- قادري أحمد حيدر
الإهداء إلى الصديق والرفيق مرتضى حسن عبدالقادر
مرتضى، وجد ليكون قائداً سياسياً، ومنظماً حزبياً، هكذا كان من أول سنوات دراسته الإعدادية والثانوية، ألتحق بالحركة السياسية الديمقراطية مبكراً (الحزب الديمقراطي الثوري)، وكان محل إعجاب الجميع بدماثة أخلاقه وصبره على المكاره.
تزاملنا من آواخر الستينيات وبداية السبعينيات في مدينة الحديدة.
مرتضى وأنت معه وتحاوره تشعر أن الوطن بخير رغم كل ما يحصل فيه من كوارث، وكان دائماً ينظر للضوء في أخر النفق، وكان يهندس بفكره وسلوكه اليومي ومواقفه كيف يقربنا من ذلك الأمل/ الحلم الذي نراه بعيداً ويراه قريباً.
خمسون عاماً ،وأكثر، من الكفاح السياسي الديمقراطي والمدني قضاها مدافعاً عن قضايا الحرية، والوفاء للأصدقاء وللحزب الذي كان يحزنه ما آلت إليه أوضاعه من بؤس.
مع مرتضى ، وبحضوره البهي،وصفاء روحه،كان يمدنا بطاقة ايجابية عظيمة، حتى وهو في قمة التعب(إنهاك المرض), كان يشعرك أنه أقوى من بؤس وعنف الأوضاع السيئة، كان مثل زرقاء اليمامة يرى للبعيد ، مؤكدا أن الآتي هو الأجمل.. غادرنا وهو في ذروة هذه الروحية العظيمة من الحب للجميع،وفي حالة ترقب دائم لإنتصار إرارة الشعب على العفن السائد الذي انهك روح البلاد.
لمرتضى حسن عبدالقادر الصديق والقائد السياسي النبيل الرحمة والخلود في سماء الوطن،ولإسرته الكريمة جميل الصبر.
إن انتفاضة الشباب والشعب في فبراير 2011م، هي أول محاولة في التاريخ السياسي والاجتماعي والوطني اليمني تفتح أمامنا باباً واسعاً لتجاوز تاريخ العنف والاستبداد التاريخي.. هي بحق أول محاولة تجمع بين الثورية، وبين السلمية، وبين الحراك الجماهيري الشعبي، للانتقال إلى مرحلة تعددية وديمقراطية، للخروج من نفق العنف والحروب وعمل قطيعة مع الاستبداد التاريخي.
ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد كانت الدولة العميقة وقواها، وبالتحالف مع الخارج (الكفلاء)، يترصدون للسلمية بالانقلاب والحرب ، ذلك ان السلمية كانت تعني تمهيد وتعبيد الطريق نحو القبول بالآخر ،والتعددية، والاهم بناء الدولة، دولة الحقوق،والمواطنة.
وفي الحقيقة أن طرفي معادلة الحرب،(صالح/الحوثي), لم يتعظا من التاريخ : من ذهب للثأر والانتقام من انتفاضة الشباب والشعب في فبراير 2011م، ومن فكر بعد ذلك، وما يزال يفكر باستعادة حكم الإمامة/ الولاية، ضدا على إرادة أغلبية الشعب، وخارج شروط العصر، وفي معاداة ومناقضة لفكرة التقدم الاجتماعي التاريخي، وهو ما نعيشه اليوم، وجميعهم،علي عبدالله صالح، والحوثيون، راكموا شروط استدامة عدم الاستقرار السياسي في البلاد، بعد قرارهما بالقيام بالانقلاب والحرب، الحرب التي أدخلت الخارج طرفا مقرراً وحاسماً في المعادلة السياسية اليمنية.
وهنا علينا الاقرار ان الانقلاب والحرب على مشروع بناء الدولة الاتحادية، لم يقد إلى تدمير راس المال المادي “المؤسسي”والرمزي والمعنوي، الذي صنعه وراكمه الشعب والدول اليمنية طيلة قرون، بل انه آسس موضوعيا لوجود دويلات مليشوية : مذهبية وطائفية وقبلية وجهوية، وساهم في انتاج انقسام اجتماعي متخلف، أوضاع يؤثر استمرار وجودها ليس على اوضاعنا اليمنية(الداخلية),بل سيطال أثرها التدميري كل المنطقة، بما فيه الدول التي تمول وتحرك هذه المليشيات في بلادنا ، وتتعمد استدامة الحرب.
وبهذا المعنى، فإن نتائج الانقلاب والحرب – طال الوقت أم قصر- سيأتي ليس على ما تبقى من نظام حكم علي عبدالله صالح، بل وعلى كل منظومة النظام ؛ الإيديولوجية، والسياسية “الدولة العميقة” .. وباختصار، يمكنني القول إن بداية أفول نجم علي عبدالله صالح، وزوال نظامه الخاص، بدأ وكان مع لحظة احتكاره للسلطة بيده، وتوجهه لتوريث الجمهورية والدولة في الأبناء، والاخطر ضربه وتفكيكه وتدميره للمرتكزات المادية والموسسية لبناء الدولة الوطنية الحديثة،وهو البعد الأول، لزوال حكمه/ وملكه.
أما البعد الثاني، فكان في توجهه وجماعته الصغيرة، “الزبائنية”, إلى إفقار وتفقير المجتمع، وتراجع أي توجه جدي للتنمية الاقتصادية/ ولخدمة المشاريع الانتاجية للمجتمع، وتوجهه لتفكيك الاقتصاد (الخصخصة)، الذي أدى سريعاً إلى ضرب الطبقة الوسطى، وفقدان التوازن الاجتماعي والطبقي النسبي الذي كان، وحرمان قطاعات واسعة من المجتمع من أي فرص للعمل وللإنتاج، بعد أن جرى تفكيك وبيع وتدمير مؤسسات الدولة الاقتصادية والصناعية لجماعته الصغيرة، وإلى ضرب رأس المال الوطني، في المقاولات وفي الصناعة والتجارة، والعمل على خلق طبقة تجارية واقتصادية طفيلية من المنتفعين السياسيين الجدد، الذين كونوا ثروات طائلة من خلال علاقاتهم بالسلطة / رأس المال السياسي، الذي بدأ يتدخل ويقرر في تحديد معنى الاقتصاد والتجارة في البلاد، بل وفي تحديد معنى ومفهوم السلطة، وباتجاه تفقير وتهميش غالبية فئات وشرائح وطبقات المجتمع . وهنا بدأ الاصطدام الصامت، والمعلن، مع أطراف واسعة من قوى المجتمع السياسية والمدنية، بما فيه قطاع واسع من الفئات والشرائح الاجتماعية التي كانت تمثل قاعدة اجتماعية لحكمه، في صورة” المؤتمر الشعبي العام”.
في تقديري، أن أسباب جميع انتفاضات وتمردات الشباب والشعب العربي، كان يقف خلفها هذان البعدان، أو السببان وبصورة مباشرة.
فإذا كان ذلك هو واقع الحال والذي قاد الشباب العربي للانتفاضة والحلم بالتغيير، فكيف بنا ونحن اليوم نعود القهقرى إلى ما قبل الدولة، وما قبل الوطن والشعب، وفي حالة غير مسبوقة في التاريخ السياسي اليمني، والعالمي من احتكار السلطة والثروة بيد جماعة صغيرة، حيث يتم حرمان أغلبية الشعب في الشمال والجنوب – بدرجات متفاوتة – من الحد الأدنى للعيش شبه الكريم، حتى صار البعض منا يتمنى أن يبقى تحت خط الفقر، ولا يتدحرج نحو السقوط من هاوية الجوع، إلى قاع الموت المحقق، الموت الذي يلاحقنا في كل ساعة ويوم (شعب كامل يتعرض للتسول في وضح النهار، وللأكل من القمامة حتى بيع الأعراض في سوق النخاسة)، بعد امتناع سلطتي صنعاء وعدن، عن صرف مرتبات أكثر من 70% أو 60% من موظفي الدولة، وخاصة الواقعين تحت سلطة صنعاء، موظفين لا يستلمون مرتباتهم من أكثر من سبع سنوات عجاف، وبدون أي مصدر آخر للعيش الشريف، بينما طبقتا الحكم في صنعاء وعدن، يعيشان في حالة من البذخ السفيه، وتجيز سلطة صنعاء لنفسها حرمان موظفي الدولة من رواتبهم ، ويسمى بعض أعوانها من يطالب براتبه بـــ| “المواعش”، على وزن “دواعش”، وطابور خامس،و”عملاء العدوان”, بينما سلطة صنعاء تصرف رواتب أعضاء مجلس النواب ، ومجلس الشورى، والمجلس السياسي الأعلى،و” المجاهدين”, بمثل ما تصرف مرتبات العديد من المؤسسات الإيرادية، وبحوافز هي أعلى من المرتبات الحقيقية للموظفين في هذه المؤسسات، بل إن سلطة صنعاء، لم تتوقف عن تعيين أعضاء جدد، وبالجملة إلى مجلس الشورى، وإعادة الانتخاب في بعض دوائر مجلس النواب حيث تحكم، والسبب أنها مؤسسات سياسية وتشريعية لها وزن سياسي كبير، في معادلة السياسة والسلطة، وجودها يخدم ويشرعن استمرارها كسلطة، وكأن سلطة صنعاء قررت أن توفر لأغلبية السكان(الشعب), الواقعين تحت إمرتها حياة هادئة مستقرة تحت التراب، بعد أن استحال الوطن إلى مقبرة، وجنازات تغطي وجه الارض.
واصدق تعبير على واقع الحال المآسوي الذي نعيشه ما قاله شعرا ،الاستاذ/عبدالله البردوني :
(أتى ليشبع جوعي ثم اشبعني موتا/ وها أنذا في القبر أحتفل).
لقد وضعت العملية الانقلابية البلاد كلها في حالة حرب، وتحت حالة احتلالية مركبة ومعقدة بين استعمار داخلي، وبين استعمار خارجي: سعودي إماراتي، وإيراني، بعد أن وضعت البلاد تحت الفصل السابع.
إننا اليوم في وضع وواقع هو أشد وطأة من الاستعمار الأجنبي التقليدي، الذي كان يحضر بدباباته وجيوشه ليحتل البلدان، على أنه اليوم (الاستعمار التاريخي)، استعاض عن الجيوش والدبابات، بوكلائه في الداخل، الذين من خلالهم يمارس حالته الاستعمارية بأريحية كاملة، وفي غياب كلي لحضور وفعل أي دور سياسي ، ووطني للأحزاب السياسية، إن لم يك بعضها -بدرجات وبأشكال متفاوتة – من قيادات تلك الأحزاب مشاركاً بالفعل السياسي، أو بالصمت الجبان في كل ما يحصل في البلاد.