- عبد الرحمن بجاش
بمجرد أن استلمت الصورة من الصديق شاهر الصالحي لبقايا منزل الاستاذ عبد الله البردوني حتى ذهب نظري سريعا واستقر على الباب الذي اعرفه جيدا وآثار اصابعي عليه إلى اللحظة …احساس المفاجأة الأول أن تلك البقايا هي بقايا بيوتنا ،اما البردوني فقد بنى له في كل حرف بيت ومنزل …!!!
نحن العائشين كذبتنا الكبرى المخدوعين وبلا يقين ، البردوني مات ،والموت فعل شجاعة قصوى ، واخذ معه البصر والبصيرة …
البردوني يكبر كل يوم ، هكذا تقول الحكاية ..فيم نحن نضيع ببطء…فالرجل قال كلمته ومضى ..نحن صمتنا وخنعنا واستسلمنا للقهر والظلم ومن جاء ركب على ظهورنا ، و أصغينا للفساد ولم نصغي للبردوني مرة واحدة ….
هناك شارع بوشكين ، هناك متحف بوشكين ، هناك تمثال جوركي ،وفي الزاوية الأخرى تولستوي …وهنا قبرالشرفي يضيع ، وعلي عفيف بلا شاهد قبر ، ويحيى عوض ضاع قبره بين القبور، والفتيح لم يعد أحد يتذكره ،والجرادة نتذكره فقط عندما نلاحظ المائدة وعليها صانونة ” الموز” !!!!
يحيى البشاري ربما تتذكره قططه الأربعين واحفادهن اكثر منا ، والمقالح نذهب إليه لنلتقط الصور لنظهر أننا ننتمي اليه ، بينما ننساه كل لحظة …، أين ابوبكر السقاف في حياتنا اليومية ، و زين السقاف ، وعمر الجاوي والمحضار ، أين واين واين …أسئلة تذهب مع الريح فتعود عواصف من ريح صرصر عاتية ….
انا هنا لا أطالب شرعية وغير شرعية أن تعيد البردوني الى الواجهة ، وكنت سأحلم مثل صديقي المبدع عبد الفتاح عبد الولي بتمثال وحديقة ، أين انت ياصاحبي ؟ البردوني غير مرغوب عودته في هذه البلاد كلها !!!..انا اتكلم عن الناس ، أدباء ومبدعين ، هؤلاء من يمكنهم أن يبنوا بيوت البردوني من حروف وكلمات ..هم من يستطيعون بقائه حيا في أذهان الناس ، ولتسقط بيته ألف مرة …حتى يقيض الله لنا من يعلي بيوت الكلمة ….
الان علينا أن نندب انفسنا ، وندين انفسنا ، فشعوب العالم تحيي عظمائها غصبا عن الانظمة ، ونحن تعودنا على قرارات رسمية تقول لنا ” حبوا فلانا واكرهوا علان ” من عظمائنا …
كلما يرد على خاطري اللورد ” بالمرستون ” وهو قط تم احالته الى التقاعد بعد خمس سنوات خدمة في اروقة وزارة الخارجية البريطانية ، وقد تم الإشادة بدوره في خدمة الدبلوماسية !!! ، سفراء حقيقيون هنا جرى احالتهم الى التقاعد قبل الاوان !!! ولم توجه لهم حتى كلمة شكر …لاحظو أن القط يسبق اسمه ب” اللورد” ….كلما ارى صورته اضحك على نفسي …
من لحظة أن توفي البردوني وكلنا نسمع فقط عن مسلسل الشريعة بين ورثته ، ولأن قمة الحكم يومها لم تكن تكن ودا للرجل الكبير ، فقد تركت الامر وكأنه بين ورثة على حانوت !! وليس على منزلي البردوني وهو من هو ….
للأسف شعبيا لم يتقدم أحد ويخلد اسمه بعمل شيئ ما باسم البردوني …وغير القعود فلا اتحاد الادباء ولا اي كائن ابداعي تقدم وقال شيئا …وحده القعود ظل يصرخ في البرية حتى أسكته الغبار…
نحن نضيع طالما والبردوني يغيب كل يوم ….
ولا عزاء لنا …ويا اتحاد الادباء : دق القاع دقه ..مع الاحترام للفضول…
لله الأمر من قبل ومن بعد .