- منال الهلالي
أننا نكابر دوما ، نستسيغ مرارتنا الرابضة في العمق كقنينة سم قديمة كلما إهتزت تلوينا من ما تضخه فينا ، فترمينا مرة بعد مرة في هوة موت شعورية..
لنستغيث كثيرا ، فتنجدنا المآقي.. ونخرج بخطانا المهزوزة من موت حقيقي لم يأن أوانه فعلا.
أكاد اهمي وأنا أساءل ذاتي.. ماذا عساه وجه هذه الليلة الماطرة بالشجو والاشجان يصنع بي ، واللهفة الخرساء تطوع كل ما في إلا كبرياء ، أمتنع معه بقوة عاتية أن أقول حتى ولو حرفا يشي بحضوري الضرير..
أدرك بأن كلينا يغالب الكثير والكثير فيه ، وباننا نهرب من صفحة كتاب إلى صفحة إلكترونية إلى صمت مطبق ثم نسقط على وجوهنا ، وصوت قهقة ساخرة، يعلو من تلوينا..
“أتعلم..”
رباه ، كم كتبت في الغياب، هذه الكلمة التي تشطر قامتي وتنهب رقادي وسيرورة أيامي ، ليتك تدري كيف تصبح هذه الكلمة مفتاحا سحريا للمناجاة والعتب الحزين وفي تارات أخرى لثورات نزقة حارقة لا تقبل باي حلول وسطية..
أشعر بأنك غارق بالفقد كما هو الحال هنا.. لكننا سنظل واقفين نرشق أغصاننا التي رحلت عنا وحين عادت إلينا ، عادت محملة بأطراف حديدية حادة قادرة على بتر المزيد منا ومن جذوعنا الصامدة أمام كل شيء ، وأعمق الصمود كان نصيبا لهزائمنا.
… ..
أيجوز لي في لحظة رقيقة أن اكتب برتابة معتقة وأقول لليل والمطر المتسلل من نوافذنا بأني أفتقدك جدا..
أيحق لي أمام المواجع، أن أجثو واضعة رأسي على ركبتيك مناجية بكل العتب الهامس، الذي طالما أنسكب في الخيال على مسمعك فيعلو بأسبابه نبضك..
أيمكنني أن أضع في صدر الليل أمنيتي هذه المرة أيضا ، لتتسلل إلى مسمعك ، إلى أعمق منطقة في روحك ، فتلهج بمناجاتك لي وتتلو اسمي كثيرا ، ومطولا فلا تنام أنت أيضا..
أيحق لنا ،ونحن الموتى الأحياء ،الواقفون على الحواف المهددة دوما بالشتات والبعثرة جراء أي إهتزاز ولو طفيفا ، أن نقول ما نريد دون ان نجني المزيد من الحرائق والملام..
يااااا أنت..
أيها الساكن في أقاصي الأقاصي ، تلك العصية على صمتي ونسياني وقبولي ..أيها الشارب من راحتي أما أكتفيت حتى اللحظة؟!
عذاباتك المرشوقة في صدرك تقتلني كلما همت عليها لمساتك تذكرا ، وأنت تنثر الحكايات وتتقن نسج الحروف وتفصيل الأشياء ببراعة متناهية يصفق لك بسببها الكثيرون إلا أنا أبتلع كل ردود قراءاتي وأمضي بصمت حسير، يلتهم. كل بنات الشفاة..
ثمة أفكار مختلطة في بعضها وثمة صيرورة غريبة عني تتجلى وتتجلى ، يخيل لي بأنها تكاد تبتلعني هذه الليلة ، فآوي إلى ورق يعصمني من هذيان الحرائق النامية في عروقي..
أتدري ..أشعر بأنك إن مررت على حروفي يوما ما ، ستشتم رائحة البن من بين جنباتها ، ستدرك-يقينا- حالتي هذه ، وتفهم سبب إنهماري بعد كل هذا الوقت القحط بيننا..
ستبتسم وتبتلع غصتك كخنجر يجرح حنجرتك فيتغير صوتك كثيرا ، حتى وأنت تشرب الماء، فتتعذر بأنك قد شرقت ..أو ربما ستلتهمك المرارة وانت تتذوق العسل الذي كنت تخبرني دوما بأنك تكرهه في حضوري وتمقته في غيابي..