- كتب: محمد ناجي أحمد
مع علي قاسم الأحمر يبدأ حضور بني الأحمر في القرن الثاني عشر للهجرة ـ وقد كنت تحدثت في كتابي (الذاكرة في مواجهة النسيان) كيف وصل علي بن قاسم الأحمر إلى مشيخة العصيمات ، بعد خيانته لعمه الشيخ محمد عبد الله الغريبي ، ففي سنة 1121هـ
وجه الإمام قبيلة بكيل بقيادة حبيش وابن جزيلان لحرب حاشد وخراب حوث، وكان على رأس العصيمات آنذاك الشيخ محمد بن عبد الله الغريبي ، عم علي بن قاسم الأحمر ، وبسبب اضطهاد الغريبي لعلي الأحمر ، وعدم إعطائه مما يناله من مال بيت الدولة فقد قام الأخير بخيانة عمه وساعد بكيل على شق بلاد العصيمات . ثم أصبح علي بن قاسم الأحمر هو شيخ العصيمات ، وتحرك في سنة 1125هـ من قِبَل المهدي لأخذ حبور وبلاد ظلمة ومحق على الداعي عمله، فقام الحسن بن القاسم صنو الداعي الحسين بن القاسم في دفعه ـ فأضرب الأحمر عمَّا أراد وآثر الرجوع.
وفي سنة 1140هـ نكث علي بن القاسم الأحمر العهود التي كانت بينه وبين الإمام المنصور وطمع في الاستقلال من جهته بالحصون والبلاد ، فاحتال عليه الإمام المنصور الحسين بن المتوكل على الله وحين تحرك الأحمر برجاله إلى “عَصِرْ” خرج إليه المنصور وطلبه إلى خيمته ، وقد رتب لقتله ، فقام الأمير ذو الفقار بالقبض على فروته وطعنه بالجنبية ” فما نطق بعدها بحرف من الخطاب إلاَّ أنه قال: عاب عاب وخرًّ صريعا، وقد أمر المنصور عبده سلمان بقطع رأسه وأخذ المنصور الرأس بيد وقال لأصحاب الأحمر هذا صنمكم …ثم إن أصحاب الأحمر أمعنوا بعد هذا في الهرب وحملوا جسد الأحمر معهم إلى همدان ، ثم أنفذوه إلى أهله بعد أن شفع في رأسه فردَّه إلى الجثمان”.
وبعد علي الأحمر كان شيخ العصيمات قاسم الأحمر ، فحين عادت بكيل بعد نهبها بلاد آنس أطراف عتمه وريمه سنة 1156هـ، وانتهبوا ما ظفروا واستاقوا حريما فتفادى أهلهن بمال جزيل ، وحين مروا أثناء عودتهم من أرض لقاسم الأحمر كمن لهم مع رجاله يريد أخذ ما معهم من الأموال ،فراح في هذا الاقتتال على المنهوبات 165من حاشد و30 من بكيل، وجملة القتلى 280 نفسا.ص66-67- الذاكرة في مواجهة النسيان-اليمن والوطنية الجامعة –محمد ناجي أحمد-ط1-يناير 1918- نقلا عن كتاب (عصر الاستقلال عن الحكم العثماني من سنة 1056-1160هـ) حسام الدين الملقب بـ(أبو طالب) المتوفى سنة 1170هـ، وتحقيق عبد الله محمد الحبشي-1990م.
يأتي ذكر بني الأحمر في كتاب ( الروض البسام في سيرة المولى سيف الإسلام أحمد …) للمؤرخ حسن بن أحمد بن الحسن الإرياني(1313-1344هـ/1895-1925)تحقيق ،برسالة ماجستير لـ(محمد محمد ناشر مالك )…2016م.- في العديد من الحوادث بداية الثلث الأول من القرن العشرين ، وهو ما سنورده في تناولنا هنا.
دخل الإمام يحيى صنعاء رسميا في 13صفر 1337هـ/ 19نوفمبر 1918م.
مع العلم أن طلب الوالي محمود نديم من الإمام يحيى لدخول صنعاء واستلامها كان في بداية شهر نوفمبر ، ربما 4نوفمبر1918م، حين تأكد للوالي العثماني في اليمن هزيمة دول المركز وبينها لمانيا و الدولة العثمانية.
يصف صاحب كتاب (الروض البسام…) حاشد وبني الأحمر بقوله عن حاشد :” إنهم كانوا يقربون إليهم كل باغي ، ويفر إليهم كل طاغي ، نابذي كتاب الله وراء أظهرهم ، وبأنهم كانوا يناصرون المجرمون من أيام الإمام الهادي يحيى بن الحسين” ثم يستدرك القول بأن أهل حاشد كانوا يتميزون بخصلة واحدة فقط ، وهي أنهم كانوا يحبون آل رسول الله ، وكانوا يكرمون السيد( أي الهاشمي) ” كائنا من كان ، وكيفما كان، عالما أو جاهلا ، مناصرين لداعي أهل البيت إن جاء إليهم خائفا من عدو آووه ونصروه” فكانت هذه الميزة والخصلة التي يحمدون عليها ، وبسبب هذه الخصلة الحميدة يُرجع مؤرخنا السبب إلى أن الله رفع عزهم، ولم يعجل في عقابهم …”ص90-19.
يُذكِّرنا ما قاله المؤرخ حسن الإرياني برواية ذكرها لنا حاتم أبو حاتم – لا أدري إن كانت رتبته اليوم لواء- فهو في عهد الحمدي والغشمي كان من قادة سلاح الطيران، ومن المشاركين في حركة 15 أكتوبر الناصرية عام 1978م- يروي حاتم أبو حاتم أنهم حين كانوا يحضرون في مقيل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر- تسعينيات القرن االعشرين- رئيس التجمع اليمني للإصلاح ، وكان من الحاضرين الشيخ الإخواني عبد المجيد الزنداني ، ورغم آصرة التجمع اليمني للإصلاح ، وآصرة الإخوان المسلمين ، التي تولى الشيخ عبد الله الأحمر رئاستها وحمايتها بعد قتل مراقب جماعة الإخوان في اليمن عبده محمد المخلافي بنقيل سمارة قيل بأنه حادث سير ،وأراه اغتيالا سياسيا – وإن لم يكن الشيخ الأحمر مراقبها العام! فطبيعة تكوين الإخوان المسلمين وإن كان مظلتها الأحمر -ينشطون في ظل مظلة حامية لهم ، لكن مراقبهم العام التابع للمرشد في تنظيمهم الدولي يظل قائدا للأصل ، ويظل الغطاء مظلة…-مع ذلك فإن المكان الأقرب لجوار الشيخ الأحمر ي ديوان المقيل يكون لأمين عام حزب الحق السيد أحمد محمد الشامي ، لا للشيخ الزنداني،يستقبل الشيخ الأحمر السيد أحمد الشامي هاشا باشا ، لكنه لا يستقبل الزنداني بذات الطريقة ، فالولاء للسيد ثقافة ووعي مستبطن وعقل جمعي! ولذلك قد يطلب الشيخ عبد الله من الزنداني أن يتزحزح من مكانه للسيد الشامي!
يصف المؤرخ حسن الإرياني، بني الأحمر بقوله ” استقر سيف الإسلام في حجة التي استطاع أن ينظم شئون الحياة فيها ، ويقضي على المتمردين ، فقد تمكن من الضرب على يد الظلمة في بلاد حاشد – كما يقول مؤرخنا- أمثال بني الأحمر ، الذين أصبح ظلمهم مستشريا في بلاد حجة ، منذ أيام الدولة القاسمية ، ومن ثم الدولة العثمانية”ص84- الروض البسام…
كان بنو الأحمر حين هزموا من سيف الإسلام أحمد عام 1921م قد ذهبوا إلى الإدريسي طلبا للمساعدة لكنهم رجعوا مخذولين…-ص94.
ثم تمرد بني الأحمر آخر عام 1922م من قلعة سنجر التابعة لهم ، وذلك أوائل شهر جمادي الأولى من سنة 1341هـ/1922م.
ويعطينا المؤلف نبذة عن ناصر بن مبخوت الأحمر وابنه ناصر بن ناصر مبخوت الأحمر ” بأنه كان من أكابر قبائل حاشد ، واكتسب أمواله من جهات بلاد نجرة بالقوة ، والسلطة ، كان سياسيا ماهرا في تدبير الأمور، وكان يتجنب مواجهة القتال مع الإمام، ولكنه كان يقوم بالفتنة بين الإمام وأعوانه، مستخدما السياسة في الوقيعة بين الإمام ومن والاه ، ثم مات ناصر بن مبخوت الأحمر وعقبه ابنه ناصر بن ناصر ” وهو من قام بالفتنة التي شرحها. ص94.
قام ناصر بن ناصر مبخوت الأحمر حين وصل نجرة ، مدعيا أنها من أملاكه وأراضيه الزراعية التي لدى شركائه المزارعين، ولكنه كان مبطنا إثارة الفتنة ، فقد أبرم الأحمر مع قبائل من حاشد ، وهم نقايل ، ساكنين في قلعة الشراقي ، على إثارة الفتنة والتمردات المستمرة ، واتفقوا على الاجتماع في خولان حجة ، ويردف مؤرخنا أن هذا الاتفاق لا يستبعد أن يكون بالتنسيق مع وبدعم من الإدريسي “ص94-95.
اتخذ سيف الإسلام طريقة الوساطات ، لكن ناصر بن ناصر مبخوت الأحمر رفض الوساطات . وأمر رجاله بالتقطع على مجموعة من جيش الإمام ليلا في حدود بلاد عبان. ص95.
وحين تحرك سيف الإسلام أحمد لمواجهة وقمع تمرد ابن الأحمر ، تواصل مع ناصر الأحمر وطلب النجدة من مدينة خمر ، ومن قبائل ذو محمد وذو حسين في بلاد برط …-ص96.
ولم تستطع القبائل مدَّ يد العون خوفا من بطش سيف الإسلام أحمد ، وبسبب الحصار ثانيا، ما عدا 400 شخص من حاشد ادعت أنها متجهة إلى الإدريسي ، وقد تسللت خبت المحويت ، وعانت الأمرين من جوع وخوف ، لكن حصار سيف الإسلام عليهم بعد وصولهم إلى قلعة سنجر أدى إلى استسلام ابن الأحمر وأعوانه ، فادعى من وصل إليه من حاشد بأنهم جاؤا بغرض الوساطة وإيقاف الحرب بين الطرفين، فعاتبهم سيف الإسلام ثم عفا عنهم وتغاضى عن أفعالهم . ص96.
وفي أوائل شهر جمادي الآخر من سنة (1342هـ/1923م) قام ناصر بن مبخوت الأحمر بتأجيج الفتنة التي أشعلها العام الماضي ، وذلك بتأليب قبائل حَبُوْر ، عن طريق إعطائهم الأموال ، فاستجابت له بعض قبائل من حاشد ، وأرحب ، وهمدان ، وزحفت القبائل إلى بلاد حجة ، وهجمت على قرية نيسا، التي يتواجد العامل المكلف من سيف الإسلام أحمد بجمع الواجبات في تلك المناطق، وتمكنت القبائل من قتله ، مستخدمة الحيلة ، فبعد أن أعطوا الأمان والسلامة في الخروج من القرية ، وعلى أن يسلم نفسه في ذمتهم لكنهم خانوا العهد ، وقتلوه ، ثم قاموا بنهب مخازن الحبوب. ص98.
حين بلغ سيف الإسلام أحمد ما فعله ناصر بن ناصر مبخوت الأحمر دعا جميع القبائل للتحرك لمواجهته…ثم انتهت هذه المواجهات قبل احتدامها بالوساطة والصلح على مضض من سيف الإسلام أحمد ، ونزولا عن رغبة والده وسيوف الإسلام من بيت أبو طالب ومحمد الهادي ومحمد بن الإمام المتوكل على الله المحسن بن أحمد – وقَبِل سيف الإسلام أحمد بلالصلح على مضض نزولا عند رغبة والده ، وأمر بسحب الجيش….
ثم اندلع تمرد آخر من حاشد عام 1343هـ/1924م.
لم تتوقف تمردات بيت الحمر فقدر ثاروا عام 1927م مرة أخرى ، وفي عام 1959 دخل حسين بن ناصر بن ناصر مبخوت الأحمر وابنه حميد إلى صنعاء ، حين كان الإمام أحمد في سفر للعلاج إلى إيطاليا عام 1958- بزامل رددوه :
سلام يا حاشد ويا ضبة بكيل
من بعد هذا تسمعون اخبارها
إمامنا الناصر ومن بعده حميد
سبحان من رد العوايد لاهلها
وهو ما فهمه الإمام أحمد وفقا للخلفية التاريخ لتمردات بني الأحمر بأنه انقلاب ، فكان أن عاد إلى الحديدة ، وقال خطبته المشهورة الذي جاء فيها: هذا الفرس وهذا الميدان ومن كذب جرب…، ثم كان اعتقاله لحسين الأحمر وابنه حميد الأحمر ، وسجنهما ثم إعدامهما عام 1961م.
يحضرني رد الشيخ صادق بن حسين الأحمر في مؤتمر الحوار الوطني عام 2012م حين استفزته الأستاذة أمل الباشا رئيسة منتدى الشقائق ،وكانا يومها عضوي مؤتمرالحوار -وكان رده عليها بلغة أنه وجدوده ثابتون في اليمن طيلة صراعهم مع الحكام ؛ بمعنى أنهم الثابت والآخرون هم العابرون !
إنه صراع الإقطاع ، صراع الشيخ والسيد …بمعنى الانتقال من استبداد الجسد إلى استبداد الروح والجسد ، ولذلك كانت ثورة 26سبتمبر 1962م ، ثورة ضد كل أشكال الاستبداد ، والانتقال من ولاية الإقطاع المشيخي وولاية السيد إلى ولاية الأمة …
تحيا الجمهورية ….
يحيا عصر المواطنة …
كل الناس سواسية ، بفرص متكافئة ، وتنافس قدرات وتميز جهود وإبداعات….
- (الروض البسام في سيرة سيف الإسلام أحمد بن أمير المؤمنين يحيى بن محمد أمير المؤمنين المنصوربن يحيى بن محمد بن حيى بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن الحسين بن الإمام القاسم – للمؤرخ /حسن ن أحمدبن الحسن الإرياني (1313-1344/1895-1925) دراسة وتحقيق /رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير /محمدمحمد ناشر مالك-1437هـ/2016م