- كتب: محمد فائد البكري
كل إنسانٍ متوفرٌ على قدراتٍ ومواهب، وعلى إمكانية أنْ يكون مُنتِجاً لو مُنح الفرصة في التعليم والتأهيل والإعداد، والحق في التعبير عن فردانيته ورؤيته.
وكل يمني لا يُطلبُ منه أنْ يكون مُخترعا لأي آلة؛ فحد الكفاية أن يكون مواطناً إيجابيا، وهذا أعظم اختراعٍ يمكن أن يُقدِّمه لنفسه ولغيره ولمعنى الحياة!
أحياناً تتداول مواقع التواصل الاجتماعي أو بعض وسائل الإعلام صورة مُبتَكِر أو مُخَترِع ويأتي التعليق بأنَّ الإنسان اليمني مُبدعٌ ومُتميز، وأنَّ على الجهات الرسمية أن تدعم هذا المبتكر، وقد تأتي بعض التعليقات ساخطةً على الدولة ومتهمةً لها بالتقصير في دعم المبدعين …الخ.
وبعض هذه التعليقات يرى أن فعلاً خارقاً قد حدث، ونادرةً من نوادر الزمان. وبالفعل يبدو الأمر خارقاً لأنَّ ما حدث فوق قدرة أي إنسانٍ في بلدنا، فأنْ تعيش في هذا البلد يكاد يكون فعلا يوميا خارقا.
وقد نسمع أحياناً أن أحد المسؤولين وجَّه بصرف مساعدة مالية للأخ المخترع، وتفضّل بأخذ صورةٍ تذكارية بجواره، وابتسم للكاميرا تشجيعا للمخترع الواعد وربَّت على كتفه بحنان أبوي، وأطلق حنجرته بإشادةٍ جوفاء تُقال في مثل هذه المواقف البليدة، من المسؤولين الاستثنائيين.
وتلك الإشادة لا تعرف عن الاختراع شيئا، ولا عمَّا يُمكن أن تترتب عليه من فائدة. وتلك المساعدة المالية تُصرف من خزانة الدولة خارج القانون، وهي في كل الأحوال مبلغ زهيد لا يُغيِّر في الموضوع شيئاً، ولا يمنح صاحب الابتكار أي إمكانية في إخراج ابتكاره أو تطوير تجربته أو تسجيل براءة اختراع.
وقد تتحوَّل قصة المخترع اليمني إلى حكاية لندب الحظ السيء، أو يُكتفى منها بشكر المسؤول الذي دعم وساعد وساند بالدعاء والوعود؛ وابتسم للكاميرا وكأنه هو المخترع ، وتباهى بالأمر وكأنَّ ما قام به مبادرة شخصية واستجابة ذاتية من ماله الخاص.
غالباً ما تمرُّ مثل هذه الحكايات كتسليات عابرة، أو قضايا عرضية أو حوادث نادرة، ونعود إلى يومياتنا البائسة ونستمر في استنساخ مآسينا.
هل علينا أن نقوم بمناشدات لدعم مُبدعٍ هنا أو مخترعٍ هناك، أم إن الأمر بحاجة لبناء دولة مواطنة تمنح فيها الفرص لكل مواطن ليكون مُنتجاً ومُبدعا؟!
وحينئذٍ لا يحتاج أحدٌ لمِنَّة أحدٍ ولا لمساعدة أحدٍ ولا نحتاج للفت نظر المسؤولين؛ ولا لصورهم البلهاء وابتساماتهم الفاقعة.
لأنَّ القانون وحده يُلزم مؤسسات الدولة على أن تقوم بدورها في رعاية كل مواطن وتعليمه وتأهيله وتدريبه وتمكينه من اكتشاف قدراته ومواهبه، وتطويرها، وصولاً إلى مرحلة أنْ يكون فاعلاً وقادراً على العطاء والإنتاج.
كيف يُمكن لمجتمعاتنا أن تنهض وهي تقمع كل فردٍ من أفراده وتصادر عليه حقه في أن يُقدِّم رؤيته للحياة، وحقه الأساسي في أن يكون إنساناً أولا، لا ينتقص أحدٌ من حقوقه ولا تضطره الحاجة لأنْ يناشد أحداً ولا أن يتوسل لأحدٍ ولا أن يلهث وراء أحد ليحقق الالتفات له، ولا أنْ يتسول مساعدة أحد، أو دعم أحد؟!
ولأنَّ اللصوص لا يُمكن أن يصنعوا دولة، فإنَّ أعظم اختراع أن يتحوَّل كل يمني إلى إنسان، يدرك معنى الحياة، وهو ما يعني أن يتخلّى عن الرغبة في أن يكون شهيداً، ويعود إلى الواقع.
ومن ثَمَّ يتحوَّل إلى مواطن يعرف حقوقه ويعمل من خلال الشراكة الوطنية على إنتاج دولة مؤسسات، لا تراهن على أشخاص، ولا ترتهن لدعاء الوالدين.