- ضياف البراق
جلستُ قليلًا تحت الشجرة التي سقطَ فيها آدمُ ذاتَ زمنٍ مجهول. تحت الشجرة نفسها التي ابتلعتْ آدمَ عاريًا. سألتُ الشجرةَ عن حقيقتها فلمْ تجبني. إنها كعادتها لا تجيب السائلين. الشجرة كلها ظلام في ظلام، وكل ما حولها مُظلِم تمامًا. ومع كل هذا الظلام الكامل، وفيه، راحَ قلبي يتسلّق الشجرة من جميع فروعها، ويبحث عن حواءَ في جميع غصونها الطويلة والكثيرة، ولكنه لم يجدها. الشجرة أيضًا بلا ثمار، كما تبدو من جميع الجهات. عاد قلبي إلى مكانه مهزومًا ومعدومًا كآدمَ. سقطت من أعلى الشجرة ورقةٌ صفراء، يابسة كلها، وهبطت بقوة على جرحٍ مفتوح في رأسي، فشعرتُ أنا بالألم الشديد، وبكيت. تقول واحدة من دموعي الكثار: “لعل هذه الورقة المسكينة هي حواء نفسها”. أجريتُ حوارًا سريعًا مع الورقة الساقطة، ولكنها أكَلتْ جميعَ تساؤلاتي البسيطة ولم تهمس حتى بنصف حرف. لقد ذهبتْ تساؤلاتي هباءً. كل أوراق هذه الشجرة تبتلع الأسئلة دون أن تشبع أو تنظر إليَّ بحنان. الشجرة صامتةٌ كلَّ الصمت، رغم شدة الرياح المندفعة نحوها، والظلام المحيط بها منذ آلاف السنين لا معنى له. يقتلني صمتُها الطويل. رأيتُ جذورها غير المرئية تمتد إلى هاوية سودائيّة بلا قرار. إنّي أرى الشجرة فوقي، وأراها أمامي، أراها عن قُرْب مُخيف جدًّا، ولكنني لا أرى وجهها. لعل أحدهم مرّ من هنا قبل آدم، وهو يشعر بالجوع فأكلَ وجهكِ الأخضر الوحيد أيتها الشجرة الجافة الوحيدة. ثم سقطتْ ورقةٌ ثانية لا لون لها ويابسة من أعلى الشجرة، إلى الهاوية التي أنا جالس فيها، وسقط معها قلبي في هاوية أخرى. وفي اللحظة الأخيرة سقطتْ الشجرةُ كلها، سقطتْ من هاويتها الكبيرة إلى هاويتي الصغيرة، وسقطْتُ أنا أيضًا. الشجرة الآن بلا أوراق، وأنا بلا روح، والظلام المُطبَق لا يزال في مكانه، لا يزال فينا وحولنا. وينتهي الحُلم كله ولم أجد الشجرة في مكانها. بل لم أجِدْ لا آدم ولا حواء ولا أنا. لم أجد سوى هذا الحلم القصير الذي خدعني وخذلني وأيقظني بكاملي من نومي العميق. وأخيرًا، ها أنا ذا أجمع نُثَاري من حول الفِراش، وأعود لإكمال نومي المفجوع، ومواصلة حلمي الرمادي الغريب. بالتأكيد، سيَسقُطُ كل شيء إلّا الله!