- نبيل الشرعبي
“السُلعانية”- بضم السين من الحكايات التي منعت كثير في طفولتنا من دخول “الخرائب”- أي المنازل المهجورة والمُهدمة نظرا لترويج وجود عجوز من الجن تخلى عنها اهلها لسلوكها المزعج معهم ومن حولها ولم تجد مكان تعيش فيه غير “الخرائب”.
وحسب ما كان ينقل لنا في طفولتنا عن “السُلعانية” أنها عجوز شريرة لا تغتسل من الأوساخ وتسخر حياتها لجمع القاذورات من الأماكن التي تصل إليها ومن حولها وتحويلها إلى مواد غير مرئية تكدسها في مكان إقامتها لاستخدامها في السحر والشعوذة والدجل والإضرار بمن يضايقها أو يعتدي على سكنها.
وشكلها الخارجي: لها ثلاث عيون منهما عينين جانبي الرأس والثالثة وسط جبينها وهي العين الأخطر التي تكتشف بها كل من يدخل سكنها بالخرابة حتى وإن كانت بعيدة جدا عنها، وشكل وجهها خليط من هيئة إنسان وكلب وثعبان وفأر وقط ومخلوقات أخرى، وأسنانها كبيرة وبارزة بما يسهل عليها افتراس من يضايقها، وبقية جسمها له خاصية التغيير والتشبه بالكائنات المختلفة بما فيهم الإنسان للتمويه والتخفي.
أما ملابسها فهي خليط من الأوساخ، وأظافرها طويلة وحادة يمكنها أن تمزق بها إنسان بالغ أو حيوان كبير، ورائحتها تتغير حسب قاذورات أو روائح المكان الذي توجد فيه.
وإذا وجدت “السُلعانية” طفل من البشر بالخرابة سكنها تمسك به وتستبدله بطفل من الجن بنفس الشكل والعمر و..إلخ ترسله لأسرة الطفل الإنسان بعد أن تأكل طفلها وبعد فترة يصاب الطفل الجني بالمرض الحاد ويموت ويتم دفنه وهنا تذهب “السُلعانية” للقبر وحفره وأخذه وإعادته لأسرته من الجن.
وأكثر الأوقات التي تخرج فيها “السُلغانية” من سكنها لاصطياد الأطفال هو الوقت الذي يسبق صلاة العصر بنصف ساعة وبمجرد آذان صلاة العصر تختفي ثم تعود وتظل تتنقل من مكان لأخر إلى ما قبل صلاة المغرب بنصف ساعة وعندما يؤذن لصلاة المغرب تختفي.
ولأن “السُلعانية” لم تنجب أطفالا حيث لم تتزوج في شبابها فهي تحمل حقد دفين للأطفال فتتربص بهم على جوانب الطرق بالأماكن الخالية من الناس، وبمجرد أن ينحرف الطفل من الطريق للتبول على أحد جوانبها تخرج له “السُلعانية” وتقوم بضربه وصب ماء ساخن عليه، وإذا تكرر من الطفل نفس السلوك عدة مرات تضع له سحر يفقده عقله أو يسبب له شلل نصفي أو كلي.
حكاية “السُلعانية” هذه جعلتنا نعيش طفولة قلقة عند الاقتراب من “الخرائب” أو المرور من الطرقات الخالية من البشر فكنا نصاب برعب كبير مع حصول أي حركة مثلا: كأن يهب ريح وتتحرك فروع الأشجار أو يرتفع كيس بلاستيكي من الأرض أو يطير طائر ما أو ..إلخ، حينها تتجمد أقدامنا عن الحركة وتكاد قلوبنا أن تتوقف، وأطفال كثر كانوا يفقدون التماسك فيصرخون رعبا بأعلى أصواتهم.
في المقابل كان لـ “السُلعانية” صفة واحدة حسنة تتمثل في مساعدة الطفل المظلوم أو الضعيف عندما يتعرض للاعتداء من عدة أطفال بنفس الوقت فتساعده وتضرب خصومه دون أن يعرفوا ثم تتخذ من هذا الطفل صديق لها وتكشف له أماكن يوجد فيها كنوز ذهب وفضة.
وبدافع نيل صداقة “السُلعانية” كنت اتعمد مناوشة الاطفال عند مرورنا بطرق خالية من الناس وتركهم يتغلبون عليا وضربي بشدة ولكني لم اظفر بما كان يدور في ذهني وهو صداقة “السُلعانية” وكسب ثقتها لتدلني على كنز، وكبرت ولم تتحقق لي الأمنية.