- عبدالكريم الرازحي
بعد المغرب خرجتُ مع شمس الوادي نحمل العلف والماء للحمار وفي طريقنا ألى -العارضة- سألتنا شمس وقالت لي:
- اين قريتك ياعبد الكريم؟ هي بوادي والا بجبل؟!!
قلت – قريتي براس جبل
قالت: قريب والابعيد !!
قلت:”بعييييييييد نوصل نُص من الليل”
قالت وهي مذهولة: - “والطهاشة.. ماتفتجعش من الطهاشة ولامن الجن وانت وحدك بالليل !!
قلت لها : مو عادنا بصف اول والا بصف ثاني شفتجع !! قانا بصف ثالث!!
وطلبت مني أن احكي لها شيئا من مغامراتي في الليل مع الطهاشة والجن وبعد تردد قلت لها: - “مرة وانا (بين الوادين) لقيت طاهش وكان جيعان يصيح من الجوع ويكاردنا وناوي يأكلنا انا والحمار وكنت انا مفجوع والحمار مفجوع ومن الفجعة كنت اضرب الحمار بالحُكَّال واقول له:
- إجري انا ربيعك ِالطاهش بعدنا.. إجري انا فدالك ..الطاهش لو لحقنا شِكُلَك وشِكُلنا”.
- وكان الحمار يجري والطاهش يجري وبينهم سباق
- ولشدة ماكانت شمس مرعوبة من كلامي توقفت وتجمدت مكانها وقالت لي:
- -“قشببتو ياعبد الكريم.. كلامك خلاني اقشبب..من صدق كان الطاهش يكاردكم والا تكذب!!
- قلت: من صدق مو اكذب
- قالت وهي تتعجل معرفة نهاية السباق بين الحمار والطاهش:
- – “وبعدا مُوْوِقِع!! خَيْنَا الطاهش اكل الحمار” !!
- قلت :”لا، مو قدره ياكل الحمار”
وتوقفت ثانية وقالت :” موعملت له” !!
قلت:” قلبت الرَّكْبَة وِرِكِبتْ بالمقلوب وبدل ماكان وجهي لاجهة الحمار وظهري لاجهة الطاهش رجَّعت ظهري للحمار ووجهي للطاهش “.
قالت شمس الوادي وقد اكتسى وجهها بالفزع:
-” لِمَوْأكَّهْ عِملت؟ مُو انتا مجنون!! الطاهش بدل مايقفز لافوق الحمار شقفز لافوقك والحمار شهرب”
وسألتنا وهي مفزوعة : - “وبعدا موعملت مع الطاهش”؟
قلت: - “كان معي تِرِيْك وكنتو لما اشوف الطاهش يقرُب اشقَح بالتِّرِيْك لاوجهه والطاهش يهرُب”
ولم تكن شمس تعرف ماهو التِّرِيْك واستحت تسألنا حتى لاتكشف لي المزيد من جهلها لكنها ضحكت وفرحت لأننا غلبت الطاهش.. وسألتنا عن الجن!! وهل صادف أن التقيت بهم في الوادي أو في الجبل!! وكيف كنت افعل عندما ألتقي بهم!!
قلت لها: “مرة واناطالع النقيل شفتو حماري خايف ويرجع لاورا وكنتو اقول بيني وبين نفسي:
لِمَوْحماري مفجوع ؟ موفجَّعه؟ لمو يرجع لاورا؟ “
وكنت اضربه بالحُكّال اشتوه يطلع طلع وهو ينزل نزل وبعد ماتعبت من ضربه قلتو بيني وبين نفسي: - “الله اعلم مو هو اللي فجَّعُه!! لايكون ابصر حنش أو طاهش وبدل من الضرب بالحكال خرَّجت التريك ولصيتوه وشقَحت بُهْ لاقدام الحمار قلتو خينا يكون في حنش وبعد ما شقحت به لافوق شفت دُقْم كبير وشفتو فوق الدقم جنية عجوز تبول وكان بولها غزير ينزل مثل السيل”.
- وتوقفت شمس للمرة الثالثة وسألتنا : “كيف ابصر الحمار الجنية بالغدرة” ؟
قلت:” الحمار ياشمس مش هو مثلنا نحنا نبصر بالنهار ونعتمي بالليل ومانقدر نسير بالغدرة.. الحمار يبصر بالنهار وبالليل، بالضوء وبالغدرة ولو في جن الحمار يبصرهم واذيك الليلة ابصر الجنية تبول فوق الدقم وافتجع لكن بعد ماشقحت بالتريك لاوجهها هربت الجنية من فوق الدقم”، ولم تستطع شمس حينها أن تكتم فضولها وتواصل احتفاظها بجهلها فسألتنا: - مو هو التريك؟ بندق والا مو هو!!
قلت لها: - “لا مش هو بندق ولا يخرج منه رصاص. “
- قالت: مو يخرج منه ؟
- قلت:”يخرج منه ضوء مثل ضوء الزارقة والطاهش لما تشقح بالتريك لاعيونه يعتمي والجني مايقدر يجلس بمكان بُه ضوء واذا شاف مكان بُه ضوء يهرب للغدرة “.
- وذُهِلت شمس واشتد دافع الفضول لديها ..
- وسألتنا عن التريك؟ واين هو؟ ومن اين اشتريته؟فأخبرتها بأننا اشتريته من الراهدة وموجود بخرج الحمار ..
- وكانت شمس تُكثِر من الأسئلة والسبب أن أهالي الوادي كانوا أكثر جهلا من سكان الجبال رغم قربهم من الراهدة ومن طريق الحمير ..
وقبل أن نصل “العارضة” سألتنا شمس الوادي عن الراهدة وماذا يوجد فيها ؟
واخبرتها بأن فيها سيارات تنقل الركاب لا عدن وبوابير تنقل البضائع وفيها مقاهي ودكاكين تبيع كل حاجة
وعندما قلت لها بأن السيارة تحمل أكثر من عشرين راكب والبابور الواحد يحمل بضاعة تساوي حمولة مئة جمل توقفت مذهولة وسألتنا عمن خلق السيارات والبوابير وهل هو الله أو شخص آخر !! - “تقول منو اللي خلق السيارات والبوابير !! الله والا واحد غيره!!
قلت لها: “النصارى هم اللي خلقوا السيارات وخلقوا البوابير والطيارات وخلقوا التريك حقي”، ولشدة ماكانت راغبة في المعرفة سألتنا عن الراهدة، وهل هي بعيدة !!
قلت لها: “الراهدة ورا الوادي ”
قالت: وعدن ؟
قلت: عدن بعد الراهدة .. لكن الراهدة يوصلوا لها بالحمير.. أما عدن مايقدروش يوصلوا لها بالحمير يوصلوا بالسيارات..
قالت: ومو هي البلاد اللي بعد عدن؟
قلت: مصر
ولم تكن شمس الوادي ولا امها قمر ولاجدتها فانوسة ولا احد من سكان الوادي قد سمع عن مصر ولا عن جمال عبد الناصر والسبب أن الراديو الذي كان قد وصل إلى القرى المعلقة في رؤوس الجبال لم يكن قد دخل بيوت وقرى الوادي..
وعندما سألتنا شمس الوادي عن مصر وهل يوصلوا إليها بالحمير أو بالسيارات؟
قلت لها: “مصر بآخر الدنيا ويوصلوا لها بالطيارات”
كنت أحدثها بزهو وكانت هي مندهشة من غزارة معرفتي بالعالم وعندما وصلنا العارضة وأنزلت من على رأسها علف الحمار اسقطت الريح غطاء رأسها، وعلى ضوء الفانوس رأيت شعرها وهو ينسكب بغزارة إلى حقوها، وتمنيت حين رأيته لو ألمسه وأمشطه بأصابعي لكني بدلا من ذلك رحت أمشط شعر الحمار. كان الحمار مستلقيا في نفس المكان الذي تركته فيه وكان في ظنه أني قد تركته ونجوت بنفسي لكنه بمجرد ما ابصرنا وابصر بجانبي بنت حلوة تحمل له الطعام فرح وانتعش ونهض لاستقبالنا.. وفيما راح يلتهم طعامه رحت افتح الخرج واخرج منه التريك وبعد أن أخرجته أستدرت جهة الوادي ولشدة الظلام لم نكن نبصر الوادي وإنما كنا نسمع صوت دوي السيل وحين ضغطت على زر التريك ذهلت شمس الوادي لحظة أبصرت شعاع الضوء ينطلق بأسرع من الرصاصة وأطلقت صرخة من دون وعي: - واااو موذا !!
كانت مذهولة من السرعة التي ينتقل بها ضوء التريك وكيف أنه يصل إلى الجانب الآخر من الوادي في نفس اللحظة التي أضغط فيها على الزر ولم تكن شمس قد أبصرت من قبل ضوءً يتحرك من مكانه ويجري بتلك السرعة وقالت مستغربة:
– “لمو ضوء الفانوس جالس مكانه؟ لمو مايجريش ويروح لابعيد مثل ضوء التريك؟
على ضفة الوادي جلسنا والسيل من تحتنا وكانت شمس مبهورة من ضوء التريك وانا أصوبه باتجاه أهداف متعددة كما لو اني أصوب بندقية وعندما صوبته باتجاه وجهها فُزِعت وقالت وهي تغطي عينيها بكفها: “شتعميني ياعبد الكريم “
- وفي تلك اللحظة فقط شعرت شمس الوادي بأن كل ماقلته عن الإتريك صحيح وفي نفس الوقت لم أمن أشعر بأنني أكذب عليها كنت صادقا معها وكنت كلما كبرت أزداد يقينا بأن كل تلك الكائنات المخيفة والمتوحشة، التي تعيش في الظلام وتنبثق من قلب الظلام وتقيم ممالكها وعروشها بقوة الظلام، هي كائنات هشة تخاف من الضوء والنور وبمجرد أن يُسلّط الضوء عليها حتى تتوارى وتتلاشى وتختفي للأبد.
- كانت شمس الوادي تنظر للتريك وكأنه أعظم اختراع يصل إلى الوادي..
- ولشدة ماكانت منبهرة به وبالضوء المنبعث منه
- قالت وهي تحملق فيه باشتهاء:
- “الله مااحسنه التريك ياعبد الكريم”
وحتى أدخل الفرح إلى قلبها وضعته في يدها وقلت لها : - “مني لك”
وفرحت شمس لكنها مالبثت أن تذكرت بأنه سلاحي ضد الطهاشة والجن وغيرها من كائنات الليل ووحوش الظلام وقالت وهي تحاول اعادته إلي: - الطهاشة والجن لو ابصروك بالليل وانت وحدك بلاتريك مو تحسب شسيبوك!! واني مو تحسبني طمَّاعة ومافيش معي قلب !! أني افتجع علوك ياعبد الكريم !!
وكدت أذوب وأتلاشى عندما سمعتها تقول:” أني افتجع علوك ياعبدالكريم”
قلت لها:” شلوه ياشمس وانا ششتري لي واحد ثاني”
وعندما شعرت شمس الوادي بأننا تخليت لها عن التريك بقناعة تجملت مني ووضعت كفها في كفي وشبكت أصابعها بأصابعي وشعرت لحظتها بتيار من المشاعر والأحاسيس اللذيذة والدافئة يصل بيني وبينها لكأنها أهدتني كنزا بدلا عن مصباحي اليدوي، وذكرتني رطوبة كفها ونعومة أصابعها بكلام كنت قد سمعته ذات يوم من حمَّار في مقهى عبدالله سيف بالراهدة وكان الحمَّار يقارن بين بنات الوادي وبين بنات الجبال ومما قاله يومها:
-” بنات الوادي رطِبَات أرطب من بنات الجبال وابزاءِهِن ينبتُوا قبل ويبلغين بدري”، وحين لمستُ رطوبة كفها ونعومة أصابعها رحتُ أتساءل بيني وبين نفسي عن- الأبزاء -تلك الأشياء المستديرة والمكورة التي تنبت في صدور البنات وتشبه الحُرْحُر والفرسك والرمان، وتمنيت لو أعرف إن كانت تلك الفاكهة اللذيذة والمحرم لمسها على غير الازواج قد نبتت في صدر شمس الوادي أم لا!!
وفيما أنا أفكر في صدرها التفتت شمس الوادي ناحية الحمار وقالت لي: - “كانت جدتي تقول لك سيِّب الحمار وانت ولارضيت تسيِّبه لمو؟
- قلت: حرام اسيبه
- وظنت شمس بأن الخوف من أبي ومن أمي هو السبب في اصراري على إنقاذ الحمار ..
- لكنها تفاجأت حين أخبرتها عن الصُّحبَة بيني وبينه وعن حبي له وقالت وهي تضحك:
- – “من صدق تحب الحمار!!
- قلت: صاحبي أحبه واخاف علوه وارحمه
- وكانت شمس الوادي تضحك من كلامي وتستغرب وتقول:
- -“جدتي مش هي داري إنك تحب الحمار”
- ولحظتها تذكرت العجوز وسألت شمس عن اسم جدتها فقالت بأن اسمها: ” فانوسة “
- وكتمتُ ضحكةً كانت على وشك أن تنفجر وقالت شمس:
- – لمو ضحكت؟ خينا ما اعجبكش اسم جدتي !!
- قلت:”الَّا اعجبنا بس ضحَّكنا اسم جدك”
- قالت وهي مستغربة: “مودرَّوك باسم جدي !!”
قلت: داري
قالت:” هيا قل لي مو هو اسمه لو انت داري” ؟
قلت:” مادام جدتك اسمها فانوسة اسم جدك فانوس”
وضحكت شمس من هبالتي وكسرت ضحكتها الحاجز بيني وبينها وقلت لها: - “انا اعرفك ياشمس من زمان”
واستغربت شمس من كلامي وقالت لي: - “عادك اليوم ياعبد الكريم شفتني وعرفتني”
قلت لها:”اعرفك من زمان من أول مرة رحت الراهدة ابصرتك عندبير الماء وبعدما ابصرتك قلبي دق وبعدا كنتو كلما جزعتو جمب البير بالسرحة والا بالرجعة أحس قلبي يدق”.
قالت شمس وقد تفاجأت بكلامي: “ولمو تحس قلبك يدق” ؟
قلت: مُوْدرّانا !!
قالت شمس: والله انك داري.. هيا قل لي لمو قلبك يدق؟
قلت: “لو قلت لك لِمَوْخايف تِحْنَقِي”
وبعد أن حلفتْ لي يمين بأنها لن تحنق تشجعت وقلت لها: - “انتي مَلِيْحِة ياشمس صورتك تجنِّن”
وفرحت شمس من خبري وقالت لي: - “خبرك مليح والبنت ماتحنق الا من الخبر الخيبة”
قلت: “باقي معي خبر ثاني وخايف تحنقي”
قالت: “والله ياعبد الكريم بعدما علمتني اكتب اسمي ما احنق منك”
قلت: “أنا أحبك ياشمس وافرح بالسرحة للراهدة على شان أشوفك.. أحيان كنت اشوفك على السرحة، واحيان على الرجعة، ولما مااشوفكش لا بالسرحة، ولا بالرجعة، أكون مثل اللِّي قَوْشِبكي”، وبعدما اعترفت لها تسارعت دقات قلبي ونشف ريقي وتبلّدت وبقيت أترقب رد فعلها وانا خايف وحالتي حالة..
وتفاجأت شمس بكلامي وقالت لي: منو علمك آذا الخبر !!
قلت لها وانا مفجوع وموجوع من ردها :”هيا.. انتي حلفتي يمين انك مشتحنقيش لمو رجعتي تحنقي !!”
قالت:” ماحنقتوش بس كيف حبيتني وانت عادك زغير مابلغتش”..
ولم أكن أدري يومها ماذا يعني بلوغ الولد أو بلوغ البنت، فقط كنت أسمع بان الولد الذي يبلغ هو الذي من حقه يتزوج والبنت تكون بالغة عندما تنبت في صدرها تلك الأشياء المكورة التي تشبه الكُرَات وقباب الاولياء.
وعندما قالت لي: “انت عادك زُغِير” ..
قلت لها: “وانتي عادك زُغِيره” ..
قالت: “منو قال لك انني زغيره أني أكبر منك وقاني بالغ”..
وعندها تذكرت كلام الحمَّار في مقهاية عبدالله سيف بالراهدة وقوله: “بنات الوداي يبلغين قبل بنات الجبال.”
وبدا لي من كلام شمس الوادي بأنها ترفض حبي لها وتستخف بي لكوني مازلت تحت سن البلوغ وكأنه ليس من حقي أن أحبها ثم أنها سألتنا وقالت لي:
-“لمو حبيتني وماحبيتش بنت من قريتك؟؟
قلت: “بنات الوادي ملاح ورطبات” ..
ولحظتها سحبت شمس كفها من كفي وفصلت أصابعها عن أصابعي وانفصل التيار وشعرتُ بعد أن تركتْ يدي معلقة في الهواء كأننا معلق فوق هاوية.
كانت قد زعلت مني وتخلت عني لقولي بأنها رطبة وشعرت بالندم ورحت ألوم نفسي بسبب تلك الكلمة اللعينة التي أفسدت جلستنا وفرقت بين أصابعنا، وتسببت في انقطاع حبل الكلام بيننا وعندئذٍ نهضنا من مكاننا وعدنا إلى الدار، ومن شدة ندمي وحزني لذت بالصمت وسرنا صامتين متباعدين وفي منتصف المسافة كسرت شمس زجاج الصمت الجارح وقالت لي: - “عادك ناوي ياعبد الكريم تعلمني القراءة والكتابة والابطّلت!!”
قلت لها وقد اكتسى صوتي بالحزن:
-“مرة ثاني وانا رايح الراهدة شاجزع لك دفتر وقلم ورشيدة”..
ولاحظت شمس الوادي بأني حزين وقالت: - موبك !!
قلت: “ولابي حاجة “
لكن صوتي كان حزينا ومبتلا بدموعي ولحظتها اقتربت شمس مني ومسكت يدي و دستها في فتحة صدرها، وقالت لي وهي تمررها فوق نهدين صغيرين بحجم حبات البلس الرومي: - تسمع قلبي يدق ياعبدالكريم أو لا!!
قلت وانا لا أكاد أصدق: - “آوه أسمعه يدق”.
قالت وهي تضغط بيدها على يدي: - إحلف يمين انك تحبني
- قلت: والله العظيم والبار الرحيم إننا أحبك
- قالت: “إحلف انك مشتنسينيش”
- قلت: “والله العظيم والبار الرحيم ماشنسيكش”
- قالت: ” إحلف انك شتكون تجزع عندنا بعدما ترجع من الراهدة”.
- قلت: “والله العظيم والبار الرحيم شاكون اجزع”
وتمنيت لو أن تلك اللحظة تتجمد وتدوم للابد لكن شمس الوادي أخرجت يدي من جنة صدرها، واقفلت الفتحة المؤدية للجنة.. فيما كنا نقترب من الدار كانت الجدة فانوسة في الطاقة تسأل عن سبب تأخرنا فقالت لها شمس: - “الحمار ياجدة كان مريض مارضاش ياكل”
- قالت جدتها: “الحمار بُه فجعة من السيل يشاله ميسام”..
- وحين وصلنا طلبت الجدة من ابنتها قمر أن تقدم العشاء:
- “قربي ياهند العشا ء الفقي يكون جيعان”..
- قالت شمس محتجة:
- – “ياجدة قلت لك عبدالكريم مدرس مش هو فقي”
– قالت لها جدتها فانوسة بأن الكلمة “مدرس” كلمة جديدة عليها وثقيلة على لسانها ولم تسمع بها ولاتستطيع نطقها لثقلها وصعوبتها وبعدها قربت هند العشاء فتة هند بالمرق والسمن ولحمة الديك..
- وبعد أن أنتهينا من العشاء ذهبت الجدة إلى غرفتها وطلبت من ابنتها قمر ومن حفيدتها شمس أن تذهبا للنوم وتتركاني أنام وحين طلبت الأم من ابنتها شمس أن تذهب للنوم أعترضت وقالت لها:
- – “يمَّا عبدالكريم شعلمني القراءة والكتابة “
- قالت لها امها: “عبدالكريم تعبان ويكون فيبه نوم وشبكر مسافر”..
- قلتُ للأم:”ماناش تعبان ولافيبي نوم”
- وفرحت الأم عندما رأتنا متحمس لتعليم بنتها وقالت:
- “انتم أهل الجبال متعلمين وتحبوا التعليم”..
- وشكرتنا لحماسي في نقل المعرفة من الجبل إلى الوادي ومما زاد من تقديرها لي هو استعدادي للتضحية بنومي في سبيل تعليم بنتها وكانت الأم قمر سعيدة لأن بنتها ستكون أول بنت تقرأ وتكتب بالوادي وقالت لي قبل أن تذهب للنوم:
- -” كن وانت راجع من الراهدة اجزع عندنا وارقدلك أونا بدل ماتروِّح بالليل وامك تفتجع علوك”
- وبعد أن ذهبت للنوم قلت لبنتها شمس:
- – الليلة ياشمس شاعلمك أبجد هوِّز ..
- لكن شمس الوادي قالت لي وهي تضحك:” الليلة أني شاعلمك ياعبدالكريم “
- قلت -وانا مستغرب من كلامها- موشتعلمينا!!
- قالت وهي تقترب مني وتلصق بي وتهمس في أذني:
– “شاعلمك البوس”.