- بقلم: أحمد السلامي

أتابع مظاهرات الأسبان الغاضبة والمليئة بالتضامن الحي مع الشعب الفلسطيني وأدرك أن راية الدفاع عن حق (شعب الجبارين) في الحرية وقيام الدولة انتقلت إلى الضمير الإنساني العالمي، لكن ثقة نتنياهو وهو يلقي خطابه أمام قاعة فارغة في مجلس الأمن تجعلك تدرك أنه معني بالمواقف السرية الثابتة للأجهزة والحكومات والنخب وأصحاب الثروات والمصانع.
لن يكون الأوربيون الذين يتظاهرون في شوارع مدنهم أفضل منا هكذا فجأة، كل ما قاموا به أنهم انتقلوا من الصمت والتجاهل إلى الشعور بالذنب والبدء بمراقبة ما يجري من حافة المستنقع الذي صنعته برلماناتهم وحكوماتهم على مدى أكثر من سبعةِ عقود.
عليهم تجاوز الشعور بالذنب والعار إلى الخلاص منه والتكفير عنه بالمساعدة على إزالته وليس بمداعبته وتحويله إلى شعارات واعترافات نظرية بدولة فلسطينية حصدت أصوات افتراضية في زمن كل ما فيه من سعادة افتراضي، بينما الواقع مختلف.
التعويل على نخوة مفاجئة تستيقظ في رأس “ترمب” سخافة لا تحتمل.
لا بد من التفكير والتحرك الاستباقي لجعل الأمل بوقف الهمجية خطة حقيقية لا علاقة لها برغبة ترمبية طارئة كان يأمل أن تحقق له الفوز بنوبل للسلام وهو التاجر الذي لن يتوقف عن بيع البارود.
التحالف العقائدي في المخيلة الغربية مع الحليف الذي ينشر مستوطناته بزحف منظم لن يتوقف بين يوم وليلة.
التمسك بالأمل في أن يتوقف البشر عن صناعة الحروب من أكثر الأوهام طفولية في حياتنا، لكن اليأس والانسحاق يقودنا إلى (لعل وعسى)، بينما التاريخ البشري من أوله إلى آخره سجل مرعب من الصراعات والحروب، أخبثها وأقذرها تلك التي يغلفها المعتقد والتعصب الديني والتطرف والشعور بالاصطفاء والحق في سحق الغير، وهذا الدينامو العقائدي ما يزال محركًا نشيطًا للحروب، بينما كنا نعتقد بسذاجة أن القرن الـ 21 سيحمل معه نهاية فعالية العقائد والأيديولوجيات في الصراعات، والانتقال إلى حروب الاقتصاد والمياه والطاقة والموارد، وهذه مسائل فاعلة لكنها مخلوطة بمزيج من التعصب الديني الذي يبقى يعمل في الخلفية الذهنية مثل فيروس مدمر.
لا نستطيع إنكار التخلف الإنساني الراكد في الوعي واللاوعي معًا، ولا يمكن إنكار الطبيعة البشرية القائمة على العصبية والشوفينية والصراع على الموارد. قد نمتدح مجتمعات أوروبا لصحوتها في التعاطف مع الفلسطينيين ومحنتهم، لكن مصانع الأسلحة عندهم لن تتوقف وأحزاب اليمين لن تحل نفسها، والحروب المروعة لن تتوقف. إلا إذا تغير الدينامو العقائدي والتجاري الذي يحرك العقول والمصانع، وإلا إذا فهم الغرب النرجسي أن الشعوب الأخرى التي لا تنتمي لأوهام الرجل الأبيض تستحق الحياة، وأنها ليست مشاريع للتعامل معها كما تم التعامل مع الهنود الحمر!