- عبدالرحمن بجاش
أعرفها جيدا …تلك التي بلغت من العمر عتيا …ولم يمنعها كبرها من السعي ، فكرامتها ، وما ربت نفسها عليه ، يمنعانها من الاستسلام …
عند الثامنة صباحا وقد عدت من عند باب الصالون ،اذلم اجد من وعدني ،فبابه مغلق ،هذا الجيل ينام طوال الوقت !!!..
نزلت من الدباب بظهرها المنحني وعصاتها التي تتلمس بها طريقها ، وقبعتها المميزة من تلك التي تلبس في التهائم وقرى الجبال المحيطة بها ،وتناولت الكيس ،وانا اعلم انها تبيع مابه ….
تعرفني فورا ، قلت : تعالي ،فأم الأولاد قد صحيت ، سأدعيها لتنزل ، حملت كيسها ، وظلت بعدي تتمتم ،وأنا أدري ماذا تقول ، احس براحة شديدة حيال ذلك ….
جلست على الكرسي الذي تجلس إليه عادة ، صعدت سريعا ، ناديت الزوجة : صاحبتك تحت ، كم هي الراحة ترتسم على ملامح وجهها عندما تعلم بوجود العجوز، تنزل إليها بكأس الشاي ،وتعود محملة بأوراق السلطة ،بصل ، وملفوف …أظهر من النافذة اراها في الشارع تذكرني طريقتها في المشي وقامتها بجدتي أم والدي نعمة التي كانت من نعم الله علي كما هي صاحبة ريمة …..
لحظة أن وقفت بالسيارة التقطت لها الصورة المرفقة من مرآتها ….
هذه العجوز من ريمة ، من يوم أن عرفناها ،لا تكل ولا تمل …ولا تتردد من الذهاب إلى قريتها حين تحس أن ارضها تناديها ،تغيب عنا ،فنعلم أنها هناك في جبل من جبال ريمة الخير….
قبل حوالي شهر ،أصرت أم الأولاد على أن نذهب لزيارتها ،كانت قد أطالت الغياب ، ذهبنا ،ومن حسن الحظ فقد لمحناها في شارع فرعي قريب ، نزلت إليها ، قلت لها : كنا ذاهبين لزيارتك ، قالت : لم نعد هناك ،فقد نقلنا الى بيت قرب المزرعة ،لاادري اي مزرعة …….
تجاوزت بها الطريق الضيق الى حيث السيارة ، تكلمن و……وذهبت …
قلت لها مرة : كبرتي والعمل مرهق بالنسبة لك ، قالت : البيت ملان جهال ،وولدي لايستطيع لوحده …وانا مقدرش اعيش بلا عمل …
هنا تبرز القيمة الاخلاقية للعمل التي لايفهمها الفاسدون …..
هذه العجوز انحني لها احتراما بمشاعري كلما اراها …
وهي أشرف وأنزه وأكرم من المتنطعين والمتسولين الرسميين ….
للريمية العجوز العظيمة كل الاجلال …ولا عزاء للفساد ودولته ….
لله الأمر من قبل ومن بعد .