- كتب: د. محمد السماك
إن الوطن العربي مقسم عمودياً وأفقياً على النحو الآتي :
فهناك أولاً عرب. وهناك مسلمون غير عرب كالأتراك في العراق والشركس في الأردن، والبربر في المغرب والجزائر، والزنوج في جنوب السودان وموريتانيا. وهناك من ليسوا مسلمين ولا عرباً كالأرمن في لبنان وسوريا. أما الإسرائيليون الذين يحتلون فلسطين فإن لهم تصنيفاً خاصاً في إطار هذه الدراسة.
ثانياً : وهناك مسلمون سنة وشيعة وعلويون ودروز، بالإضافة إلى حركات سياسية عديدة أخرى اتخذت من الإسلام غطاءً لها مثل الإسماعلية وغيرها من التيارات الدينية.
لقد كان لهذه المجموعات الدينية والمذهبية والإثنية أدوار هامة في التاريخ الإسلامي العام. وفي تاريخ المنطقة العربية الخاص.
وفي الأساس هناك قاعدة إسلامية ثابتة تقوم عليها الوحدة الإسلامية. وهذه القاعدة تتمثل في قوله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة }.” ومن شأن التأكيد على هذه القاعدة الشرعية لتساوي المؤمنين ضمن وحدة الإسلام الدينية والاجتماعية صهر أشد الشعوب اختلافاً في العرق واللون في أمة واحدة. ولقد كان هذا التوكيد من العوامل الرئيسية التي ضمنت اتساع الإمبراطورية الإسلامية اتساعاً عجيباً، وصانت قوتها والتحامها على مر القرون.
ولما ضعفت روح التكامل الخلقي في الإسلام، كان الفوز للنزاع الشعوبي وكان فوزاً على حساب سلطان الإسلام. فتجزأت الدولة وتم النصر لأعداء الإسلام. ولا غرو فإن انحطاط السلطة السياسية في الدول التي نشأت عن إمبراطورية الإسلام وما حدث من صولات التوسع والاستعمار الأوروبي أنعش شعور التكامل الإسلامي، فتجلت جميع مناحي التجديد التي ظهرت في القرن التاسع عشر في الشرق الأدنى والأوسط بروح إسلامية ً
إلا أن الاستعمار استطاع تحت مظلة مبدأ الوطنية المحلية الذي أعلنته فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر وأد هذا التجديد، حتى إنه ليبدو مجرد أثر بعد عين.
لقد لجأ بعض المؤرخين إلى اتهام الذين خلفوا في قيادة الأمة الإسلامية من الترك والبربر والفرس بأنهم مسؤولون عن سقوط الحضارة الإسلامية. ويقول رينان : ” بدأ الانحطاط عندما وقع الإسلام بين أمتي البربر والترك الغليظتين “.
غير أن الواقع التاريخي هو غير ذلك بالتأكيد :فالأتراك في بغداد، والبربر في المغرب وإسبانيا، والشركس والأكراد في القاهرة لم يصنعوا سوى التقاط أزمة السلطان الساقطة من أيدي الخلفاء الضعيفة، وفضلاً عن ذلك فإن الأمر لم يكن شؤماً على الإسلام. ذلك أنه أتاح لدولته أن تبقى عدة قرون، فيوسف بن تاشفين البربري رد الهجمات عن الأندلس الإسلامية عدة أجيال. وصلاح الدين الأيوبي الكردي رد هجمات الصليبين وجدد تحرير القدس. يقول المؤرخ التركي حيدر بامات في كتابه ” مجالي الإسلام” : ” ويمكن للناس أن يتساءلوا عما يكون مصير البلدان العربية لو لم يأخذ الأيوبيون والمماليك على عواتقهم أمر الدفاع عن الشام ومصر في الوقت المناسب. فإذا حكمنا في الأمر على مثال إسبانيا، أمكننا أن نفترض في الوقت الحاضر عدم اكتمال هذه البلاد الواسعة على مسلم واحد”.
لقد قصدت من وراء هذه الملامسة التاريخية السريعة لدور غير العرب في التاريخ الإسلامي التمهيد لدخول المرحلة الحالية. مؤكداً على أن الأقليات الإسلامية غير العربية ترتبط في أعماقها مع الأكثرية العربية الإسلامية بأمرين أساسين وجوهريين : الأمر الأول ديني :ويقوم كما ذكرت آنفاً على قاعدة ” وإنما المؤمنين إخوة “و ” ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى”. والأمر الثاني إنساني : ويقوم على الاعتزاز بالدور الذي قام به الأجداد في صناعة تاريخ المنطقة سياسياً وحضارياً على حدَّ سواء.
إن عدم تفهم وعدم مراعاة هذين الأمرين يؤدي إلى اتساع الهوة بين المسلمين العرب…والمسلمين غير العرب وبين العرب غير المسلمين والعرب المسلمين. وهي هوة تبدو كافية لتسلل المؤامرة التقسيمية الخطيرة التي عانى منها كل المسلمين وكل العرب في هذا الجزء من العالم.
إن لهذه المؤامرة بعدين أساسيين . البعد الأول يقوم على ضرب الوحدة الإسلامية باختلاق تيارات دينية ذات نزعة ارتدادية عن الإسلام. والبعد الثاني قومي، وهو مكمل للبعد الأول من حيث تمزيق الوحدة بين القوميات المتعددة تحت المظلة الإسلامية.
بالنسبة للبعد الأول يبدو من الصعب إن لم يكن من المستحيل تسجيل تيار ديني أو حتى مجرد اجتهاد خاص ومتميز،صادر عن أقلية في العالم العربي. فلا الأكراد في مشرق العالم العربي، ولا البربر في مغربه، استحدثوا مدرسة، أو ابتدعوا تياراً دينياً له مواصفات خاصة، أو يتضمن اجتهادات ذاتية.
وإذا كان المسلمون البربر في شمال أفريقيا يبالغون أحياناً في تكريم أضرحة المشايخ والأئمة إلى حد التقديس. فإن ذلك ليس مقتصراً عليهم وحدهم وبالتالي لا يمكن الادعاء بأن ذلك ميزة خاصة بهم. بل أن سائر المسلمين العرب في المنطقة يمارسون نفس العادات، ولا أقول الطقوس. ثم أن جميع المسلمين في المغرب عرباً وبربراً، هم من اتباع المذهب المالكي.
أما الأكراد فليسوا كلهم مسلمين. هناك فئة قليلة منهم تعتنق الدين المسيحي. والمسلمون منهم سنة وشيعة، وإن كانت أكثريتهم من السنة. وعلى الصعيد الطائفي لم يبتدع الأكراد تياراً دينياً متميزاً .
من أجل ذلك لأبد من تجاوز حدود العالم العربي بحثاً عن مصادر تيارات دينية وجدت في العالم العربي بعض الصدى. ونشير بصورة خاصة إلى أثنين رئيسيين منها :هما القاديانية، والبهائية، اللذان خرجا من الهند – باكستان ، ومن إيران عندما كانت هذه المنطقة كلها خاصة بالاستعمار البريطاني.
يتبع…. الحلقة الرابعة، مناقشة حول التركيب : القومي والإثني الطائفي للوطن العربي كما ورد في الدراسة الصهيونية …
… يتبع