- ليلى تبانيكاتبة جزائرية
كقارئة مهتمة جذبني العنوان وشدّني الفضول حتى صرت لا أطيق صبرا لقراءة النص ، فهو عنوان ارتدادي خرج من صلب النص ومكوناته الأساسية، فالقارئ يجد فيه تلخيصا عجيبا و قدرة في الاختزال اللغوي فقد اختصر النصّوص بكلمتين: ” فيما يشبه الانتظار “. تتلخص كل الحكمة الإنسانية في كلمتين: الانتظار… والأمل. الانتظار له محنة و الأمل فيه منحة ، في الانتظار تتمزّق أعضاء الأنفس، و يموت الزمن وهو يعي موته، لكنّه شبه انتظار ، والمستقبل يرتكز على مقدّمات واضحة ولكنه يحمل نهايات متناقضة ، فهو بذلك شبه يقين. في انتظاره هوس برصد الاحتمالات الكثيرة. يشير كاتبنا أنّنا نعيش لنهتدي إلى الحق والخير و الجمال وكل ما عدا ذلك هو لون من ألوان الانتظار .آمالنا وآلامنا نسبيان ، النسبية تغزو حياتنا ، فنظرية النسبية التي تعلمناها في المدارس والجامعات لا تقتصر على ظواهر الفيزياء فقط، وإنما تغزو كل مجالات حياتنا. فكل ما حولنا في هذه الحياة هو نسبي، فالجمال والقبح، الذكاء والغباء، القوة والضعف، السيادة والعبودية، المعرفة والجهل، والسعادة والضنك، وحتى القيم الإنسانية والمُثل كلها نسبية، وباختصار فإن كل ما هو ضمن حدود إدراكنا البشري المتواضع يعتبر نسبيا.
يوحي لنا الفيلسوف أننا نملك أوطانا وجودها فينا حقيقة و وجودنا فيها شبه انتظار أن نحبّ أوطاننا حبّا خالصا، حبّ هو المحك ، وليس ادعاء للحصول على مطامع شخصية أو سبيلا لنيل أهداف ذاتية، وكأن الدكتور محبشي يريد أن يصرخ عاليا ، أن أحبّوا أوطانكم من دون رفع الشعارات الجوفاء التي ظاهرها الولاء والحب وباطنها حاجة في نفس يعقوب، و ليكن حبكم لها بفرض الانتماء الحقيقي إليها، والسعي على نشر السلام في ربوعها، والمساعدة على إقامة الأمن فيها من أجل تعايش مسالم بين جميع أطياف أبنائها، مع الحرص على النضال والتضحية في سبيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ونصرة المظلوم ورفض الظلم، ونبذ كل صور التسلط والعدوان الممارسة فيها بوسائل حضارية، ولتكن غايتكم تحريرها من الفساد الذي يعدّ العدو الحقيقي له بعيدا عن فتح الثغرات والجبهات الجانبية التي تخدم مصلحة الذين يريدون السوء والشر لها. في ذات السياق يمكن لي ولكم فهم معنى كلمة ( فيما يشبه) التي أدمن كاتبنا إدراجها في عناوين مقالاته دون قصد. من خلال وفرة ما كتب ، فيما يشبه الفرح ، وفيما يشبه التهنئة ، وفيما يشبه الاحتفاء ، وفيما يشبه الاعتذار ، وفيما يشبه الحياة ، وفيما يشبه الوطن ، وفيما يشبه الأمل ، وفيما يشبه الحرية ، وفيما يشبه الشعر ، وفيما يشبه الحب ،وفيما يشبه الحلم ، وفيما يشبه التفكير ، وفيما يشبه الحزن ، وفيما يشبه المؤسسات وفيما يشبه الجامعة ، وفيما يشبه المدينة ، وفيما يشبه الثورة ، وفيما يشبه الدولة وفيما يشبه الثقافة ، وفيما يشبه البشر ، فيما يشبه الجيوش وفيما يشبه الصلاة وفيما يشبه الحرب ، وفيما يشبه الثقة ، وفيما يشبه الصدق ، وفيما يشبه العلم وفيما يشبه الحقيقة.. الخ . نعم كتبها في عناوين مقالاته المنشورة. ولم يكن على دراية واعية بحضورها الكثيف هذا. وربما يعود الفضل لأخيه صالح ، الذي استفزّه بسؤاله التلقائي ،وجعله يتفحص الدلالة في هذا العبارة العالقة بذهنه.
إنّها نابعة من احساس عميق ، بأنّ تلك الحياة التي نعيشها في هذه الأصقاع المسمّمة بالبؤس والخراب والظلام والخوف والجريمة ليست حياة طبيعية للكائن الإنساني. أنها فقط فيما يشبه الحياة ، وجودنا فيما يشبه الوجود أحلامنا فيما يشبه الأحلام أفراحنا فيما يشبه الأفراح، لا شئ طبيعي وراسخ ويبعث على الاطمئنان والثقة والحلم والأمان في هذا الزمان.إنّنا نعيش في حالة وجودية عبثية تعي قوة التمييز والحكم. وتلك هي السّمة العامة التي تتّسم بها المجتمعات التي تضيق فيها حدود الحرية ( حرية الضمير والفكر والعمل ) ، إذ يندر أن تجد فيها أشخاصا طبيعيين يتصرفون على طبيعتهم ببراءة وعفوية بالاتساق مع سجيتهم الحقيقية ، بل تسود ثقافة وقيم ازدواجية الشخصية بين الظاهر والباطن وتزدهر قيم التكلف والتزلف والنفاق والتملّق واللفّ والدوران ، والكذب والأحقاد والضغائن والخيانات والغدر والخديعة والشتم والغيبة والنميمة وانعدام الثقة والشك والارتياب وسوء الفهم والتفاهم والفصام وسرعة التقلب من حال الى حال و الجمع بين المتنقاضات دون الشعور بالتناقض ، وصعوبة التنبؤ بسلوك الأفراد وردود أفعالهم، واختلاط المعايير وغياب الحدود بين الغثّ والسمين بين الجيد والردئ ، ويمكن للقارىء تعداد المزيد من القيم السلبية من واقع حياته وتجاربه الشخصية.”