- ليلى تباني
كاتبة جزائرية
“أجمل ما في الصدفة أنها خالية من الإنتظار، فهل تظل الشعوب العربية رهينة الصدفة ، أم سيشغلها الانتظار؟”.
فيما يشبه التوطئة:
الأحلام تبقى أحلاما طالما لا تؤلمنا ولا تسعدنا عند استئناف الواقع ، فالحزن كل الحزن على ما تمنيناه ولم يحدث، أو حدث مرة واحدة وما كنا ندري انه لن يتكرر .ونبقى قيد الطمع في أن يتكرّر ، فيدخل حيز الانتظار ، فحتى لا نصاب بالغرور في طلب مايفوق سقف المتاح ، و حتّى لا تكلّل تطلّعاتنا بالخيبات نلجأ إلى مكابح المطالب ….فنجعل كل احلامنا بمقدار و نسم تمنياتنا بما يشبه الانتظار ….
من المبالغة النقدية والفكرية ، أن تحاول نقد مرحلة زمنية موبوءة من عمر الوطن والأمة، أو محاكمتها، عبر نصوص مكتوبة ، أٌثقِلت بالأسقام والشجون، لتحكي تجربة عشتها بكل تناقضات المشاعر ، وأبصرتها بعين المحب المفكر الفيلسوف في حين رآها غيرك بعين الطامع الراغب الملهوف ، هو ذاك ما حدث مع شخصيتنا اليوم والتي نحن بصدد تسليط الضوء عليها . إنّه الفيلسوف العربي اليمني البروف ” قاسم المحبشي ” أستاذ فلسفة التاريخ والحضارة في جامعة عدن باليمن. من خلال مؤلّفه الجديد “فيما يشبه الانتظار” الصادر عام 2021م عن دار الشواهين بالقاهرة ، وإذا قلنا اليمن فسترتسم الصورة الزاهية في ذاكرة التاريخ ، أرض الجنتين تلك ،الصامدة الشامخة شموخ جبالها، ابن سبأ،وبلقيس له جسد يسري في أرض الكنانة أما اليمن فهو القلب والشريان، هو الحياة والوريد الذي يستمد منه قوة استمراره وغاية صموده وأمانه . لو سألته لقال: الفل بكل أشكاله يزهر في اليمن، اليمن بلد الزهور الجميلة، وبلد الحياة، والنشأة السعيدة، رغم أنها أحلام هاربة . عاش وعايش فيها آلام وطنه وآماله ، فراح يمنّي نفسه بالظفر بحلول مؤجلة لمشاكل عالقة في وطنه الأم والوطن العربي ، يخدم فكرته النقدية في تفريغ اليقظة من مضمونها المتعمّق، ويؤصل للتناقضات الداخلية المزعومة ، ليحقق نظرية التوجس والظنون الطاغية على ما أشيع أنها أفكار مطلقة ، ويجعلك تفهم الحدث من منظومة الصفات الصانعة للتصور، لتدرك أن التنوير حدث سيميائي ذهني يتم بناؤه عبر العلامات وليس المقولات، مما يجعله صيغة ثقافية واستجابة ظرفية، وبما أنه كذلك فإنه لا يختفي، ولكنه يبدل علاماته حسب المتغير الظرفي كما سنرى لاحقا .هذا ما يدفعنا لتأويل نصوص الكتاب بدءا بالعنوان . نصوص الكتاب أغلبها مقالات تنظيرية و شقها الآخر واقعي يعكس تجربة عاشها مفكرنا و عرضها عبر ملخصات فكرية سردية ، فاستعرض سجالا متكافئا بين قلبه وعقله ، و كون فيلسوفنا شاعرا طغت المشاعر لديه و سعت لقولبة العاطفة المتمرّدة لديه في قوالبها ، فوضعته في حالة مدّ وجزر بين عقله وقلبه، فكانت فلسفته مقاربة ذكية تتماهى فيها العلوم والفنون والنظريات لتحلّ بالفلسفة وتؤثر فيها وتتأثر بها ، وفيما يشبه البوح . يبدو جليا أن مفكرنا خاض في أهم القضايا الفكرية الفلسفية . فكانت . مقالات نشرت في كتاب بعنوان ” فيما يشبه الانتظار…. قضايا و أفكار ” هي كلمات جامعة تدور حول أغراض مختلفة الأدب والدين والفكر والأخلاق والاجتماع . عرضها ضمن محطات إرجاعية بعناوين ومضامين هامة . أهمّها ” الفلسفة وحب الفن ” ــ ” الثورة بين المفهوم والسياق ” ــ ” تشكل النخبة ” ــ نحن نصنع التاريخ ــ ضرورة النقد ـ قضايا المرأة بين الهوية واللون ـ اشكالية اللغة بين المشافهة والكتابة ـ ومقالات بين الوطن الإرث (اليمن ) والوطن المكسب (مصر) . وكثير من المؤتمرات واللقاءات التي سنشير إليها ضمن الدراسة . لذلك أحاول في هذا المقال قراءة وتوطئة لكتاب مفكّرنا ، سائلة الله التوفيق في مقاربة غاياته ، راجية أن يجعله الله للحق لسانا يمحق به الباطل . وينير به العقول الضالة.
فينومينولوجيا العنوان ….. فيما يشبه العتبة:
العنوان هو المدخل أو العتبة التي يجري التفاوض عليها لكشف مخبوءات النص الذي يتقدمه ذلك العنوان،كونه يمارس الاستمالة والاقناع والاختزال والكناية والتلميح ، ذلك أن انفتاح النص يرتبط بالعنوان كونه عتبة تؤدي فاعلية قصوى في إدراكه . فهو البوابة الأولى التي تضيء للقارىء طريقه في سبيل الدخول إلى عالم النص والتعرف على زواياه الغامضة، إنّه مفتاح تقني يجس به نبض النص وتجاعيده، وترسباته البنيوية وتضاريسه التركيبية على المستويين الدلالي والرمزي. الأمر الذي يشدّ القارىء الى ولوج المتن ،واستطعام الكلام وفهمه . إلا أنّ الحديث عن العنوان ارتبط بالناقد الكبير جيرار جينت ، الذي يعدّ صاحب الجهد الكبير لهذا المصطلح وقد عرفه بقوله : “هو ما يصنع به النص من نفسه كتابا ويفرض ذاته بهذه الصفة على قرّائه وعموما الجمهور أي ما يحيط بالكتاب من سياج أولي وعتبات بصرية ولغوية” (1). سليمة لوكام شعرية النص عند جيرار جينيت من الاطراس الى العتبات ، مجلة التواصل المركز الجامعي سوق أهراس ع 29 2009 ص 38.
…..
يتبع.