- ضياف البراق
تلك الشامخة هنالك، على قمة الحرية، إنها حبيبتي، رفيقتي بكل تأكيد، دعوها تنظر تجاهي، وتحدّق بي، وتبتسم لي كما أخالها الآن!
هكذا آمنتُ بها من مجرد نظرة واحدة، فالتصقتْ بذهني التصاقا أبديًا. وقد أحببتها هكذا لكونها حرة، وأنيقة، وناصعة الروح، وجريئة الموقف، ونبيلة الغضب، وسأعشقها أكثر، فيا لها من ساحرة، مشتعلة بالحرية والجمال، كأنها تتدفق من السماوات، مطرًا غزيرًا على أرض قاحلة، كأنها مقتبسة من معاني الثورة، وأغاني الحياة، وحكمة اليونان القديمة!
فمن اللازم إيصال هذا الخبر السار إليها: ثمة كاتب يمني شاب يقاسمكِ، منذُ اليوم فصاعدًا، كلَّ شيء، ويراقب أنفاسكِ العطرة الدافئة، ويحصي خُطاكِ المضيئة، ويتعلق بها، ويتداخل فيكِ حتى التماهي، ويقاتل بجوارك حتى النصر النهائي، فارس أصيل من أرض حِمْيَرَ يعشقك كأنك مركز الكون في حياته، ويعيش ما تعيشين، ويرفض الذين ترفضين، ويعادي من عاداكِ، ويتعلّم منك درسَ النضال العظيم، ويحيا معك، ويستقيم بكِ إلى آخر عمره!
إنها لمثيرة للدهشة، تتجاذبني كمعجزة حقيقية، وتضيء أعماقي بشُعلتها الثائرة، ومن موقعها البعيد، لكن بمنتهى السهولة كأن لا مسافة ممتدة بين كلينا على أرض الواقع. الجمال يلغي المسافة، والثورة تجعل المستحيل ممكنًا. دعوها تهزمهم، وتفضحهم، وتسعدني، وترفعني عاليًا، فمن حق الجميلة أن تدمر كل الأنظّمة، وتقول كل شيء، وأن تنتصر حتى على المستحيل، يا لكم تبدو جميلة، جميلة بلا حد، وجهًا وقفا، وقوفًا وهتاقًا، نبضًا وفكرًا، وقابلة لأن تصير سماء تسير على هذه الأرض!
لا أعرف اسمها، ولا كيف السبيل إليها، ومع هذا أشعر بأنني أعرفها كما أعرف روحي، وتعرفها مخيّلتي، وترسمها على جميع الحيطان، بماء المشاعر، وسحر الألوان، وشهوة الجنون، ومهما تكن، من أي منبع، وأي دين، وأي مذهب، وأي عرق، فإنني أعشقها، وأريدها، وأفاخر بها بين قومي وأهلي، في كل زمان ومكان، وأحفرُ صورتها على الماء والصخر، وفي اللحم والدم.
أَشِعلي النار، مزّقي الحجاب، اهدمي الجدار، غنِّي وارْقصي في الهواء الطلق. أنت ثورة الفن والحب والجمال، ثورة الحريات والحقوق، ثورة تنشر الضوء من حولها.
تلك الفتاة المتمردة المستنيرة أشجع مني بألف مرة، وأشرف وأغلى من أولئك الكهنة الظلاميين جميعًا. جوهرة وهّاجة لها من الحرية نصيب كبير، ومن البنفسج معنى عميق، ومن النور بريق فريد، وفي القصيدة تستحق مكانة خاصة، تلك هي الرسولة العظيمة، وأنا أول المؤمنين بها، وأصدق العاشقين لها، فخور بك يا فتاتي، يا ثورتنا الباسلة الطاهرة، وها إنني أعانقك بروحي وفكري، وأنحني أمامك، وأسقط بين يديك خشوعًا واحتراما، أَسقطي جميعَ السفلة والنهّابين وتجار الدين وصناع الحروب، أسقطي أعداءك، أسقطي أعداء الحياة، وعانقيني، ولا تسقطي، فإنّي هناك، قريب منك، استندي على كتفي، على قلبي، على جنوني، على أي شيء بداخلي، لا تسقطي، فمثلكِ لا مثيل لها في الوجود، انحناءاتي لك متجددة دوما وأبدا.