- ضياف البراق
بلا أي شك، أنا، دومًا، زائدٌ عن الحاجة، أو هكذا، دومًا، أبدو لي، أو أشعر بي. أنا جميل فقط حين أبكي بصمت، وحين أُحطّم وجهيَ كاملًا وفي الوقت ذاته أستبدله بشيء من الفراغ الغبي أو بأي خطأ يُشبهني، وكذلك حين لا أنتظرني ولا أنتظر شيئًا. اليأس مهنتي ولغتي في آن، هو طريقي الأوحد إليَّ، إنه ملعبي التفاؤلي الذي أعيش وألعب فيه بصدْقٍ تام، وبلا خوف. اليأس وجبتي المفضلة على الدوام، آكله ويأكلني، أحمله ويحملني، وأخونه ولا يخونني، أنا هو دومًا، وهو أحيانًا ليس أنا.
نعم. أقرأ وحيدًا وأكتب وحيدًا وأصارع العالم وحيدًا، فمنذُ البَدء وحتى اليوم
ليس من شيء أَحتاجني أو يحتاجني، أنا أيضًا لا أحتاج إليَّ، ولا الكتابة
تكفي حاجتي إلى الإفلات من قبضة الوجود وقبضة العدم معًا. لا أريد الخلاص،
وأعتقد أنه ليس من خلاصٍ كافٍ، أو حقيقي، ينتظرني في هذا العالم الزائف،
وإنما أُريدُ ما لا أُريد وليس ما لا يريدني.
غالبًا، كل ما دوني هو
جميل، وكل جميل، سواء هنا أو هناك أو في أي مكان آخر، هو غير جميل وغير
مُهِم بالنسبة لي. لستُ وجوديًا ولا عدميًا، وكذلك لستُ أنا ولا أي أحد.
الوجود مُؤلم بلا شك، لكن العدم أشد منه فتكًا، لقد جرّبتُ الأمرين (الوجود والعدم) ولكني لم أنجُ منهما ولا مرة، يا لحظي اللعين!
وغالبًا هناك
شيء يستحق العناء، أو يستحق أن يُعَاش. نعمْ، كل شيء له معنى، معنى حقيقي
أو لا حقيقي، ولكن الشخص «عديم المعنى» هو من ينكر حقيقية أن للأشياء معنى، وهكذا، هذا الشخص نفسه، أو اللا شيء، يضع عازلًا جحميًّا، أسْوَدَ، بينه
وبين الحياة، أو بين قلبه وبين الحقيقة. العدم أيضًا له معنى، وله أحبة
وأعداء. أمّا أنا فأعدائي هم أعداء اليأس، فاليأس غير خادع، غير بهيمي، إنه غير «قاتل» كما يُساء إليه من قِبل المحافظين، دعاة الأمل، بل إنه أعمق
وأجدى من الأمل. اليأس هو الأمل الحقيقي، هو الأمل الثوري الذي نحن بحاجةٍ
له، دومًا دومًا. الأمل ضيّق، رخو، غير مبدع، واليأس واسع، ناضج، مُبدِع.
الشخص الآمِل يكتفي بالتمنِّي، أو يُدافِع فقط، أمّا اليائس فهو يمارس
المقاومة في أرقى صورها، يُدافِع ويُهَاجِم في وقت واحد وفي كل اتجاه
وباستمرار. ميزة اليائس هي أنه شخص ذكي الحدس ويُسمّي الأشياء بمسمياتها
الحقيقية. اليائس، أيضًا، شخص لا ينتظر الشيء الأفضل بل يذهب إليه ليمتلكه، أو يصنعه من العدم، أما الآمِل، أو المتفائل، فهو يكتفي بالانتظار أو
بالدعاء، لا أكثر.
اليأس، دومًا، هو مُبدِع الحرية، هو الطريق إلى
الخلاص من حالة القرف، وليس الأمل العاجز. فنحن، أي معشر اليائسين، عندما
نيأس من شيء، أي شيء، نثور عليه، فننتصر عليه، لا نستسلم له، ولا نهرب منه
بدلًا من مواجهته. الأمل يبقينا في حالة جمود، ويزيدنا خنوعًا وجمودًا.
اليأس، بالتأكيد، مصدر من مصادر الضوء في هذه الحياة. فالشعوب العربية التي ثارت، بالأمس القريب، على حكّامها السفلة، وكذلك هذه الشعوب التي تثور
اليوم – يأسُهَا العميق من سوء واقعها، هو من دفع بها إلى الثورة على
أعدائها.