرت رجله، ولم يقو على السير ، فبحسب الروايات التي تتكرر في المذكرات العديدة أن سعيد طلب من الفسيل والصرحي أن يتركوه وينقذوا أنفسهم ، لكن الخطري يضيف في كتابه هذا أن سعيد استطاع الزحف على بطنه مسافة اثنين كيلو متر، ثم لحق به الجنود ، وأن أحدهم وضع فوهة بندقيته في رقبة سعيد وقتله.ص73- والأقرب إلى الصحة أن بقاء حياة سعيد أكثر نفعا من قتله بالنسبة للإمام أحمد ، ولذلك لن يجرؤ الجندي على قتله ، ولهذا تصبح رواية أن سعيد كان معه مسدس مخفي في حوزته، وأنه حين شعر باقتراب الجنود قتل نفسه خشية الاعتقال وتكرار وسائل التعذيب الوحشية معه- تصبح رواية منطقية. لكن إذا صح أن سعيد استطاع أن يبتعد عن سجن حجة مسافة اثنين كيلو متر زحفا على بطنه فهذا يعني أن محمد الفسيل ومحمد الصرحي كانا باستطاعتهما أن يسنداه على أكتفاهما والسير به مسافة أكبر، لكنهما نجوا بأنفسهم تاركين سعيد يلقى مصيره…
عند حديث المؤلف عن المخطط الحسني (نسبة لجماعة سيف الإسلام الحسن) للاستيلاء على العرش ، وكيف احتوى المخطط على تدريب ألفين من المدنيين على يد المخابرات الأمريكية وإعطائهم وسائل تصنت صغيرة ودقيقة بحجم الخاتم وساعة اليد، وكذلك تدريب مائتي فتاة في كل مدينة من المدن الرئيسية وتزويدهن بذات الوسائل الدقيقة والتدريب من قبل المخابرات الأمريكية، مع رواتب تصل إلى 1500 ريال (فرنص) ماريا تريزا شهريا وصرفيات التنقلات والمكافآت المغرية، ومكافآت سنوية قدرها ألفين ريال الخ. وما يتعلق بالموافقة والسماح بإقامة ثلاث قواعد أمريكية بتعز وصنعاء والحديدة…-ص90-92. هذه التفاصيل المعقدة والدقيقة يبدو أنها صادرة من خيال بوليسي ، فالأمريكيون وبمساعدة الحسنيين كانوا يطالبون بإقامة قاعدة عسكرية في يريم ومدينة التربة ،وربطوا ذلك بتقديم مساعدات مالية رفضها الإمام أحمد…
لقد كان الصراع بين سيف الإسلام الحسن ،ومحمد البدر يقوم على شراء ولاءات المشايخ الضباط و والتجار ، ولا يحتاج إلى هذا الخيال البوليسي الجامح الذي يسرده (عبد القادر الخطري) في كتابه الذي نتناوله هنا، خاصة وأن المخطط الانقلابي الذي استعرض بنودها وتفاصيله يذكرنا بالقصص البوليسية المتخيلة ، فلم يسبق أن وردت في مذكرات الآخرين بهذا الوضوح القصصي والمستوفي لدقائق التفاصيل والأدوار!
الوشاح والحكم بإعدامه:
أصدر الحاكم الشرعي (محمد يحيى مطهر)حكمه بإعدام الرقيب الحاج حسن الوشاح لقتله أحد الجنود ، فقد قام الجندي بالشرب من (كعدة الماء)التي يتركها الوشاح على نافذته لتبرد، وهنا استشاط الوشاح غضبا وخرج يبحث عن الجندي ” المنوب إلى بلوك الشاوش المرتب على نقطة الطريق ” بين الجحملية وصالة” حتى أرداه قتيلا برصاصة في أصابت مثانته. وقد أكدت الهيئة الشرعية برئاسة العلامة أحمد محمد زبارة زوج بنت الإمام أحمد ونائب رئيس الهيئة الشرعية القاضي عبد الرحمن الإرياني ، وكذلك كان رأي رئيس الاستئناف السيد يحيى محمد عباس بأنه لا مجال لنفي القصاص ، فتم تنفيذ الحكم بعد مماطلة من الإمام أحمد لدرء القصاص بالدية ، لكن أم الجندي القتيل واستنفار زملائه لم يترك مجالا لتسوية جريمة القتل بالعفو ودفع الدية…