- كتب : طارق السكري
في أغنية( لاجل عينك) التي غناها بلبل اليمن الغرّيد أيوب طارش وهي من كلمات / الفضول
قصيدة مفعمة بالجمال..
معجم صورها الشعرية يغرف من مياه الطبيعة الساحرة: ( زرعنا أمانينا ، صفوف الورد والأزهار ، أعشاش العصافير ، أفياء .. ظلال .. ماء )
القصيدة تنتمي للمدرسة الرومانسية والتي من خصائصها : التوحد بالطبيعة والفزع إلى أحضانها هروبا من شقاء السياسة .
موضوعها عاطفي وفيها لوعة المحب وتفانيه وانصهاره مع محبوبه في كيان واحد .
لعب الشاعر على تقنية التشخيص والتجسيم في استنطاق الجماد وإضفاء صفة إنسانية على الأحياء غير العاقلة .
استمر الدفق الشعوري ساريا كتيار كهربائي في شرايين الصورة الشعرية
على طول القصيدة بموضوعية الفكرة الواحدة وسائر عناصرها من خيال وعاطفة وخواطر .
لا يتسع الوقت لدي الآن لأقف أمام الصور الشعرية المترامية على أطراف
القصيدة لسبرها وتفنيدها والوقوف على أسرار الدهشة فيها ، ولكني شعرت أن في إحدى الصور الشعرية قلقا أو لغزا لم أفهمه !
نلاحظ أن الشاعر في القصيدة يعبر عن شدة كلفه بمحبوبته ويشرح فيها مدى اشتياقه إليها .. الخ
وقد أخذ يستطرد طويلا في وصف الدموع بصورة فنية بديعة .. من مثل هذه الصورة السمعية : ( أسمع دموع القلب يتناطفين )
وهذه الصورة تذكرنا بصورة سمعية أخرى ولكنها للسياب من قصيدة إلى جميلة بو حيرد:
( أطرافك الدامية
يقطرن في قلبي ويبكين فيه )
ثم يذكر أن هذا العشق الذي بينه وبين محبوبته ذاع بين الناس وصار مثالا
حتى إنها من افتتانها بقصة هذا الحب رقت وأشفقت على الحبيبين.. لدرجة
البكاء
( كم ياقلوب أعطت لأشواقنا
حنانها.. كم ذا علينا بكين )
وهكذا ظل يسترسل في وصف مشاعره ويمتح من قاموس ( التوحد العاطفي ) أملاً بتجديد اللقاء في نسق بديع .
لكنه في الأخير يأتينا بصورة صادمة .. سببت ربكة في تلك المشاهد الحالمة
فيقول ( صامين حتى يلاقينك بكل الظما ويشربنك.. وما ظنيتهن يرتوين
واحنا حبيبين .. أعطتنا مقاديرنا للملتقى وعد .. والأقدار لا يكذبين )
السؤال :
فإذا كان الوعد من الأقدار باللقاء الدائم هو مظنة الإرتواء والاكتفاء والأنس ، فلماذ يقرر فيقول ( وما ظنيتهن يرتوين ) ؟
هل هي حبيبة حقيقية تعيش معه في بيت الزوجية أم أن الحبيبة هنا هي الوطن ؟
الوطن الذي ينشده الأحرار ، الوطن الحلم الذي يجسد رغبات المثقف الحر ،
الوطن الذي بكت العيون لحاله ، وضحى الناس من أجله ، وسالت الدماء الزكية
في سبيله
الوطن الذي نعيش فيه ولا نجده!
الوطن المقهور .. الذي ضلت السعادة الطريق إليه ؟
يبقى السؤال مشرعاً يثير الجدل في الخيال : أهي الزوجة أم الوطن؟
وفي الأخير :
هذه محاولة في رفع الصور عن المعاني ، وكشف المضامين ، وهي وجهة نظر .