- عبدالرحمن بجاش
ذات مساء سألت الطيب صالح وهو أديب السودان الروائي الكبير: كيف تفسر ضياع الأندلس من يد المسلمين العرب؟.
رد ضاحكا: لا تفسير لدي سوى أنهم حنُو للبن أمهاتهم!!.
الطيب صالح الذي كتب “موسم الهجرة الى الشمال” و “دومة ود حامد” و “عرس الزين”، يمثل العصر الذهبي للسودان الذي كان يتخرج من جامعاته فطاحل الخبراء في كل المجالات، ليصل به عمر البشير الى زمن “كيف تحيل على الدكتوراة في أسبوع ؟” !!.
رواية موسم الهجرة عملت ضجة في العالم العربي كله وظلت حديث المنتديات والأفراد حتى جاء النميري، كيف؟.
قال الأستاذ الكبير أحمد بهاء الدين في مقالة أسبوعية كنا نقرأها في مجلة “المستقبل” التي كان يصدرها نبيل خوري في باريس، قال: عندما كانت الدنيا تضيق بي في القاهرة، أذهب إلى الخرطوم.
في فندق النيل تجد مختلف ألوان الطيف السياسي الذين تراهم يتعاركون في النهار، وفي المساء تجدهم جميعا يلعبون الورق ويتسامرون.. السماحة السودانية لم يكن لها مثيل في العالم العربي.. وأضاف:
ذات مساء ركبت مع أحد رموز الحياة العامة بسيارته، ورحنا نجول في شوارع الخرطوم، لاحظت أنه كان يقف أمام أقسام الشرطة، يغيب قليلا ويعود، وفي الأخير، عاد وبيده شاب ركب في المقعد الخلفي، قدمه إلي: هذا جعفر النميري أحد شباب القوات المسلحة، له نشاط سياسي …الخ.
حتى قرأت الإسم في الأخبار ذات صباح وأنه قاد انقلابا في السودان وأصبح الرئيس..
إلى أن يقول: إذا كان هنالك من عرّف السودانيين بالدم فهو النميري !!.
من بعد النميري الذي ارتقى حتى أصبح “أميرا للمؤمنين”، لم يستقر السودان وخاصة بعد أن أعدم قادة انقلاب الشيوعيين، العطا ورفاقه.. وأعدم محمود محمد طه.. برغم أن إبراهيم نقد أمين الحزب الشيوعي كان في الصفوف الأولى في المساجد..
خلال تاريخه، شهد السودان ما يقارب الـ 15 انقلابا، وصارت انقلابات العسكر شبيهة مسرحية دريد لحام “ضيعة تشرين” الصبح انقلاب يتبعه آخر قبل الغروب..
جاء الإخوان عبر العسكر وتوارى الترابي في السجن لعل وعسى !!، وقيل أن السودان يشهد تنمية لا أول لها من آخر، ليتبين أن أكبر إنجاز “انفصال” للجنوب!!.
ليأتي أبو عوف، لكن الشارع لم يقبل، فأتى البرهان، وبالتوازي تحولت المليشيات إلى جيش يوازي الجيش، ومن سخريات الأقدار أن البرهان هو من أسس الدعم السريع !!.
جيش موازي للجيش!!، وميزانية الدعم من التجارة ومناجم الذهب!، وهي من عجائب العسكر في السودان..
العسكر هناك تعودوا أن يحكموا، ولذلك ألتفوا على ثورة الشارع ضد البشير!!.
كان المؤمل أن الاتفاق الأخير سيضع أقدام السودان على طريق الاستقرار، لكن العسكر أبوا إلا أن يخلطوا الأوراق، لكنهم لم يتفقوا على كيفية تقسيم الكعكة هذه المرة بين جيشين!!.
أنفجر الوضع صباح اليوم.. ليصدر قرارا بحل الدعم السريع، ما يعني قطع الطريق على أي عودة إلى طاولة الحوار.. خُلطت الأوراق، ولن يعود السودان إلى ما قبل الاتفاق الذي لم يجف حبره، والطرف الذي سينتصر لا يمكن أن يترك للقوى المدنية أن تعود إلى الحكم..
والشارع تعب، والمتصارعين على موقع السودان على البحر الأحمر كثر..
فأي سودان سنرى؟؟
الأمر متروك لنتيجة المعارك وحسابات الإقليم والمتصارعين الكبار، وقوة بقايا نظام البشير..
15 أبريل 2023