- فخر العزب
الكتابة فعل فوضوي، لكنه ليس رتيبًا، إنه صورة من صور الخلق، ونفخ الروح، هذا حين تكتب وأنت تستدعي الخيال لترسم البعيد، لكن الكتابة أكثر تأثيرًا وجدوى حين تكون من المسافة صفر.
أن تحول اللغة إلى عدسة كاميرا تصور التفاصيل الدقيقة للمشاعر والخيال، فتقول ما لا يقال، وترسم لوحةً تكثف داخلها كل المشاهد في مشهد واحد، مشهد يحيط به البرواز داخل وعاء اللغة، فيكون للتكثيف والاختزال سلطته على اللفظ، لتضيق الكلمة، ويتسع المعنى.
الكتابة من المسافة صفر هي القادرة على إحداث أكبر ما يمكن من التأثير، فهي تدهش وتنعش، وتبهر وتزهر، وتحمل البال إلى أقصى آفاق الخيال، وهي الكتابة الحبلى بالفائدة، والباقية الخالدة، سواء كانت طريفةً أو تالدة.
وهي من تمنح صاحبها تذكرة مجانية للدخول إلى قلوب القراء، يكتب العوام وتموت كتاباتهم، لكن آخرين يكتبون فإن ماتوا منحتهم كتابتهم الخلود، بل إنهم يتوالدون بحضورهم أكثر جيلًا بعد جيل، وعلى ذلك لا يموت الشعراء، والأدباء، والمؤلفون من أصحاب العلم والفكر، ولا يموت صاحب حرف وكلمة.
وللكتابة من المسافة صفر عملية مخاض، لذا نرى قلق الكاتب وحزنه حين يكتب، فهو يتوجع من الداخل، ويعيش جهدا وشقاء ينهكه حد التعب، ولكن لذلك الجهد ما يسفر عنه من غلال محصودة يجنيها القارئ وينتفع بها.