- كتب: قادري أحمد حيدر
الإهداء: إلى القادة/ الشهداء الأبطال:
إسماعيل هنية، حسن نصر الله، يحيى السنوار، رموز على درب المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية.. إليهم تنتسب كرامة الحياة.
بدأ العد التنازلي لعلاقة النظام السياسي العربي الرسمي بالقضية الفلسطينية مع “كامب ديفيد” وبعده “أوسلو” وصولاً إلى “وادي عربة”. ومن يتابع القنوات الفضائية السعودية / الإمارتية الخليجية، وهي كثيرة وتغطي مساحة الإعلام العربي والعالمي، سيجد خطاب الكراهية والعداء للمقاومة الفلسطينية يمتد لأكثر من ثلاثة عقود، والبعض منهم تاريخيًا يقف في الصف المضاد للقضية الفلسطينية، إلى حد احتفالهم بهزيمة يونيو،
حزيران،١٩٦٧م،وفي مقدمتهم حكام مملكة آل سعود، وإلى درجة عدم اعتبارهم لقتلى جرائم “حرب الإبادة” الصهيونية بأنهم شهداء، بل وأنهم إرهابيون.. إلى هذه الدرجة وصل عداؤهم ومحاولاتهم التي لم تتوقف لتشويه صورة القضية الفلسطينية، سياسيًا وإعلاميًا حتى التآمر على المقاومة سياسيًا وعسكريًا، بالمشاركة إلى جانب الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني المحتلة أرضه، كما هو الحال مع دويلة الإمارات.
إعلام عربي متصهين يصب في خدمة تغطية حرب “الإبادة الجماعية”، ضد شعب محتل ومن موقع “عروبي”، إسمًا صهيوني في الجوهر، وهو الإعلام الذي لم يقل كلمة حق تجاه المقاومة الفلسطينية، حتى بعد إصدار المحاكم الدولية العالمية والجنائية أحكامها ضد الكيان الصهيوني، باعتباره يمارس “حرب إبادة”، وحرباً ضد الإنسانية.. إعلام عربي متصهين لا يقدم فحسب خطابًا مواربًا ومراوغًا، بل ومنحازًا ضد أعدل قضية سياسية وإنسانية في التاريخ العالمي.
فلسطين والمقاومة الفلسطينية وحدت الإمة العربية، بل وحتى الأمة الإنسانية – إن جاز التعبير – مع القضية الفلسطينية.
يوم الخميس 17/ أكتوبر/ ٢٠٢٤م، التقت القيادات الروحية في لبنان من ممثلي جميع الطوائف والمذاهب والملل الدينية المسيحية، بجميع طوائفها، والمسلم بجميع مذاهبه، السنى والشيعي والدرزي في إدانة العدوان الصهيوني على لبنان وهي استفاقة وطنية وقومية ودينية إنسانية، قطعًا لها أثرها الطيب على الجميع، والجامعة العربية- عفواـ “العبرية”، والدول الإسلامية، اكتفت في لقائها الأخير بخطابات خجولة مع أن البعد الإنساني والديني كان حاضرًا ومكتمل الأركان في القضية الفلسطينية.
إذا كان لإيران دور في دعم المقاومة الفلسطينية، فهذا يحسب لها وليس عليها، أمام الشعوب العربية، والإسلامية، بصرف النظر عن نواياها ومخططاتها القومية والمذهبية الخاصة بها في المنطقة.
ويبقى السؤال: أين النظام السياسي العربي في غالبيته العظمى من مساندة ودعم القضية الفلسطينية؟.
في عام 2006م، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس، من قلب الخراب وحمم النار والدم والدمار في لبنان، أن الشرق الأوسط الجديد سيخرج من هنا، فخرجت هي تجر أذيال الخيبة، وهي المقاومة التي أنجزت تحرير أرض الجنوب / اللبناني المحتل، عام 2000م.
ومنذ سنة يمارس الكيان الصهيوني بقيادة نتنياهو، ومعه كل الغرب الاستعماري، حرب “إبادة جماعية”، ويكرر إعلان أنه سيفرض خرائط الشرق الأوسط الجديد.
وأنا على قناعة أنه سيجر أذيال الخيبة والهزيمة من أمامه ومن خلفه، فأحلامه “التوارتية”، التي يعلنها ويهددنا بها لا تعدوا أن تكون أكثر من أوهام سياسية مريضة مهووسة بخرافات أسطورية، وعمر الأسطورة ما تتحول إلى واقع؛ وللأسف جميع هذه الأوهام المريضة والاستعمارية تحولت إلى جرائم “إبادة جماعية” أمام أنظار العالم الحر، وأمام نظر النظام السياسي العربي المتصهين الذي لم يحرك ساكنًا والذي ما يزال يبحث عن حل للقضية الفلسطينية في عواصم الدول المعتدية والشريكة في العدوان على فلسطين ولبنان!!.
إن تاريخ مقاومة حركات التحرر في العالم كله ضد أي احتلال لا يقاس بموازين القوة العسكرية وحتى الاقتصادية، بين المحتل المستعمر، والطرف المحتلة أرضه، وإلا ما كانت انتصرت كل حركات التحرر في العالم بدون استثناء.. والآمر ذاته يقاس بدرجة أصدق وأعظم على القضية الفلسطينية والصمود الأسطوري، للشعب الفلسطيني لأكثر من ستة وسبعين عامًا من بعد “النكبة المتواصلة”، ومنها سنة حرب “إبادة جماعية” متلفزة أمام أنظار العالم. وطوال أيام وأسابيع وأشهر وسنة من “الإبادة الجماعية” كان موقف النظام السياسي العربي المتصهين أقل وأدنى من موقف بعض دول الاتحاد الأوروبي الذين يتحرك وزراء خارجياتهم بل وبعض رؤساء وزرائهم في اعلان دعمهم السياسي والدبلوماسي الصريح وفوق العادة للقضية الفلسطينية.
إن منطق المقارنة من قبل البعض، في القوة بين المستعمر الأجنبي، والمحتل أرضه، هدفه خلق حالة من اليأس واحباط لمصادر القوة المعنوية والروحية، والقيمية، وهي قوة الإرادة في الاعتصام بالحق، التي حتما ستنتصر على وحشية المستعمر مهما طال ليل زمن الاحتلال ووحشية الكيان الصهيوني في فلسطين/ غزة ولبنان، والذي هو دليل ضعف، لأنه عدوان موجه ضد الأطفال والنساء والمدنيين وضد البنية التحتية المدنية، حيث جيش الاحتلال يقتل، ولا يقاتل، وهو ما تقوله تجربة حرب الإبادة في غزة، وبداياتها الجارية اليوم في لبنان.
إن جوهر الصراع وطبيعته فلسطيني/ عربي / صهيوني/ أمريكي ، حضرت فيه – مع الأسف – إيران بقوة – أياً كانت أسبابها ودوافعها – في حين غاب النظام السياسي العربي التابع؛ حضرت إيران ليس باعتبارها جمعية خيرية، وليس دفاعاً عن القدس والأقصى الشريف، بل لتثبت لها مكانًا سياسيًا وجيو/ استراتيجيًا في المنطقة، بعد أن فرضت حالة من تقاطع المصالح الإيرانية القومية مع مصالح المقاومة الفلسطينية، والحديث حول ذلك يطول.
إن السياسة والطبيعة لا يحبان الفراغ، ولا يقبلان به، ولا يتعايشان معه، والنظام السياسي العربي من لحظة “كامب ديفيد”، وصولاً لـ “التطبيع الإبراهيمي” لم يتخل عن القضية الفلسطينية فقط، بل ويتحرك سياسياً وعمليا باتجاه بيع القضية الفلسطينية في سوق المزاد الصهيوني/ الأمريكي.
كانت أمريكا تعلن طيلة الأشهر / الماضية عن خوفها وقلقها من تحول حرب الإبادة إلى حرب شاملة خشية من تداعياتها الإقليمية والدولية عليها، ولكنها بعد أن رأت الموقف السياسي العربي التابع والمتصهين أدركت أن لا سقف أمام عدوانها في دعم الكيان الصهيوني وفي استمرار حرب الإبادة حتى لو تحولت إلى حرب شاملة، للبشر والحجر والشجر، في فلسطين ولبنان، خاصة في ظل موقف المجتمع الدولي الصامت ومؤسسات الأمم المتحدة التي ليس بيدها أكثر من بيانات الإدانة لما يجري بعد أن عطلت أمريكا “مجلس الأمن”، وكل المؤسسات الدولية عن تنفيذ أي قرار ضد الكيان الصهيوني، مع أن بإمكان النظام السياسي العربي أن يوقف “حرب الإبادة” دون أن يشترك عسكريًا في الحرب.
فالنظام السياسي العربي يمتلك أوراقًا قوية وعديدة للضغط على الأطراف الدولية كافة وبإمكانه إيقاف حرب الإبادة خلال ساعات معدودة، ولكنه لا يرى في ذلك مصلحة سياسية مباشرة له، ولذا نرى إعلامه السياسي يكتفي بالإنشغال بالتقليل من الضربة الإيرانية الأولى والثانية ضد الكيان الصهيوني، ومن أنها لم تؤثر على الكيان الصهيوني، ومن أنها لعبة متفق عليها بينهما، مع أن الإعلام الرسمي المضبوط وتحت الرقابة العسكرية الصهيونية يقول غير ذلك وكأن مهمة الإعلام العربي الرسمي الدفاع ضمناً عن الكيان الصهيوني، وإدانة “مغامرة حماس” و”حزب الله” اللبناني، الذي قدم مئات الشهداء من قياداته والآلاف من كوادره العسكرية والسياسية بمن فيهم شهيد المقاومة الإسلامية الشهيد، حسن نصر الله.
الشارع السياسي الفلسطيني والعربي الذي لا علاقة له مباشرة بالعمل الفكري والسياسي المنظم كان يتمنى أن تكون الصواريخ الإيرانية التي سقطت على فلسطين المحتلة صواريخ عربية وليست إيرانية، مع إدراكي وقناعتي العميقة من أن إيران لم ترد الضربة العسكرية من موقف ومبدأ ديني/ فلسطيني، بل هو موقف يدافع عن حق إيران المشروع في الرد على العدوان على أرضها وسيادتها، وليس حبًا لفلسطين والأقصى والقدس الشريف، ولكنها المصالح تتصالح، وهنا تقاطعت المصالح السياسية الإيرانية مع المقاومة الفلسطينية. فهل ندين – في هذا السياق – دعم إيران للمقاومة الفلسطينية، لنرضي عواطفنا العصبوية، المذهبية/ الطائفية ؟!، بعد أن ترك النظام السياسي العربي المتصهين ساحة الفراغ ليملؤه الكيان الصهيوني، وتركيا العثمانية الجديدة، وإيران في توجهها القومي والمذهبي، الذي وصل أثرها وتأثيرها السلبي إلى أربع دول عربية كما أعلنها قائد سياسي إيراني؟.
ولا أخفيكم قناعتي الشخصية من أنني أرى في “ولاية الفقيه” أحد الأبعاد الأيديولوجية الإيرانية المعاصرة، من أنها ليست أكثر من محاولة مكبوتة ومتأخرة، لإقامة دولة “خلافة إسلامية شيعية أثنا عشرية”، رفضًا ونقضًا– بأثر رجعي – لتاريخ الدولتين: الأموية والعباسية، في شروط عصر مغايرة.
إنه جدل الصراع العربي الإسلامي “الثأري”، الكامن في العقل الإيراني / الفارسي التاريخي، يقفز إلى سطح السياسة ليعبر عن نفسه في الموقف الأيديولوجي/ السياسي في صورة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
كان صعود النظام الإيراني 1979م، بعد تحول ثورته من ثورة وطنية ديمقراطية، إلى “ثورة” مذهبية/ طائفية متوافقًا ومتزامنًا مع تراجع وسقوط المشروع القومي العربي، مع زيارة السادات للكنيست الصهيوني، حتى عقده اتفاقية “كامب ديفيد” 1979م.
صعود سياسي قومي / مذهبي في إيران الجديدة، من جانب، وسقوط للمشروع / القومي في المنطقة العربية، من جانب آخر.
ومن هنا، ومن قلب هذا الفراغ في “الأمن القومي العربي”، كان ظهور إيران كـ”حامية وداعمة”، للقضية الفلسطينية، وخاصة بعد تحويلها للسفارة الأمريكية إلى سفار لفلسطين، وإعلانها يوم القدس العالمي، وفي دعمها العسكري والسياسي والإعلامي للمقاومة في فلسطين ولبنان.
إن ضربة إيران للكيان الصهيوني ضمن السياق الذي نتحدث عنه قد عرى النظام السياسي العربي التابع، وأكد لقطاع واسع من العرب والمسلمين، أن إيران أصدق في فعلها السياسي من كل النظام الرسمي العربي التابع.
وفي هذا السياق –كذلك – أقول، إنه حق مشروع لإيران أن تبحث عن مصالحها القومية، لتكون ما تريد، على أن غير المشروع إسلاميًا، وقانونيًا أن تبحث عن مصالحها على حساب وضد المصالح الوطنية والقومية للدول والشعوب الأخرى، كما هو حالنا معها في منطقتنا العربية.
ذلك أن مثل هذا السلوك السياسي الإيراني، لا يخدم سوى المشروع الإمريكي/ الصهيوني ويكرس الوجود الاستعماري الغربي أكثر، وهو ما يتناقض مع شعارهم الأيديولوجي: “الموت لأمريكا الموت لإسرائيل…” إلخ، خاصة وأنه يتقاطع ويتكامل في واقع الممارسة مع المشروع الأمريكي والإستعماري المعد لكل المنطقة، والذي يوظف المذهبية والطائفية والعرقية العنصرية لتقسيم شعوب ودول المنطقة، ونموذجها الصارخ العراق بعد غزوه واحتلاله!!.
أفهم وأدرك أن النظام السياسي الإيراني لا يريد فحسب أن يفرض نفسه كقوة أقليمية كبرى في المنطقة، بل والأهم أن يفرض نفسه كقوة “دولة نووية”، تتقاسم الهيمنة على المنطقة مع دولة الكيان الصهيوني، وهو ما ترفضه دول الغرب الاستعمارية، ليس كرها في إيران، بل حبًا في إبقاء الكيان الصهيوني هو القوة الكبرى الوحيدة في المنطقة، أمام حكام عرب أقزام صغار تابعين وتافهين، وبدون كرامة شخصية، ناهيك عن الكرامة الوطنية والقومية اللتين لا علاقة لهم بهما.
النظام السعودي تحديدًا، والخليجي عمومًا، على علاقات التبعية، بل والخضوع التي تربطه / تربطهم مع أمريكا والغرب الرأسمالي في طبعته الاستعمارية الجديدة، ومع فتح أراضيهم وبلدانهم، لنشر القواعد العسكرية والاستخبارية، فإن السعودية وعلى الرغم من مطالبات دؤوبة عديدة للحصول على الطاقة النووية للأغراض السلمية البحتة، وتحت الإشراف والإدارة والرقابة الأمريكية المباشرة، فإن أمريكا ترفض حصول السعودية – وغيرها – على الطاقة النووية، للأغراض السلمية / الإنتاجية العلمية والتكنولوجية، وهو حق مشروع في القانون الدولي، هل بعد كل ذلك امتهان وهوان وإذلال؟ هذه هي حالة النظام السياسي العربي اليوم الذي لا يستطيع أن يحرك ساكنًا أمام “حرب إبادة” لم تتوقف لسنة كاملة ضد شعب أعزل.
والسؤال: ليس لماذا إيران حاضرة في المنطقة، بل السؤال هو: أين النظام السياسي العربي الذي ترك ساحة الأمن القومي العربي فارغة منذ أكثر من أربعة عقود؟ لأنه كما تحدثنا أن السياسة والطبيعة لا يحبان الفراغ.
أمين عام الأمم المتحدة انطونيوغرتيريش، يقول عن عملية أو ضربة، 7 أكتوبر 2023م، إنها رد فعل طبيعي على ممارسات عنف وحرب عمرها أكثر من نصف قرن، وهو بذلك يضع القضية الفلسطينية في سياقها الذاتي والموضوعي والقانوني والتاريخي، وفي التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة.. هذا، في حين يأتي الخطاب السياسي والإعلامي السعودي والإماراتي/ الخليجي ليدين الانتفاضة ويقلل من أهميتها وقيمتها الوطنية والقومية التحررية، ويعتبرها إرهابًا ومغامرة غير محسوبة النتائج، في وقت تغطي شوارع العالم مظاهرات شعبية وطلابية احتجاجية اشترك فيها معظم جامعات أمريكا وأوروبا، رغم الضغوط القهرية عليهم، دعمًا وتضامنًا وإدانة لحرب الإبادة الصهيونية. والقنوات الفضائية العربية التابعة MBC وسكاي نيوز الإماراتية وغيرهما، لا يتوقف / دسها سمها الخبيث والرخيص ضد المقاومة الفلسطينية تحريضًا وانتقاصًا من دور الفعل المقاوم، وتأكيدًا لخيار المفاوضات “الاستسلام”، في صورة “التطبيع الإبراهيمي” المجاني مع الكيان الصهيوني!!.
لقد استقال النظام السياسي العربي عن دوره في حماية “الأمن القومي العربي”، منذ عقود، وترك الساحة القومية في حالة فراغ، وهو ما يفسر حضور الكيان الصهيوني وبقوة في المنطقة، والحضور التركي، والإيراني.
مع أنني أفرق وأميز بين دور الكيان الصهيوني في المنطقة والدور الإيراني، والتركي: الأول عدو وجودي استراتيجي لنا كعرب، وهو قادم من خارج المنطقة، “استعمار استيطاني”، كيان مصطنع في المنطقة، مهمته حراسة المصالح الاستعمارية، وتفكيك وتدمير المنطقة العربية من داخلها، كيان غريب عن جغرافية المنطقة وعن تاريخها.
نختلف مع تركيا في موقفها من سوريا والعراق، بل ونتناقض مع إيران أنها استثمرت الفراغ في المنطقة لصالح مشروعها القومي الشوفيني، أولًا، والمذهبي ثانيًا، وهو المشروع المذهبي الذي بدأ يتصاعد بقوة مع قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية – كما سبقت الإشارة – على الخلفية والقاعدة المذهبية “الأثنا عشرية”، حيث يتم توظيف المذهب غطاء للتمدد السياسي القومي العصبوي الإيراني، والذي يتقاطع في ظل الفراغ القائم مع مصالح الغرب الاستعماري في أكثر من نقطة، وهذا الأمر هو الذي خلق واوجد شكوكًا جدية حول حقيقة الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية – تحديدًا – ضمن هذا الدور المزدوج والمتناقض، مع دعم المقاومة من جانب، ومع تصدير المذهبية السياسية من جانب آخر.
ولا بأس هنا من تكرار أن الكيان الصهيوني، هو العدو الاستراتيجي لكل دول وشعوب المنطقة بدون استثناء.
إن تخلي النظام السياسي العربي عن القضية الفلسطينية، هو الذي فتح الباب واسعًا أمام إيران لتملأ الفراغ السياسي والعسكري بمشروعها الأيديولوجي الخاص والذي بدأ مع تراجع المشروع اليساري التقدمي والقومي المقاوم، وخاصة من بعد غزو واجتياح لبنان العام 1982م، وسقوط الاتحاد السوفيتي، ودخول اليسار الاشتراكي والقومي العربي مرحلة من “فقدان الوزن”، كان قمتها اخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان إلى تونس، وإلى اصقاع الأرض المختلفة، بتواطؤ سياسي عربي كان يقف وراء كل تلك الانهيارات في بنية السياسة والقيم.
وهنا علينا ألا ننسى أبدًا أن غزو واحتلال العراق تم من قبل أمريكا وبريطانيا، وبدعم وتواطؤ إيراني، وهو ما تقوله مذكرات الرئيس محمد خاتمي.
وعوضًا من أن نعيد قراءة وفهم ما يجري ضمن رؤية نقدية عقلانية واقعية، ظللنا ندور في دوائر القراءة السياسية المذهبية والطائفية في قراءة ما يجري، إلى درجة تحرج الإعلام العربي الرسمي، وغير الرسمي، من إدانة حرب الإبادة الجماعية بصورة سياسة وعملية بعيدًا عن التنديد والشجب والنقد الخجول لأمريكا والكيان الصهيوني، حتى أن النظام السياسي العربي، بل وبعض الكتاب العرب المتيسارين (من يسار)، في واقع الممارسة، لم يجرؤ حتى على إدانة اغتيال القادة الشهداء الأبطال على درب المقاومة الفلسطينية واللبنانية، الشهيد، إسماعيل هنية، والشهيد حسن نصر الله، والشهيد البطل يحيى السنوار، بل إن الإعلام السعودي يعتبر يحيى السنوار إرهابياً، تم التخلص منه، وهم بذلك متصالحين مع أنفسهم ومع مشاريع التبعية التي يمثلونها ويجسدونها في واقع الممارسة. أقول ذلك حتى لا نرمي بكل اللوم على إيران، ونقفز على عجزنا وفشلنا، وبأننا بفسادنا واستبدادنا وطغياننا، نحن من استقدم الخارج بكل مسمياته إلى داخلنا!!.
ختامًا أقول: إن أحذية الشهداء الكرام، اشرف وأنبل من وجوه هؤلائي الحكام الخونة.. وإليهم تتوجه الإدانة، لأنهم عارنا الفاضح والفاجع، في هذا الزمن الجبان.
هذه رؤيتي وقراءتي بعيدًا عن المذهبية والطائفية التي تكبح العقل عن التفكير النقدي المستقل والحر.
ونقطة على السطر.