- كتب: عبده سالم
تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية كدولة منتصرة عقب انهيار الإتحاد السوفياتي مع مسائلة الوحدة اليمنية، وكذا استقلال إريتريا في الضفة الافريقية المقابلة كإرث سوفياتي خالص ينبغي تبديده وبعثرته واعادة صياغته وهيكلته بما ينسجم مع المعادلة الأمنية الجديدة التي نشأت عقب انهيار الإتحاد السوفياتي، وبما يتلائم مع استراتيجيات الأسواق المفتوحة؛ كأهم متطلبات النظام الدولي الجديد أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية..
ففي اليمن عملت الولايات المتحدة الأمريكية وهي القطب الوارث لتركة الاتحاد السوفياتي مع اليمنيين في الشطرين في إنجاح التسوية الوحدوية على النحو الذي يؤدي إلى بعثرة وتعويم الارث السوفياتي، وإذابة التقاليد الاشتراكية في دولة الوحدة، وكذا تبديد المنظومة التسليحية السوفياتية لدولة الجنوب السابقة في معمعة حرب صيف ٩٤م ..
وبالنسبة للضفة الافريقية المقابلة وفي سبيل تحقيق الهدف ذاته دعمت الولايات المتحدة استقلال إريتريا، ولقد كان من الواضح في حينها أن الادارة الامريكية كانت أكثر حماسا على استقلال إرتيريا من الرئيس اسياس افورقي الذي كان يقود الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا ضمن تحالف جبهات الشعوب الاثيوبية الثورية لاسقاط نظام منجستو، والهدف الأمريكي كما قلنا هو تفتيت تركة الأمبراطوية السوفياتية في القرن الافريقي، وطالما وإن أثيوبيا كانت موحدة مع إريتريا في ظل هيمنة المعسكر السوفياتي فالمفترض من المنظور الأمريكي تغيير هذا الوضع في ظل هيمنة القطب الواحد وبالتالي حتمية انفصال إريتريا عن اثيوبيا لدواعي امريكية خالصة ذات صلة ببعثرة التركة السوفياتية وقوامها الاستراتيجي واعادة ترتيب المنطقة في اطار نظام القطب الواحد، لاسيما وأن الجبهبة الشعبية لتحرير التجراي بقيادة زيناوي و هي حليفة الأمريكان في الحرب الباردة والمفوضة بتسلم الحكم في اثيوبيا كانت تفتقد لمهارات حكم الدولة، في حين أن المهارات التي حكمت اثيوبيا من أيام سلاسي ومنجستو هي مهارات إرتيرية خالصة وهذا ما جعل أمريكا أكثر حماسا في بعثرة كادر الحكومة الموحدة كونها مهارات ذات صيغ اشتراكية لا تتناسب مع سياسة الأسواق المفتوحة؛ فضلا عن الحرص الأمريكي في تبديد الترسانة العسكرية السوفياتية في حروب ثنائية بين الدولتين..
الآن من الملاحظ أن منطقة ضفتي البحر الأحمر تشهد تفاعلات أمنية، ففي الضفة الاسيوية يحتشد المجلس الانتقالي من أجل الانفصال، وفي الضفة الافريقية هناك تفاعلات وحروب أمنية وأيضا دعوات قومية كوشية لاستعادة امبراطورية كوش الموحدة؛ ولكن ورغم كل هذه التفاعلات في الضفتين لازالت مخرجات النظام العالمي القطبي الواحد حتى اللحظة كماهي منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، إذ لم تشهد هذه الخارطة القطبية أي تحريك، ومع استمرار الحرب الأوكرانية والتورط الروسي فيها واستعادة الأمريكان لزمام المبادرة فان المؤشرات تبدو واضحة بأن تلك الخارطة ستظل ثابتة ولو نسبيا وبالتالي لا نتوقع أن يقبل النظام القطبي الأمريكي الواحد أي تغيير في ثوابته، أو تبديل في خارطته المرسومة؛ أو السماح بأي خروج عن سياقات وتنظيم حلقات المنظومة الأمنية للقطب الواحد، وهاهي جمهورية أرض الصومال لازالت تفتقد إلى الاعتراف الدولي رغم أنها دولة مستقرة وراسخة واجرت خمس دورات انتخابية ولكنها لا زالت حتى الان في انتظار تحريك مربعات الخارطة الدولية التي أرساها النظام الدولي أحادي القطبية منذ سقوط معسكر السوفياتي.