- محمد ناجي أحمد
في المؤتمرات الدولية كان للحمدي حضور واع، نلمس ذلك من كلمته في مؤتمر دول عدم الانحياز ، وفي هذه الحلقة سأعيد ما قد كنت نشرته قبل سنوات عديدة- قبل ثمان سنوات- ، في قراءتي لمحتوى خطاب الحمدي ، الذي قرأه في مؤتمر دول عدم الانحياز ، المنعقد عام 1976، والذي طالب فيها بضرورة أن يعم السلام في المحيط الهندي ، وأن تكون ثروات الأمم النامية لصالح شعوبها ، في سيرلانكا، بكولمبو:
وقفة مع :
خطاب الرئيس إبراهيم الحمدي ،
في كولومبو “المؤتمر الخامس لدول عدم الانحياز “عام 1976م
يبدو أن عام 1976م كان عاما فاصلا في خياراته بين الرئيس إبراهيم الحمدي ومحور الغرب وحلفائه الاقليميين ،فبعده بعام كانت مشاركته في المؤتمر العام الخامس للناصريين “الطلائع الوحدوية اليمنية “وفي هذا العام كانت كلمته الحاسمة في خياراتها ،التي القاها في المؤتمر الخامس لدول عدم الانحياز-وكلاهما مؤتمر خامس!
وبعد هذين المؤتمرين ، ومؤتمر قمة الدولة المطلة على البحر الأحمر ، الذي عقد في تعز عام 1977م،والخطوات المتسارعة والجادة نحو الوحدة ،والاتفاقيات التي كان متفق على توقيها في 12أكتوبر 1977م- كان قرار اغتياله بتلك الطريقة اللا أخلاقية ،والانتقامية ،والتي تجعل الإشراف السعودي المباشر من خلال القنصل العسكري “صالح الهديان” مؤشرا على الخطورة التي مثلها الرئيس “إبراهيم محمد الحمدي” لمصالحهم في اليمن! لقد أكد في كلمته التي القاها في المؤتمر ،على استحالة السلام في البلدان النامية “طالما ظلت ثروات البلدان النامية نهباً لأطماع البلدان…”وأن على حركة عدم الانحياز أن تقوم بدورها في “ايجاد عالم متحرر…
لن يكون هناك سلام طالما ظلت ثروات البلدان النامية نهباً لأطماع البلدان…”وأشار إلى ضرورة دور دول عدم الانحياز في الدفاع عن الشعوب النامية و “حماية كرامتها وثروتها وتراثها الحضاري…”وما تقوم ” به الحركة في سبيل إيجاد عالم متحرر من القهر والتسلط والعدوان…”فهذا المنبر هو الوسيلة لإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في آسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية …كذلك كان وعي الحمدي في هذه الكلمة واضحا بارتباط السلام بـ”التطور الاقتصادي والاجتماعي لشعوبنا” وذلك لن يتأتى الاّ حين تسيطر هذه الشعوب النامية على مواردها الطبيعية “لاستخدامها في رفع مستوى معيشة مواطنيها ، وفق إرادتها الحرة ، إنما هو جزء من نضالنا في سبيل خدمة السلام العادل طالما ظلت ثروات البلدان النامية نهباً للأطماع الأجنبية ، واستغلال مشيناً من جانب الدول المصنعة لدول العالم الثالث…”لقد بدأ الرئيس إبراهيم الحمدي في مواجهة الوجود العسكري الأجنبي في أراضي ومياه الدول النامية “والذي يتمثل في تحركات أساطيل الدول الكبرى خارج مياهها الإقليمية واحتفاظها بقواعد وتسهيلات في أراضي الغير ، مما يعرض سلامة شعوب آسيا وإفريقيا و أمريكا اللاتينية لأخطار جسام…”ومنها البحر الأحمر والمحيط الهندي ،ولهذا كانت دعوته لمؤتمر يضم بلدان البحر الأحمر كخطوة في هذه المواجهة لتلك الأساطيل ،والقواعد العسكرية للدول الصناعية الغربية …وشملت كلمة الرئيس موقف اليمن ضد الأنظمة العنصرية في جنوب أفريقيا ،وفلسطين ،ووقوف اليمن مع حركات التحرر الوطني في العالم “وبالوقوف بحزم لمناصرة هذه الأقاليم في نضالها لاسترداد حريتها واستقلالها وكرامتها…
بعيداً عن التكتلات العسكرية والمحاور العدوانية…”لقد كانت رؤيته لجوهر الصراع مع الاحتكارات الامبريالية بأنه صراع من أجل الحرية والسيادة على الأرض والثروة ،ولهذا لا بد من التلاحم والترابط بين دول عدم الانحياز لتحقيق مطامح ومطالب الشعوب وحقها في “السيطرة على ثرواتها ومواردها الطبيعية ، واستخدامها وفقاً لمصالحها الوطنية، وخططها في التنمية والتطوير “لكن ذلك “مازال يواجه عقبات لترجمته إلى واقع عملي ، نتيجة للضغوط والمناورات التي تستخدمها الدول الامبريالية الاحتكارية الأجنبية..” لهذا أكدت كلمة الرئيس إبراهيم الحمدي على ” حق الدول النامية في المشاركة الفعلية ، وبصورة متساوية مع بقية الدول المتقدمة ، في المناقشات ، ووضع القرارات المتعلقة بإصلاح نظام النقد الدولي ، والتفاوض حول التجارة الدولية..” بما يؤدي إلى نظام اقتصادي دولي جديد “لذي أقرته الجمعية العامة للام المتحدة في الدورة الخاصة السادسة، ومعارضة الضغوط والمراوغات التي تبذلها بعض الدول الصناعية لعرقلة تنفيذ هذا النظام، في محاولة لاستمرار الاستغلال البشع للدولة النامية، وتوسيع الفجوة بين الدول..”.
لكن مسار القوة اتجه نحو اغتيال مشاريع حركات التحرر الوطني ،باغتيال رموزها وتنظيماتها ،ثم إسقاط الاتحاد السوفيتي ،وبناء نظام دولي جديد قائم على القطبية الرأسمالية والسياسية الأحادية ،واتجاه النظام النقدي إلى مزيد من الاستغلال ،وجعل منظمة التجارة العالمية سوطا على الدول النامية والمستضعفين في الأرض!
فهل نستطيع التواصل مع خيط أحلامنا ومطالبنا ومطامحنا ؟
*من الذي كتب بيان مقتل الحمدي ،واتهمه بالمومسات الفرنسيات ؟
في مذكراته ،التي أعدها صادق ناشر ،كحوار مع اللواء عبد الله الراعي ،وهو أحد الضباط الأحرار ،ومن مؤسسي أو ل خلية لحزب البعث بصنعاء ،قال الراعي بأن أحمد العماد اتصل به ليلا ليذهب إلى القيادة ،وحينها رفض الراعي حتى لا يتم الصاق التهمة بالبعثيين -ولكن بعض البعثيين كانوا شركاء بعملية اغتيال الحمدي ،إلاّ إذا كانت شراكة أحمد العماد مشاركة فردية ! مع أن اللواء يحيى مصلح في مذكراته يشير إلى شراكة العراق في ذلك العراق من حيث التمويل المالي …
المهم أنه حين ذهب اللواء عبد الراعي بعد ذلك إلى القيادة وجدهم يصيغون بيان مقتل الشهيد إبراهيم الحمدي ،فقد أذيع ليلا في التلفزيون نعي مقتل الحمدي الذي قرأه المذيع المتألق حينها “أحمد شمسان” ،وكان يقرأ النعي وهو يبكي ،من هول الكارثة ثم قاموا في القيادة بكتابة بيان يصفون فيه مقتل الرئيس وأخيه عبد لله الحمدي بأن سببه نزاعهما على مومستين فرنسيتين ،كما جاء في البيان الذي وزع على سفارات الجمهورية العربية اليمنية ،الممثلة في الدول الشقيقة والصديقة ،ويومها كان اللواء “العميد” محمد علي الأكوع ،سفيرا في رومانيا ،وقام بتوزيع البيان هناك ،فقد وافق هواه ،وحين جاءه التعديل بعد فترة من الزمن ،رفض توزيعه ،بحجة الحفاظ على مصداقية الحكومة اليمنية!
الفرنسيتان وبحسب مقال للأستاذ محمد سعيد ظافر-أعاد نشره كما هو في كتابه الذي قدمنا له ثلاث حلقات نقدية -نشرته صحيفة الوحدوي أمس ،الثلاثاء ،الموافق 12-6-2013م- كانتا تعملان في المخابرات الفرنسية ،وقد قدمتا إلى اليمن بمهة استخبارية ،لم يكنَّ يعلمن بتفاصيلها ،ثم تم قتلهن في بني حشيش ،ونقلهن إلى فلة في حدة .
لم يقل لنا “محمد سعيد ظافر” باسم الشخص الذي أخبره بهذه الرواية المنطقية ،ولا بملكية الفلة التي تم نقلهن إليها …
التساؤل الآن ،هل كان أحمد العماد من كتاب ذلك البيان سيء السمعة ،أم أنه حسب توضيح لابنه نزيه العماد ،بأن والده كتب بيان النعي فقط .أحمد العماد كان مديرا لمكتب الرئيس أحمد الغشمي ،أي ذراعه وثقته ،ثم مديرا لمكتب الرئيس علي عبد لله صالح بعد اغتيال الغشمي …
لكن الكاتب الصحفي المعروف حسن العديني ،يرجح أن كاتب البيان هو محمد سالم باسندوة ،الذي كان وزيرا للإعلام في بداية حكم صالح ،وحجته أنه واجه باسندوة وسأله عن ذلك ،لكن الرجل ارتبك وعجز عن الرد !
وفي رواية لعبد الله سلام الحكيمي بأنه ذهب إلى القيادة بناء على طلب الغشمي ،وكتب بيان النعي هو وأحمد العماد ،لكن أي بيان كتبوا، هل البيان سيء الصيت الذي رفضته السفارات الأوروبية لعدم منطقيته ،فالفرنسيون طلبوا من الأصنج وزير الخارجية وقتها كتابة بيان يستطيعون من خلاله إقناع ممثلي الأمة بخصوص مقتل الفرنسيتين ،بدلا من الفبركة المفضوحة التي بنيت على أساس استهداف سمعة الرئيس الشهيد الحمدي ،وقد تم ذلك في البيان الثاني الذي وزع بعد البيان الأول سيء السمعة….
*ملاحظة: ما يتعلق بموضوع من كتب بيان مقتل الحمدي نشرته بصفحتي بالفيس بوك بتاريخ 13-2-2013،ثم نشرته صحيفة (الأولى) ربما بتاريخ14-2-2013م.
عن إيمان الحمدي بالقدر:
*كان علي بن أبي طالب عليه السلام ،فيما ترويه المرويات -يعرف قاتله ،ومع ذلك لم يحتط لنفسه ،أو بمعنى أصح جعل للقدر أن يأخذ مساره ،فيصبح حاضرا في قلوب وعقول الشعوب التي تحمل شعلة الحق ،والصدق ،والعدل …
وأنا اعقب على تعليق أحد الأصدقاء في مواقع التواصل (الفيس بوك) بتاريخ 8مايو 2013م ،بخصوص خطاب الرئيس إبراهيم محمد الحمدي في المؤتمر الخامس ل”دول عدم الانحياز “،وجدتني أربط بين “الغداء الأخير “للحمدي” وبين “العشاء الأخير “للمسيح عليه السلام فإبراهيم الحمدي “لم يكن يملك سوى أن يقول كلمته ويمضي ،أو يسير على طريق الخنوع ليتربع في كرسي الحكم عقودا ،وحينها كان سيجد نفسه وقد أصبح مجرد كرت محروق ،ولم يترك أثرا يتأمله أهل الأشواق .ولو أنه كان يخضع مواقفه لموازين القوة لما قتلوه بتلك السهولة ،ولما ترك نفسه يتحرك بسيارته منفردا ومتنقلا من مكان إلى مكان حتى كان “الغداء الأخير” شبيها بـ”العشاء الأخير ” للمسيح عليه السلام ،كلاهما أصبحا قيمة خالدة ،جعلت المسيح ملء الأرض فما قتلوه ولكن خيل لهم -وإبراهيم الحمدي باتساع المحبين .،كلاهما كان يعرف من يتآمر عليه ،وكلاهما تم تنبيههما بالخيانة قبلها بزمن ،لكن خلود الكلمة وصعودها لتملأ أفق الناس يحتاج إلى التضحية لتصبح الحقيقة مشعة ومستعصية على المتآمرين …
*ما يتعلق بهذا الموضوع فقد كان تعقيبا على تعليق كتبه أحد الأصدقاء عن مقالي (خطاب الرئيس إبراهيم الحمدي ،
في كولومبو “المؤتمر الخامس لدول عدم الانحياز “عام 1976م” ثم كتبته منشورا في صفحتي بتاريخ 8(مايو 2013م بتاريخ) ومنه جاء تسمية الفيلم الوثائقي (الغداء الأخير) الذي بثته قناة الجزيرة بعد سنوات ، دون أن يسـتأذنوني أو يشيرون لمنشوري.