- كتب: حسين الوادعي
جذبت فصائد نزار قباني الملحنين منذ خمسينات القرن الماضي، لكن كان لا بد لشاعرية نزار انتظار عبقرية عبد الوهاب لتحدث ذلك التحول في الأغنية العربية الحديثة.
وكان نزار محظوظا بجيلين من الملحنين العرب استطاعوا فهم كيمياء شعره والجو النفسي والاجتماعي لقصائده وترجمتها إلى موسيقى راقية.
الجيل الأول هو جيل عبدالوهاب والأخوين رحباني ومحمد الموجي الذي بنى على شاعرية نزار المتفجرة بناء موسيقيا عرييا جديدا.
والجيل الثاني هو جيل احسان المنذر وجمال سلامه وحلمي بكر الذي قدم في التسعينيات تجديدا فنيا للنزاريات نقلها إلى اسماع ملايين العرب.
بين الجيلين الكبيرين حاول مطربون كبار الاقتراب من حقول نزار قباني الشعرية لكنهم لم ينجحوا في فهم خرائطها واقتطاف ثمارها وغادروها بأصابع مجروحة .
من بين هؤلاء كبار الاغنية الخليجية طلال مداح ومحمد عبده وخالد الشيخ الذين قدموا ألحانا أقرب إلى الأناشيد المدرسية.
لكن يظل كاظم الساهر أسوأ من لحن لنزار قباني وتسبب في عائق جمالي بين القراء الشباب العرب ومعجم نزار الشعري المتفرد.
ولكي لا اتهم بالمبالغة أدعوكم فقط لمقارنة الجمل الشعرية العبقرية التي قدمها احسان المنذر لأغنية كلمات التي غنتها ماجده الرومي، وبين كيفية تلحين كاظم لأغنية طوق الياسمين بصوت ماجدة أيضا!
قدم المنذر تحفة فنية خالدة، بينما ارتكب عاصي مجزرة فنية بحق شعر نزار وصوت ماجدة الرومي.
وقارنوا كيف قدم حلمي بكر لحنه الجميل لأغنية اغضب بصوت أصالة، وبين الضجيج الموسيقى الذي ارتكبه كاظم بحق قصائد زيديني عشقا وقولي أحبك.
وقارنوا بين لحن جمال سلامه الرائع لأعنية عيناك ولحن كاظم المعاق لاغنية وعدتك.
ولا داعي لأن اتطرق لألحان كاظم النزارية للطيفة، تلك الألحان التي وقعت بين فكي محدوية موهبة كاظم وابتعاد صوت لطيفة عن العالم النزاري.
تساءل الشاعر الكبير سعدي يوسف بحرقة عن السبب الذي جعل نزار قباني يسكت على عبث كاظم بقصائده..
لكن قد يكون لنزار أسبابه الشخصية . فالى جانب السبب المادي، قد يكون نزار رأى في كاظم، بنرجسية الشاعر، شابا متواضعا يمكن استخدامه كوسيلة لتوسيع قاعدة قرائه من جيل الشباب.
شاب يلتزم بنص القصيدة دون تغيير (وهذا احد اسباب خلافه مع عبدالحليم)، ويقدم لحنا لا يطغى على جمال الكلمات (وقد يكون هذا أحد أسباب غيرة نزار من ألحان عبدالوهاب والرحباني) .
لكن نظرة نزار إلى كاظم كجير عبور سريع إلى الجيل الجديد لم تكن ذكية بما يكفي.
فقد خلق كاظم عائقا جماليا بين القراء الشباب وشعر نزار، وتسبب ضجيجه الموسيقى في تفكيك كيمياء قصيدة نزار اللاذعة، وبدلا من الارتفاع بالجمهور إلى مستوى شاعرية نزار، أنزل كاظم شعر نزار إلى قاع ألحانه المحدودة والرتيبة.