- كتب: ضياف البراق
السطحيون هم الذين يعتبرون رشاد السامعي فنّانًا سطحيًا. أرجوكم، اتركوه يناضل حسب رغبته ومقدرته، لا تطالبوه بأن يكون عميقًا أكثر من اللازم، كأنْ يصبح تشكيليًا سورياليًا غامضًا، بحيث لا يكون له أي اشتباك حقيقي مع مشاكل المجتمع اليوميّة والأساسية، وهو أصلًا لا يريد ذلك، وإن كنتم قادرين على أن تقدِّموا أفضلَ مما يقدّمه هو للجماهير، فافعلوا إذَنْ، ونحن سنحبكم أكثر منه، ولكنكم مع الأسف غير قادرين. والفن الحقيقي، بالنسبة إلى أدعياء العمق، هو أن يكون لونًا نخبويًا، أو صوتًا متعاليًا، منفصِلًا عن هموم الناس العاديين، والناس الذين يتناولون الأشياء بعفوية. والحقيقة هي أنّ الفن والأدب للشعب، حسب الكاتب المصري الكبير سلامة موسى، والشعب هو عامة الناس. رشاد السامعي هو فنّان الشعب بأكمله، وفي موقفه النبيل هذا، تكمن عظمته كفنانٍ طليعي مُناضِل. كما أنه لا يتملّق أحدًا، ولا يجامل حزبًا، ولا يضع نفسه ولا ريشته في المكان الخطأ، إذ هكذا يبدو لي. إنه بحق فنان كبير؛ لأنّ قضاياه إنسانية كبيرة. إنه صوتٌ حقيقي لمن لا صوت لهم من أبناء هذه البلاد بالذات. فن الكاريكاتير، عند رشاد السامعي، ليس للترفيه بل للنقد الهادف. وهذا هو المطلوب.
رشاد فنان كاريكاتير موهوب جدًّا، وصادق جدًّا، وأنا صراحةً أُحبّه إنسانًا وفنانًا. إنّ رسوماته الساخرة والمُبكية في آن، ذات القيمة الجميلة، واللمسة الفنيّة الآسِرة، إنها تعبِّرُ عن همومنا المشتركة، وتلامس جراحنا المفتوحة، وهي دائمًا منحازة للمسحوقين جميعًا. ولا يكون الفنان حقيقيًا إن لم يكن صادقًا مع فنه ومع جماهيره. والفن بدون الصدق لا قيمة له. ولكي تكون فنانًا عظيمًا، عليك قبل أن تكون موهوبًا، أن تكون صادقًا. لأنّ الإحساس الصادق هو الذي يعطي الفنّان النجاح والديمومة والشهرة. والفنانون العظماء هم الصادقون في فنهم وتُجاه القضايا التي يعبِّرون عنها أو يناضلون في سبيلها. وقد كان فنان الكاريكاتير الفلسطيني، ناجي العلي، من أصدق فناني العالم العربي، وغير العربي، وبهذا الصدق استطاع أن يهز نفوس المتسلِّطين، وأنّ يفضح حقاراتهم، وأن يدخل بكل بساطة إلى قلوب الفقراء، والمظلومين، أيْ الذين عاش العلي يرسم لهم، ويكافح كثيرًا لأجلهم. كاتم الصوت الذي اغتُيلَ به الشهيد ناجي العلي، سنة 1987، في لندن، لم يستطع مع ذلك أن يكتم صوت القضية الإنسانية العادلة التي حملها هذا الفنان الفذ على عاتقه، وفي قلبه الكبير، على مدى مسيرته الفنية اللامعة، وهي مسيرة خالدة على الأقل في تاريخنا الفني النضالي العربي. الفن رسالة صادقة، والرسالة الصادقة، كرسالة ناجي العلي، فهذه لا تموت أبدًا، وإن اغتالوها ألف مرة. ببساطة، وباختصار، هذا هو موقف الفنان العظيم ناجي العلي، كما ورد على لسانه ذات مرّة: «أنا شخصيًا منحاز لطبقتي، منحاز للفقراء، وأنا لا أغالط روحي ولا أتملّق أحدًا، والقضية واضحة ولا تحتمل الاجتهاد: هم الذين يموتون، وهم الذين يسجنون، وهم الذين يعانون معاناة حقيقية. هناك طبعًا من تاجرَ بقضايا الفقراء، وهناك من يمر بمرحلة النضال مرور ترانزيت، ويطالب بعد ذلك أن يصير نجمًا أبديًا، المناضل الحقيقي دائم العطاء يأخذ حقه من خلال حق الآخرين، وليس على حسابهم». وهذا الموقف الشريف هو أيضًا موقف فنّاننا النجم رشاد السامعي، ولا أشك في ذلك. وكما كان ناجي العلي، سيكون رشاد السامعي، لا محالة، أو هكذا أتمنّى أن يكون، وهو بكل تأكيد يستطيع الوصول حتّى إلى العالمية، إذا أرادَ وبرعَ واجتهدَ من أجل ذلك.
عمومًا، رشاد السامعي فنان حقيقي مُلتزِم، طموح، عنده نظرة إنسانية واعية ومتحرِّرة، وتلك النظرة هي أيضًا نظرته الفنية، والأهم من ذلك أنه جميل القلب واسع الضمير. نَعَمْ، هو فنّانٌ مُتطوِّر باستمرار، دائم العطاء، غير مُتكبِّر، ولا انتهازي، ولا متصنِّع، ولذا هو يزداد نجاحًا ولمعانًا يوم بعد آخر. وأمّا أعماله الكاريكاتورية فهي بسيطة من حيث الشكل، وعميقة من حيث المضمون والموقف، وهذه حقيقة فن الكاريكاتير دومًا. رشاد، فنان الشعب، وهذا كثير، ولذلك كلنا نحبه ونحترمه بصدق.