- كتب: د. عبدالعزيز علوان
ها هي الوجوه الدخانية في لون أسفارنا تترخي كغراب فوق جرادة الجوعي، وتذهب في أتون أزماتها تبحث عن وجه الوجوه المقلوبة:
وأنتَ تُغني بلا مُبتدا
بلا خبرٍ عن دنُوِّ الختامْ
ووجهكَ فعلٌ لهُ فاعلان
مضافٌ إلى جرِّ ميمٍ ولامْ
وهناك على بعد مرمى من الغرفة الصرعى التي تلتمع جدرانها بالحزن وهو يحاول أن ينبئها عن مفأجأة فينقطع قبل الصوت صراخه:
شيءٌ بعيْنَيْ جدارِ الحزنِ يلتمعُ
يَهِمُّ، يخبرُ عن شيءٍ، ويمتنعُ
يُريدُ يَصرَخ، يُنبي عنْ مفاجأةٍ
لكنّهُ قبلَ بَدءِ الصوتِ، ينقطعُ
وحين تمتد أكفنا إلى قوتها الذي يغص بأفواه الذين صيروه مخالب لمتعة أهوائهم يرانا هذا الآخر:
كمَيتينَ، يمدُّونَ الأكفّ إلى
موتٍ جديدٍ يمنّي، وهو يبتلِعُ
ولأن إبليس المتعدد الوجوه والوجهات والمتلون الهمس والهمسات يعقد اتفاقياته اليومية مع نفسه ومع مشيخه فقد:
ردَّني «إبليسُ» عنْ أبوابِهِ
وثناني الشيخُ، عنْ بيتِ العبادَهْ
ولأن الآتين من الأزمة كثر فإنهم:
قرَّروا الليلةَ … أن يتَّجِرُوا
بالعشايا الصفرِ … بالصبحِ الحزينْ
أما الأماني الشعبية التي يحيا فيها الوطن والمواطن حنينا إلى الغد وهروبا من منغصاته ومكبوتاته اليومية فإنهم:
قَرَّروا بيعَ الأماني والرؤى
في القناني، رفعوا سِعْرَ الحَنينْ
حتى النوم اصبح في نظرهم ترفا مجانيا مثل الجوع وبالتالي فإن من هؤلاء الآتين قد:
فَتَحُوا بَنْكَينِ للنّوْمِ، بَنَوا
مَصْنَعاً، يطبخُ جوعَ الكادحينْ
ولكنكم أيها الكادحون:
إنَّكمْ أجْدَرُ بالسّهْدِ الذي
يَعِدُ الفجرَ بوصلِ الثائرين
ولذا:
فاسْبقوهمْ يا حزانى، وارفعوا
عَلَمَ الإصرارِ وَرْدِيّ الجبينْ
وأحرسوا الأجْواءَ، منهمْ قبلَ أنْ
يُعْلِنوها، أزْمَةً في الأوكسجينْ
إنه السباق المستحب إلى بلوغ الأماني وارتياد المدى والخروج الآتي من:
شارعٌ يَبْكي الضحايا، مكتَبٌ
يمنَحُ الجاني، وساماً وشهادَهْ
جُثَثٌ تَهْوي، بلا فائِدَةٍ،
خِنْجَرٌ دامٍ، لهُ كلُّ الإفادَهْ
ورغم المآسي هذه فإن:
في لحيةِ «المريخِ»، لي مكتبٌ
نهدُ «الثريا» فوقَ بابي شِعارْ
ومن بعد الأميرة.. وتحولات مرايا العشق يجد الشارع نفسه:
جوعان يُطعِم الحصى
لحماً ويأكل الضريعْ
وفي انتظار بزوغ الوجه السبئي الجديد، هاهو الوطن الموت في زمان بلا نوعية.. يصبح أكثر افتتانا فينا، وأليفا في محيانا بين يديه برغم أن:
المرائي، باطنياتٌ هنا
تحجبُ الرائي، وفي عينيهِ تُسفِرْ
يُجهِدُ الأبصارَ، في رؤيتِها
وسوى ما ينفعُ التقريرُ، يُبصرْ
عجباً رغمَ التعرّي، تنطوي
ذاتُها فيها، وذاتُ الغيرِ تُظهرْ
وثمة أغنيات في انتظار المغني، حبل عقيم، وجدران هاربة من ظلال الطريق، وصنعاء في فندق دموي، تتفحص عينة الدم الذي مايزال يتسرب من وجه الغزوة الثالثة و يسرطن فينا أطماعه وتنشب في لحمنا أنياب نظراته، ومازلنا نستقوي بنا ونحن نستحسن المهمة الصعبة للانطلاقة إلى الأصعب منها موتا ومحبة:
حَسَناً … إنما المهمَّةُ صَعْبَهْ
فليكنْ … ولنمتْ بكلّ محبّهْ
يُصْبحُ الموتُ موطناً … حينَ يُمسي
وطنٌ أنتَ منهُ، أوحشَ غُرْبَهْ
وفي انتظار النشيد تكون:
أنتَ من موطنٍ يريدُ … ينادي
مِنْ دمِ القلبِ، للمهماتِ – شَعبهْ
هذه هي المهمات العظام التي ينادي بها الموطن الآتي غداََ شعبه الذي يرى:
خَصْمُنا اليومَ غيرَهُ الأمسِ طَبْعاً
البراميلُ أمركتْ «شيخَ ضَبّهْ»
عِنْدَهُ اليومَ قاذفاتٌ ونفطٌ
عندنا موطِنٌ، يرى اليومَ درْبهْ
عِنْدَهُ اليومَ خبرَةُ الموتِ أعْلا،
عندنا الآنَ، مهنةُ الموتِ لُعْبَهْ
صارَ أغْنى، صِرْنا نرى باحتقارٍ
ثروةَ المعتدي، كسروالِ «ق حْ بَ هْ»
تلك كانت وقفة الذكرى ال 24 لرحيل البردوني.. بتنبوآته الممتدة في تاريخ السكون العربي.
- تعز 29/8/23