- كتب: أحمد السلامي
إذا كانت الحياة رواية، فثمة مجتمعات ترتكب حماقات وأخطاء كارثية، إذ تمنح من ليس جديرا بالإحاطة بآلامها وأحلامها الحق في بناء سرديتها نيابة عنها، فتمسي أمام سردية مختلفة لا تخدم الأمة ولا تعبر عنها، بقدر ما تستهدف إضاعة وجهتها وتخريب أولوياتها لصالح مجموعات فاسدة، قد تحركها العنصرية والتسلطية والنزعات الإقطاعية المموهة بالخرافات الدينية والمذهبية، أو المرتهنة لمهيمنات خارجية، أو كل هذا الخليط من الدوافع التي تتحد لتكوين خلطة جهنمية، تعين من يختطتف سردية الأمة على صوغها بما يتناسب مع مصالحه ومصالح من يحركه، سواء كان فكرا ماضويا أو حليفا خارجيا، أو رغبات في استعباد الناس وطمس هويتهم ونهب حقوقهم بتجهيلهم وسرقة روايتهم حول أنفسهم، ومحو تصورهم لهويتهم التي تكانت أساس يقظتهم والمحرك الأول لسعيهم نحو تطوير كينونتهم.
وإذا كانت الأخطاء في السرد المكتوب تنكشف للقارئ وتنحصر فضيحتها داخل النص وحده، فإن الإجرام في سرديات الواقع يحظى بالتستر والتجميل والتطبيل.
وقد تجرح أخطاء السرد في الروايات المكتوبة متعة وذائقة القارئ الذكي فحسب، لكنها لن تدفعه في النهاية إلا إلى استبدال الكتاب الرديئ بالكتاب الجيد، بينما تتسبب أخطاء سرديات الواقع في كوارث وتؤسس لحقائق زائفة، وأول من يبرر لها ويحرسها هم بعض الكتاب والسياسيين الذين يمزجون الذكاء بحقارة نفوسهم وفسادهم وتلذذهم بتسويق الخطأ وحمايته وتجميله.
وكم من سرديات زائفة يمررها الخونة في حياتنا، ويحاولون إلصاقها بمصيرنا لجعلها قاعدة هشة لمستقبلنا؟
وقد نتعلم من الكتب الرديئة ومن الروايات البائسة ما يدفعنا إلى تقدير الكتب والروايات الأخرى التي تتميز بتفوق جمالي وتشع منها الأفكار والرؤى الخلّاقة، فيما لا تمنحنا سرديات الواقع البائسة والقائمة على الغش والتزييف سوى المزيد من الكهنة الذين يخلصون في تجميل كل قبيح لترسيخ سردياتهم والتعلل بأخطاء غيرها من أجل تمرير قبائحهم التي لا تغتفر كلما وضعناها أمام السردية التي تعيد الوطن إلى صوابه وتحفز مشاعر الولاء والانتماء إليه على استعادة النبض في الخلايا والأوردة. وتلك هي السردية الأبهى والحلم الأشهى.
وسرديتنا الجماعية في اليمن بكل جهاته بلا استثناء تستند جوهريا على ثورة 26 سبتمبر التي تستحق وعن جدارة أن توصف بالخالدة، فاستعيدوا مجدها وتأملوا محطاتها وأهدافها واحفظوا تاريخها لتبقى سرديتنا الملهمة وباعثة وجود وكينونة اليمن الجديد.