- كتب: ماجد زايد
في هذا التوقيت المتداخل من الحالة اليمنية يتحتم علينا كـ شباب ومجتمع مواجهة وبائين لعينين، وباء الحرب ووباء دكاكين المنظمات الدولية، لم يعد الأمر يقتصر على زمن نهائي وتعارض أخلاقي بين الوبائين، لقد أصبح إسترزاق طويل المدى والأمد والأحلام، ومصالح مشتركة قد لا تنتهي أو تتوقف خلال عقودًا من الزمن القريب، لقد صارت الشراكة عميقة ولها جذور بعيدة، شراكة المصير والمصالح.
من ناحية يهدم وباء الحرب مؤسسات الدول، ويمنع وباء الدكاكين الدولية عودتها لقيامها بواجباتها، ومن ناحية أخرى ينتج لنا هذان الوبائان طبقة جديدة من البشر، طبقة فاشلة في كل شيء عدا التباهي أمام الأخرين، مجموعة شباب يرتدون الوانًا غريبة من الملابس الضيقة بينما يتجولون بسياراتهم في الطرقات، وبقيتهم يضعون سماعاتهم على أذانهم بينما يسيرون بين الناس كأنهم نانسي ومريام وهنادي عبدالولي، وعندما يتوقفون يتجهمون ويفتحون مناخيرهم ويتحدثون بتنرفز على العمال والمباشرين والسواقين وأصحاب المحلات ومن يصادفهم، يظنون أنفسهم عيال الحظ السعيد، يتجمعون بجوار محلات الصرافة ويتزاحمون عند نوافذ البنوك والصرافات الألية، هكذا يعيشون والبعرة في الطريق تدل على واحد منهم، وحين تقابلهم في مكان ما يتحدثون عن أنفسهم دون توقف، عن تجاربهم وخبراتهم وبطولاتهم ورواتبهم وسياراتهم وعشيقاتهم ومدارس أبناءهم، يتحدثون وجوالاتهم ترن بنغمات إنجليزية لا يعرفون ماذا تقول كلماتها، قليلًا قليلًا حتى يضعونها من أيديهم ليرفعون رؤوسهم في عيون الحاضرين، يقاطعون الحديث أيًّا كان، رافعين مناخيرهم صوب السماء وبصوت متعجرف يسألون الحاضرين: الآ تعرفون من نحن؟ يهز الجميع رؤوسهم باستغراب، لا نعرف للأسف، يتجهمون على الفور بينما يستغربون من بعض المتخلفين الذين لا يعرفونهم، يرفع أحدهم صوته ليقول: نحن موظفون في منظمة أدرى الألمانية! كيف لا تعرفون هذا؟!
يالله، يارررباه، لاااا يعقل هذااااا، أنتم تعملون في دكان الفساد ذاك، أيّ شرف لعبن قد قذف بكم إلينا، وكيف قبلناكم أيها الصغار بيننا، يصمت الجميع بعد كلمتيهم، أقف ومن معي ونغادر المكان، في اليوم التالي وجدتا دفعات أخرى منهم، كانوا يشبهون بعضهم في كل شيء، يرتدون ليقات عليها شعارات منظمتهم، يصعدون في مدرجات المطعم كأنهم من يحكمون الارض، يقول صديقي في وجوههم: هاهم اللقطاء، وصلوا حاملين شعاراتهم ولوحاتهم الدعائية خلف مؤخراتهم.
هؤلاء المغفلين لا يقدمون شيئًا للمجتمع سوى اللوحات الإعلانية خلف مؤخراتهم!!
هؤلاء الصغار المتبخترون في الشوارع والمقايل والمحلات، لا تتجاوز أحاديثهم المرتبات والوظائف والدولارات والبدائل والسيارات، لا شيء أخر سوى مخلفات غباءهم ووساطاتهم، لهذا، لطالما كرهت المقايل التي تجمعهم أو يتواجدون فيها، أكرهها حقًا وأتركها على الفور، هي بالفعل مجالس برجماتيه عمياء، ظاهرها سطحي وعمقها تصنع وتباهي وتهابل، غادروها على الفور أنصحكم.
لا أقصد كل المنظمات الدولية لأني أعمل في إحداها، أعمل فيها لأنني أحترم ما تقدمه للناس واعرف جيدًا مبادئها وقوانينها وشفافيتها واحترامها للخدمة التي تقدمها للناس، ليست دكان دعاية، أو برميل قمامة مليء بالشعارات، أو مناقصة معلنة سعرها مليون دولار وحقيقتها عشرين الف والبقية لفريق الفساد الصغير.
هذه خلاصة الحقيقة، دكاكين المنظمات أنتجن لنا طبقة جديدة من المنفصلين عن مجتمعهم، طبقة حلمها الأبدي أن تستمر الحرب وتسقط العملة الوطنية، الحرب ذاتها هي من أنتجت المنظمات، والمنظمات هي من أنتجت هؤلاء المنفصلين، هي إذًا معادلة مترابطة ببعضها، معادلة لها معطياتها وحساباتها ومنتوجات من الدلالة والبراهين.
لا شيء أسوأ من وباء الحرب سوى وباء الدكاكين الدولية، ولا شيء أعظم من قيام الدولة وبقاءها سوى الإنسان الذي يحب وطنه ويساعد على بناء الدولة، الدولة التي تعني في النهاية الأمان والمستقبل والأمنيات، اللحظات المستقرة والخالدة في حياة كل إنسان، أرزاق الفقراء وقلوب التكالى والحزينات، ما عداها مجرد ضياع وتراكمات، الدولة بمعناها المادي.. دولة القانون والمساواة، دولة المدنيين والتشارك الجمعي في تسييرها وتداول أمر سلطتها، دولة النظم المتوافق عليها.. الدولة التي تجمع السياسة لتؤسس كياناً ذا إختصاص سيادي ونطاق إقليمي محدد يمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة.. الدولة التي تقوم بكل الأعمال الإنسانية بذاتها، الدولة التي تمنع الدكاكين الصغيرة من العبث بمجتمعها وسكانها وجغرافيتها، الدولة التي تقف أمام العالم وتمنع المراوغة باسم الانسانية، تقول لهم في إباء وسيادة: من أراد أن يبرهن للعالم إنسانيته ليقدم تبرعاتهم الى مؤسسات الدولة وهي المعنية بواجباتها للناس المتضررين والمنكوبين.
في النهاية هي رسالة واحده ينصحني بها الكثير ممن يأتون من الخارج:
عليكم كـ شباب النظال في سبيل إنهاء الحرب ومن أجل إقامة مؤسسات الدولة التي تقوم بإعمالها، موسسات الدولة في المحصلة تعني نهاية كل الدكاكين الدولية في اليمن.