- محمد ناجي أحمد
أثناء غياب الإمام أحمد في روما عام 1958م يحدثنا صاحب المذكرات بأن الشباب تداعى لتشكيل تنظيم شبابي ، لكنه لا يخبرنا عن تصورات هؤلاء الشباب ورؤيتهم للتغير ،ما هو برنامج هذا التشكيل التنظيمي للتغيير؟
وكان الداعون لهذا التنظيم هم ” محمد عبد الملك المتوكل ابن أخت الإمام أحمد، ويحيى بهران، وأحمد مفرح ، واحمد الرضي ، وعبد الله المقحفي وقاسم المصباحي ن وعبد الرحمن محمد سعيد، ويحيى علي أبو طالب وأنا وآخرون” وتم انتخب هيئة إدارية فاز بأكثرية الأصوات يحيى بهران رئيسا ويليه محمد عبد الملك المتوكل نائبا ، لكن التنظيم أُجْهِض، بسبب الأحداث الدامية في تعز وصنعاء وعودة الإمام من روما…
يبدوا أن أحمد منصور أبو اصبع توهم ووقع في الخطأ حين قال بأن محمد عبد الملك المتوكل ابن أخت الإمام أحمد، فلم تكن أمه أخت الإمام بل لم تكن هاشمية، ولعل ظروف نشأته وتعليمه قد جعلته متخففا من العصبويات الضيقة، ومن ذلك انتماؤه من حيث الأم ومن حيث الأب للتكوين اليمني الذي يفضل البعض تقسيمه إلى هاشمي وقحطاني…
فك عبد الله الوصابي ارتباطه مع علي عبد العزيز نصر واتحاد القوى الشعبية ، وعاد من عدن ومعه كتب من بينها كتب خالد محمد خالد اليسارية ، وديوان شعر لعلي عبد العزيز نصر ، وكتاب (توابل) لعبد الله باذيب ، وقد تحمس له أحمد منصور أبو أصبع وبدأ معه نشاطا مشتركا في جبلة والعديد من مناطق إب .
يروي المؤلف حادثة اجتماعية تعكس الوعي الطبقي لدى فئة السادة ، الذين يبيحون لأنفسهم الزواج ببنات القبائل ويرفضون تزويج بناتهم لقبيلي .
ففي أواخر عام 1961م كان صاحب المذكرات في مقيل القاضي محمد بن عبد الله الإرياني ، مدير أوقاف جبلة ، وكان من الحاضرين في المقيل الشيخ محمد عبد الواحد دماج، فقد كان مقيل القاضي محمد الإرياني ملتقى لكثير من العلماء والمسئولين. فوجدوا السيد العلامة حسين المتوكل ، الذي سأل محمد عبد الواحد دماج إذا كان لأحمد منصور أبو أصبع أخت كي يزوجها لابنه عبد الرحمن، الذي كان زميل دراسة للمؤلف، فاقترح النقيب محمد عبد الواحد دماج أن يتم تزويج أحمد منصور أبو أصبع بابنة السيد حسين المتوكل في مقابل تزويج ابنه من ابنة منصور أبو أصبع ، لكن السيد حسين المتوكل غضب ورمى بالقات وقام غاضبا، وقلب المدايع وصاح “هل أزوج ابنتي وهي بنت رسول الله من جعيل” فحدثت مشاجرة كلامية ، فتقدم آل المتوكل بشكوى إلى الإمام أحمد في السخنة يشتكون بالشيخ محمد عبد الواحد دماج ، وأنه شتم ولعن الأسرة الهاشمية. وقد حكم القاضي السيد إسماعيل المنصور بعد أن شهد كل من عبده المشرقي والسيد باعلوي بأن الشيخ محمد عبد الواحد دماج شتم السيد حسين المتوكل، فحُكِم عليه بالسجن المؤبد ، لكن الإمام بعد اطلاعه على الأحكام أمر النقيب محمد عبد الواحد دماج بأن يذبح عدة أثوار هجر للهاشميين ،في كل من تعز والحديدة وإب وجبلة.
تحتاج مسألة رفض تزويج الهاشمي للقبيلي ورفض تزويج القبيلي لمن ينتمون لفئات الجزارين والمزينين والدواشنة والمهنيين من أصحاب الصنايع والحرف والخ إلى دراسة اجتماعية تحيلها إلى أسبابها الاجتماعية وجذورها في العقل البدوي ، ماله من أسباب اقتصادية واجتماعية تتعلق بالمال أو الحكم…ففي القرن الثالث الهجري رفضت القبائل تزويج ابن الإمام الهادي يحيى بن الحسين، بحجة أنه ليس قبيلي…
يروي عبد الله دارس للمؤلف أنه أثناء وجودهم في تعز هو وخاله فيصل عوفان وقاسم بن حسن أبو راس والشيخ حسين بن ناصر الأحمر ،مع مجموعة مشتركة من أصحاب حسين الأحمر والنقيب قاسم بن حسن أبو راس اتفقوا على اقتحام قصر الإمام في تعز ، لكن القاضي عبد الرحمن الإرياني أخبرهم أن بينهم واشيا أبلغ الإمام بالخطة . وقد أشار الخطري في كتابه إلى اسم الواشي، وأنه كان من آل أبو راس ، وقد دفعه إلى ذلك خوفه من الفشل والحذر والحيطة….
عن تداعيات فشل محاولة عبد الله اللقية ومحمد عبد الله العلفي ومحسن الهندوانة يقول المؤلف ” …وما هي إلاَّ أيام حتى نفذ حكم الإعدام بالشهيدين اللقية والهندوانة ، وانا كنت موجودا في تعزونقل الناس الكثير من الأخبار عن الشهيدين ، وعن الإرادة الوطنية ، ورجعت بعد ذلك إلى تعز …ولم يتعثر العمل وظللنا نلتقي ونتابع وكان عبد الغني مطهر مثالا للوطني المثابر الذي لم يخف ولم يتردد وكان مع محمد مفرح من أشجع الرجال”.
تم تشكيل محكمة مختلطة ( مدنية وعسكرية) برئاسة الشيخ محمد علي عثمان وعضوية أحمد زبارة والزعيم السلال ( مدير المينا) والعميد أحمد الجرموزي( أمير الجيش)…وقالت الإذاعة إن أحمد الشامي قد عين مدعيا عاما. وقد أصدرت هذه المحكمة حكمها بإعدام اللقية ومحسن الهندوانة ، بعد أن تم تعذيبهما أثناء التحقيق .
بحسب رواية الدكتور حسن مكي في مذكراته أنه شاهد لجنة التحقيق ومنهم السلال والشامي وهم يعذبون اللقية ومحسن الهندوانة أثناء التحقيق…
كانت المخابرات المصرية هي أداة التغيير الثوري والتحرر العربي، ولهذا كان تعامل الأحرار والثوار في اليمن والجزائر والعراق وسوريا وليبيا والخليج الخ مع المخابرات المصرية لإحداث تغيير ثوري في بلدانهم.
وفي اليمن” كثفت السفارة المصرية والمخابرات المصرية من اتصالاتها بعدن عن طريق محمد قائد سيف ومحمد مهيوب ثابت ، وبتعز عن طريق عبد الغني مطهر، وبصنعاء عن طريق عبد السلام صبرة والمقدم عبد الله جزيلان والملازم علي عبد المغني، وكان هؤلاء المشار إليهم يعتبرون أقرب إلى مصر من بقية زملائهم”
في إب اجتمع بعد تفجير ثورة 26 سبتمبر ، وإعلان النبأ من إذاعة لندن بأن الإمام البدر لم يمت وإنما لا زال حيا يرزق، اجتمع أكثر من ثلاثين شخصية ، وطُلِبَ منهم اليمين على الدفاع عن الثورة ، فأقسم النصف وتلكأ النصف الآخر، لكن المؤلف لم يشر لأحد من الذين رفضوا ، مكتفيا بالقول إنهم أصبحوا من المستفيدين من الثورة أكثر من غيرهم . واما بالنسبة لصنعاء فقد قامت الثورة وشارك أغلبية الضباط الصغار وأعداد محدودة من الضباط الكبار ، ولم يلتحق بالثورة أغلب الضباط الكبار إلاَّ في اليوم التالي ، وبعد إعلان بيانات الثورة ، وقد تأخر وصول السلال غلى القيادة حتى السادسة صباحا، وذهب لإحضاره أحمد الرحومي وعلي عبد المغني، وكان الضباط الأحرار قد أخبروه بموعد الثورة وذلك يوم الثلاثاء ، أي قبل يوم من ليلة قيام الثورة.
يتحدث المؤلف نقلا عن الشيخ يحيى منصور بن نصر ( وزير الزراعة في أول حكومة للثورة) أنه بات ليلة 26سبتمبر في منزل الشيخ محمد علي عثمان وأنهم ظلوا مستيقظين حتى الصباح ، وأن الشيخ محمد علي عثمان كان على اتصال بالإمام محمد البدر وبضباط الثورة في آن، وأن المشير السلال كان يتصل بمحمد علي عثمان بين وقت وآخر ويستفسر منه عن آخر الأخبار .
يقول الشيخ يحيى منصور بن نصر إن الشيخ محمد علي عثمان كان سعيدا جدا ، ولما سألته عن سبب سعادته ؟ قال لي:( حيثما حلت نفعت).
اشتهرت الأغنية الثورية والوطنية منذ الساعات الأولى لاندلاع الثورة ،وبحسب ما ذهب إليه صاحب المذكرات فقد كان عبد الله هادي سبيت من شعراء تلك المرحلة الوطنية ، وله قصيدة قام بتلحينها وغنائها الفنان علي بن علي الآنسي وكذا الفنان علي الخظر، ومطلعها:
باسم هذا التراب
والجبال الصعاب
سوف نثأر يا اخي
وما ذهب إليه أحمد منصور ابو اصبع ليس صحيحا فأغنية ( باسم هذا التراب) هي للفنان المرحوم فضل محمد اللحجي ، وقد كان علي الآنسي قبل الثورة ، حين التحق بالعسكرية معجبا بها ويغنيها داخل وحدته العسكرية، وقد غضب الإمام أحمد حين سمع بذلك ، وطلب الفنان علي الآنسي . يقول علي الآنسي ” وهذه الأغنية أغضبت الإمام أحمد عليَّ دون أن أعرف ، فطلبني إليه، وشعرت بالنهاية ” وحين عاتبني وفقت في الإجابة ، واظهرت له الغباء في فهمي للأغنية، وأنني فقط غنيتها تقليدا للفنانين الذين غنوها في عدن، فأطلق سراحي.
وبعد ثورة 26 أيلول ( سبتمبر) 1962م سجلت للإذاعة هذه الأغنية وسجلت غيرها… وكانت هي اول ما سجلت للإذاعة”ص139-آراء في الفكر والفن- مجموعة حوارات صحفية أجراها عبد الوهاب علي المؤيد – ونشرها في كتاب من مطبوعات دار الحكمة –صنعاء- 1989م.
ويبدو أن كلمات هذه الأغنية ليست لعبد الله هادي سبيت وإنما لصالح نصيب…
هي رحلة نقدية طفنا فيها مع كتاب ( تعايشي مع الحركة النقدية في اليمن) لأحمد منصور أبو اصبع- مستعرضين ومحللين ومقارنين ومصوبين ومختلفين ومفندين.
كانت رحلة مع أحداث وشخصيات ومواقف ورؤى وروايات عرضناها من منظور معايش لها، فقد بدأ أحمد منصور أبو أصبع مسيرته النضالية باكرا ، أي منذ أن كان طفلا لا يتجاوز عمره الثانية عشر عاما، ويبدو أن ما ذكره يحيى منصور اصبع ، أخو صاحب المعايشات- وذلك في الحلقة (13) من (شهادتي عن عبدالوارث عبد الكريم والرئيس الغشمي)حين كان يحيى يسأل أحمد منصور عن حمود قطينة قائد الاحتياط، ” مما جعل أحمد يسأل أيش هذا البحث كله وإلا في نية لعمل شيء رجاء إذا هناك شيء أخبروني من اجل أخرج من صنعاء ، ماعد بي طافة على السجون وعذاباتها…” كان توصيفا دقيقا للإرهاق الذي نال منه من جراء الاعتقالات والمشوار الطويل من العمل النضالي ، فكان ابتعاده عن النشاط السياسي السري ، في عهد الرئيس الغشمي وربما من منتصف السبعينيات، ثم أصبح لسان حاله في عقد الثمانينيات: لقد أفنيت عمري طفولة ومراهقة وشبابا وكهولة في النضال الوطني ، ودفعت ضريبة ذلك ، وآن لي أن ألتفت لنفسي…