- د. سناء مبارك
مرة كناّ في مومباي (بومباي) الهندية في مكان سياحي فيه من كل الجنسيات، وخالتي بطبيعتها العدنية الحبوبة شافت طفل أشقر كعبوش سارح في الحديقة ونزلت فيه بوس تعبيرًا عن مشاعر ال”ياربي كشنه ومحسنه” التي تجتاحنا عند رؤية طفل يشبه “اللعبة”.. وأنا لي تحفظات عن موضوع يشبه اللعب هذا؛ لأن الصورة النمطية للطفل المصنف بشبيه الألعاب، هو الطفل الأشقر او الآسيوي بحكم أن مصانع الألعاب وتجاره، وصناع أفلام الكارتون يحاكون أشكال أطفال محيطهم، وبالتالي لو كنا من ملاك الصناعات وبدأنا في إنتاج خط ألعاب محلّي بنصنعه شبه أطفالنا وبالتالي بيكون الطفل اللي “يشبه اللعبة” هو بالضرورة اي طفل يمني أسمر نحيل، عادي جدًا..
هذا مش موضوعنا، المهم إن أول ما أمه شافت خالتي ترتكب جريمتها صرخت وبدأت وصلة من الزمجرة والتذمر والاستياء ولولا إن ربنا ستر كانت يمكن جابت لنا البوليس. وقتها ما كناش عارفين سبب هذا الهلع الذي أصاب المرأة، خاصة وإن ثقافتنا المحلية تبيح هذا الأمر وتحبّبه، وبجانبها ثقافتنا الطبية التي كانت على قد حالها، ولكن الآن ومع موجة الوعي التي اجتاحت العالم عن طرق ومخاطر انتقال العدوى من شخص لآخر عن طريق المجاري التنفسية والرذاذ أصبح بإمكاننا تخيل كل السيناريوهات المرعبة.
السماح لأي غريب بتقبيل طفلك وخصوصًا في وجهه، جريمة ترتبها في حقه، فما بال لو كان هذا التقبيل من الفم، وهذه للأسف عادة منتشرة كثيرًا في مجتمعاتنا، لا أنت “أب أو أم” ولا الأقارب ايًا كانت صلة قرابتهم ستجعلون الطفل يشعر بمحبة أكبر إن قمتم بتقبيله من فمه.
تعالوا نتكلم شوية علم وأدلة:
- جهاز المناعة للأطفال الأصغر، اقل من عام، غير مكتمل وهو في طور البناء، وتعرض الأطفال في هذا الوقت لأنواع معينة من البكتيريا والفيروسات والفطريات الموجودة في لعاب وتجاويف البالغين بشكل طبيعي قد يؤدي عند الأطفال إلى إصابات قاتلة.. وعدد الأطفال الذين يعانون في هذه اللحظة من الحمى السحائية بسبب “الهربس”، HSV1، الذي انتقل لهم من بالغ قام بتقبيلهم، غير قليل صدقوني.
٩٥ بالمائة من حالات العدوى، خاصة المتعلقة بالالتهابات الرئوية، التهابات المجاري التنفسية في أول ٦ أشهر من الحياة سببها عدوى مباشرة من شخص آخر، غالبًا بالغ. - الأطفال الذين يتم تقبيلهم من الفم أكثر عرضة للإصابة بتسوس الأسنان، حسب دراسات كثيرة ربطت بين الإصابة المبكرة ببكتيريا streptococcus mutans، التي لاتوجد في فم الرضيع وتنتقل من لعاب البالغ عن طريق التقبيل او مشاركة الملاعق، وبين خطر الإصابة بتسوس الأسنان لاحقًا.
- الطب النفسي للأطفال يحذر هو الآخر من أن تقبيل الأطفال من الفم، ليس أفضل فكرة للتعبير عن الحب والحماية، فالفم والشفاة مساحة خاصة لا ينبغي أن يتم تجاوزها.. من الجيد بناء مساحات خاصة في أجساد الأطفال لايجب أن تقتحم، لان التفريط في الحدود الجسدية قد يسبب لهم لاحقًا “متلازمة الضحية” ، ولايترك لهم مساحة للتعبير عن الرفض.
كما إن كثرة التقبيل للأطفال في الفم او الأماكن الحساسة قد تجعلهم يعتبرونه فعل للتعبير عن الحب والتعاطف، وبالتالي يبدأون بالتعبير عن عواطفهم بذات الطريقة خارج المنزل، فيبدأ الطفل بتقبيل غيره من الأطفال او البالغين او يتقبّل هذا النوع من التفاعل على اعتبار انه أمر طبيعي وبالتالي تتسع دائرة تعرضه لمخاطر الاستغلال الجسدي أو الجنسي.
أي احتكاك جسدي غير ضروري من البالغين يجب تجنبه، خصوصًا مع الأطفال في طور النمو الأول. في زمن الأوبئة ترتفع أهمية هذه المحاذير إلى الدرجة القصوى، وتبقى درجة أهميتها عالية جدًا في كل وقت.. فالقبلة التي قد تعطيها لطفل بمحبة وعطف قد تتحوّل لا قدر الله إلى قبلة وداع.