- كتب: عبدالرزاق العزعزي
“أنت بصراوي؟” سألني ثلاثة شباب في شط العرب بالبصرة، كانوا يفتّشون في وجوه الزائرين عن غرباء على المدينة لمساعدتهم. حين أخبرتهم أني يمني، تغيرت ملامحهم، بدت السعادة على وجوههم، وزاد اصرارهم على تقديم أي نوع من أنواع المساعدة.
“منازلنا تقع بالقرب من هنا، وقد أفرغناها جميعًا لإيواء ضيوف البصرة” خاطبني بذلك وهو يُمسك يدي بكلتي يديه عقب سلامه عليّ، عرّض عليّ المبيت لديه أنا وأصدقائي، وأكد إن هذه المبادرة ليست فردية، بل نشاط اجتماعي يقوده شباب من البصرة لزائري المدينة؛ لعلمهم ألّا وجود للفنادق الكافية التي تستطيع احتضان زائري البصرة.
مع قرب تدشين حفل خليجي 25، زار البصرة الكثير من أبناء الرافدين من مختلف أنحاء البلاد، نحو مليون مواطن زاروا البصرة في الآونة الأخيرة، تصريح رسمي لهيئة المنافذ الحدودية تؤكد دخول 34 ألف زائر عبر منافذ البصرة خلال الأربعة الأيام التي سبقت تدشين الخليجي 25.
لاحظت ذلك الازدحام على المدينة، تحديدًا شط العرب، سألت عابرين عن هذا الازدحام وهل هو طبيعي أم بسبب الفعالية، أفادوا أن هذه المظاهر العيدية ليست طبيعية لمدينة لا يزيد تعدادها عن 4 مليون نسمة. بعض الزائرين يأتون في زيارات سريعة عبر شركات سياحية قدمت عروضًا سياحية لمدة يوم أو أكثر، وبعض الزائرين يأتون بشكل خاص وغير نظامي. قال شيخ قبلي في منطقة الزبير، كان قد فتح داره كمضياف “الجسد اشتاق لأعضائه” يقصد أن جميع أبناء العراق كانوا بحاجة لمثل هذه الفعالية لإعادة تماسكهم وتلاحمهم، وإن خليجي 25 أعاد هذا التماسك، وذكّرهم بواجباتهم الأخوية تجاه أنفسهم.
قال ذلك وهو قد أعلن عن فتح داره كمضياف للزائرين، مثل غيره من شيوخ عشائر المنطقة، شربنا القهوة معًا في باحة المنزل، وبجوارنا عابرين من دول خليجية، تركناه وهو يؤكد علينا بضرورة العودة إليه لتناول الغداء، كما أكد إن منزله قد أعده لاستقبال ضيوف البصرة، وبإمكاننا المبيت لديه.
مع قُرب تدشين خليجي 25 امتلأت فنادق البصرة التي لا تزيد عن 30 فندقًا بحسب زميل من العراق، ترافق مع ذلك ارتفاع أسعار الغُرف الفندقية. ومع هذه المعضلة التي واجهتها المدينة والتي تشهد طوفانًا بشريًا ما يزال يزحف باتجاهها من كافة مدن العراق وخارجها؛ أعلنت مجاميع شبابية عن مبادرة سكن لإيواء الضيوف، ألفين منزلًا تم تجهيزهم لاستقبال الضيوف، خرجت المجاميع الشبابية لتعلن جاهزيتها التامة للاستقبال، قال الشباب الذين استوقفوني على شط العرب “لدينا غرف فارغة، كل غرفة تتسع لاثنين، غرفنا مجهزة بالكامل، سنقوم بغسل ملابسكم، وإعداد وجبات الفطور والغداء والعشاء للنزلاء، والبيت مفتوح بدون مقابل”.
في الأثناء كان زيد الاصيل يقف بجوارنا، وزيد هو صديق عزيز وزميل صحفي جاء من بابل إلى البصرة (نحو 450 كم) لملاقاتي، وخلال هذا اللقاء، لم يتوقف عن ضيافته لنا، وعن تعريفنا بأن هناك كرم عراقي قد يضاهي اعتقادنا بأن الكرم أصله يمني.
لذا، لا أستغرب ابدًا من حملة التبرعات التي أطلقها عراقيون لشراء معدات منتخبنا الوطني، فهذه واحدة من مظاهر الكرم التي وإن أشعرتنا بالحزن تجاه الإدارة السيئة لاتحاد الكرة؛ لكنها تقدم لنا درسًا من بلد سبقنا في المعاناة، واستفاد من دروسه بأن أهم قيمة يمكن البناء عليها هي تعزيز وتقوية الروابط المجتمعية، والتعامل مع بعض بإنسانية، وعدم السكوت على الفساد الإداري، ليس بالنقد فقط، ولكن أيضًا بإيجاد الحلول.
..
- في الصورة، الزميل العراقي زيد الاصيل، يُمسك بالعلم اليمني، وإلى جواره زملاء وأساتذة من أبناء الرافدين