- عبده الحيقي
كنتُ طفلًا، حين شاهدت لأول مرة محاولة نصب على شخص حط أول قدم في الفرزة، كان أبي مقوّتً كبير، سنوات من حذق المدينة ونشاليه ونصابيها.. لم تفلح المحاولة.
عادةً ما يتم استغلال أبناء القرى القادمين إلى المدينة، بافتعال مشاجرة بين النصابَين، يتدخل إثرها القروي، ليتم نشله بين الدوشة، أو المشاجرة والمفاصلة على شيء رخيص، جنبية رخيصة، تلفون مخشخش.
اشترى أحدهم تلفونًا بذات الطريقة، وضع الكرتون خلف الشميز، مخفيًا العرطة عن عيون أصحابه، في مجلس السمر: أخرج الكرتون، مهمهمًا بكلمات تشي بأنه حصّل اليوم عرطة، فتح الكرتون ليكتشف أنهم في لحظة مغافلة وضعوا له بدل التلفون حجرة زغيرة.
أما الآخر، فقد وصل على مشاجرة النصابين على جنبية، وصل على المزاد بينهم، مؤشر البورصة يرمش له: تعال، تدخل ليعطي السعر الأخير، قلّبها بين يديه: مية وخمسين ألف، ليكتشف، بعد اختفاءهما، أن قيمتها الحقيقية: ستة آلاف ريال.!
أما الأخير.. رمق اثنين نصابين يتشاجران بدعوى وجود دَين، طفق يجري إليهما محكّماً؛ لوهلة: صار شيخاً بكُوت متهدّل ومرافين غُبْر، وفي لسانه كثير من التسامح محاولاً رأب الصدع، كان المبلغ المختَلف عليه يساوي ما بجيبه زائداً قيمة الجوال الذي دسّه في خاصرته أثناء شروعه في المفارعة، اتفق الطرفان على أن يذهب المَدِيون ليأتيَ بالمبلغ مقابل أن يطرح الشيخُ الجديد مالديه من فلوس وجوال عند الدائن رهناً، حتى يعود النشّال الأول بالمبلغ، تعاظمت مكانة الشيخ، فهو سيصلح بين متخاصمَين، متفائلاً بالأثر القائل بأجر إصلاح ذات البين، ادّعى النشال الثاني أن صاحبه قد تأخّر فسيذهب ليأتي به والمبلغ، ويسترد شيخ الشارع رهوناتِه، ذهبا ولم يعودا، ظل الشيخ متسمّراً والشمس تلسع ما تبقى من شهامة قروي مطمور تحول ـ فجأة ـ شيخاً لمتحايلين بلا وجهة.
عاد، متثاقلاً، بلا جيب، جرع كأساً بارداً من مطعم حيسان، رمق متسوقاً، من قرية مجاورة، استدان منه مصروف الطريق، اِكترى باصاً حزيناً، تخاطر كطاووس، تأبى عزة الشيخ أن يخبر أحدهم بما حدث من خديعة، قفل عائداً وفي جيبه وخاصرته:”المفارعْ لِهْ نصْ الصميل”.