- كتب: محمد الصلوي
- خاص: بيس هورايزونس
هناك نماذج نسائية يمنية مهم تسليط الضوء عليها، وتقريب الصورة اكثر حول تلك النماذج التي احدثت فرق ولو صغير في المجتمع، هذا المجتمع الذي يقف بكل قوته واعاداته وتقاليده من اجل الحد من الحصول على حقوقها، لهذا احداث فرق من قبل تلك النماذج النسائية يعد انجاز يضاف لرصيد المراة اليمنية واسهاماتها في كل المجالات، أحد تلك المجالات، مجال الحقل المدني، الذي تميزت فيه عبير وعملت به لسنوات واحدثت فرق في المجتمع.
البداية والايمان والتدرج
عبير القدسي، بهذا الاسم عام 2006م عرفها زملاءها في كلية الغات قسم الماني في جامعة صنعاء، كمندوبة للدفعة، وهذا ما جعلها تنخرط في الحراك الطلابي في الجامعة، المطالب بتغير اللائحة الطلابية التي كانت و لا زالت تقف في صف الدكتور ضد حقوق الطلاب، كانت عبير وزملاءها كغيرهم من الطلاب، لديهم مطالب ضرورية لتحسين التعليم الجامعي لهم، تفاعلها مع هذه المطالب فتح مداركها للحقوق، كما تقول”كنتُ مندبة للدفعة، وكنا نقيم حراك لتغيير اللائحة الطلابية، هذه المطالب الحقيقة، والتفكير بها، جعلني افكر اكثر ببقية الحقوق لبقية فئات المجتمع اليمني “.
في الوقت الذي كانت تقيم مع زملاءها حراك طلابي في الجامعة، وقراءتها وتفكيرها بالحقوق الأخرى للناس، التحقت عبير كمتطوعة في العديد من المنظمات والمؤسسات،مثل منظمة صحفيات بلا قيود و مركز المعلومات و التأهيل لحقوق الانسان، واقامة علاقات مع شباب وشبابات آخرين لديهم نفس الأفكار والاهتمام بحقوق الشباب وتغيير واقعهم وخلق فرص عمل لهم ، لهذا نتج عن تلك العلاقات اطلاق عبير و مجموعة من الشباب و الشابات لمبادرة اسمها”مبادرة ايجاد “من أجل تمكين الشباب اقتصادياً، انطلقت المبادرة بجهود ذاتية، وكانت عبير مقررة المبادرة، تقول عبير” اطلقنا مبادرة ايجاد عام 2008 م من أجل تمكين الشباب اقتصادياً، لأنه لايمكن رفع مستوى الشباب، وبناء قدراتهم دون تمكينهم اقتصاديا، وايجاد فرصة عمل لهم، لهذا كانت ايجاد”.
عملت عبير وزملاءها في المبادرة، واحدثوا فرق صغير جداً، حينما استطاعوا توفير فرصة عمل لأربعة شباب بعد تدريبهم مهنياً، هذا الأمل والفرق البسيط، كان الدافع الأكبر لعبير وزملاءها لمواصلة عملهم، وتوسيعه، لهذا حاولوا تحويل المبادرة إلى مؤسسة، لكن السلطات حينها لم تمنحهم الترخيص لمزاولة العمل رسمياً، تواصل عبير حديثها”لم يعطونا التصريح لكننا لم نتوقف عن العمل تحت اسم المبادرة” في الوقت الذي كانت عبير تتحرك في إطار مبادرة ايجاد، كانت تقوم بالتطوع في منظمات عديدة، الأمر الذي جعلها تقرأ وتفهم وتؤمن بمواصلة العمل في الحقل المدني من أجل انتزاع الحقوق وبناء قدرات الشباب وتمكينهم، لهذا كانت أحد الوجوه الشبابية النسائية المشاركة في وقفة الثلاثاء من كل اسبوع في ساحة الحرية للمطالبة بحقوق سكان الجعاشن، برفقة العديد من الناشطات البارزات، هذه الأنشطة التي كانت تقوم بها عبير، جعلتها أكثر ادراك لما تقوم به، واكثر إيمان، واكثر علاقة بالناشطين والعاملين في هذا المجال، فحينما جاءت ثورة فبراير، كانت عبير من اوائل المشاركين فيها، تقول عبير “كانت الأنشطة التي مارستها قبل الثورة أبرز من دفعني للمشاركة بها، والعمل التي قامت به المنظمات والعاملين في المجال المدني والحقوقي، كان الدافع الابرز لاخراج الناس في الثورة، فثورة فبراير إحدى نتائج عمل المؤسسات والمنظمات المدنية”.
انخرطت عبير في الثورة، وعام2012،عادت للعمل في مبادرة ايجاد، والعمل على توسيع العمل وتحويل المبادرة لمؤسسة، وهو ما تم فعلاً، حيث اخذت التصريح، وكانت عبير المديرة التنفيذية لمؤسسة إيجاد ، التي غيرت اهدافها السابقة بما يتناسب من المتغيرات، فعملت في المؤسسة، من أجل تمكين الشباب في مجالات عديدة سياسياً واقتصادياً، وبناء قدراتهم، بذلت عبير وزملاؤها جهد في المؤسسة، مما جعلها من اهم المؤسسات العاملة في المجال المدني في البلاد، تضيف عبير”بعد ثورة فبراير انطلقنا كمؤسسة وهذا ما أحدث فرق وتأثير ملموس في المجتمع، وكانت ايجاد منطلق وبيت للمئات من شباب الجامعات والطلاب، كان لها تأثير واضح، لهذا نفذت العديد من المشاريع، في عدد من المحافظات” وكانت عبير الدينمو لكل تلك المشاريع والاعمال بمساندة فريق إيجاد.
الحرب وآثارها والمتغيرات
حينما اندلعت الحرب بداية عام2015،كانت عبير وايجاد في قمة عطاءها في العمل، لكن بعد مرور أشهر من الحرب، بدأ العمل يضعف، سيما والمواضيع والاهداف التي تشتغل عليها، اصبحت ثانوية في الحرب، فمن الذي يتحدث عن بناء قدرات وتمكين الشباب في وقت الحرب، وصرخات الجوع تتصاعد، مع هذا استمرت عبير في عملها،ومع تغير المشهد كله بفعل الحرب، وجدت عبير نفسها أمام مواصلة العمل في الأهداف السابقة أو العمل الاغاثي أو تقديم الدعم النفسي للمتضريين من الحرب، لكنها اختارت مواصلة العمل في الأهداف السابقة وايضاً تقديم الدعم النفسي، تضيف عبير”قلت لزملائي في ايجاد، نحن أمام خيارين أما العمل في الاغاثة مثل بقية المؤسسات والمنظمات، وهذا الأمر سيؤلمنا خصوصا حينما تُعطى فئة من الناس مساعدات وتحرم فئة أخرى، موقف صعب، عندما يقول لك احدهم أنا جائع، أريد سلة غذائية، وترد عليه، اسمك غير موجود في كشوفات المؤسسة، موقف صعب”.
كانت كلما مرت سنة أخرى في الحرب، كلما ضاقت خيارات عبير، وزادت القيود على عملها، ومشاريعها، فسلطات الحرب، قلصت وعملت قيود صعبة، لعمل المؤسسات، وهناك من قام بالتحريض على المجال المدني بكله، والجهات المانجة توجهت لدعم الجانب الاغاثي، واصبح العمل في واقع الحرب كمن يعمل في حقل الغام، وجدت عبير نفسها، مضطرة لإيقاف عمل المؤسسة، واغلاقها، تتحدث عبير بأسى” عام ٢٠١٩ تم إيقاف عمل المؤسسة، بسبب وضع الحرب، والقيود على المؤسسات المدنية والتضييق على الناشطين العاملين في هذا الجانب والواقع المفخخ، كل هذا جعلني أغلق المؤسسة”وتضيف عبير، “المؤسسة مُقفلة منذ عام 2019وحتى اليوم، واقوم بتحمل دفع إيجار مقر المؤسسة شهرياً، على أمل تغير واقع الحرب، وظهور بصيص أمل يجعلنا نعاود العمل”.
عمل عبير في الجانب المدني ورئاستها لمؤسسة مدنية، لم يحد من طموحها العلمي، حيث تعمل على نيل شهادة الماجستير في الإدارة من جامعة العلوم و التكنولوجيا ، بالإضافة لقيامها ببناء قدراتها، وتوسيع علاقاتها، وتكبير اسمها، حيث اصبحت من الوجوة النسائية الفاعلة والمعروفة في الوسط المدني والسياسي والحقوقي والشبابي، فشاركت في الكثير من الفعاليات والحوارات والانشطة، فشاركت ضمن فريق الأمانة العامة للحوار الوطني بعد ثورة فبراير، كفا(عملت كإستشارية للنوع الاجتماعي و استشارية للبناء المؤسسي و تنفيذ المنح الصغيرة للمنظمات مع منظمة كير بالإضافة إلى منسقة برامج لمنظمة نداء جنيف بالإضافة إلى مدربة في عدد من المواضيع و أهمها النوع الاجتماعي ،تحليل النزاع الحساس النوع الاجتماعي ،التنمية المستدامة ،الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي .، وايضإ سافرت الكثير من البلدان للمشاركة في فعاليات وتدريبات وانشطة، بالإضافة إلى المشاركة في حملة مناصرة في عدد من العواصم الأوروبية لدعم خطة الأمن و السلام للقرار ١٣٢٥ ، الأمر الذي جعل من عبير مدربة متخصصة في مجال العنف القائم على النوع الاجتماعي، والنضال في المطالبة بحقوق الفئات المهمشة حقها في المجتمع اليمني، ومنها المرأة، تقول عبير”لا يمكن ان يكون هناك تنمية حقيقية دون تغير الأدوار في المجتمع، والسماح للمرأة بالحصول على حقوقها في ممارسة العمل والحصول على التعليم وبقية الحقوق”. تضيف عبير “لا يمكن أن تكون هنالك تنمية بشق واحد ،التنمية تتحقق بجهود الرجال و النساء معاً و ليس طرف واحد منهما ،لذلك يجب العمل على تغيير أدوار النوع الاجتماعي و الحفاظ على المكتسب الذي تحقق بعد الحرب من تغير في ادوار النساء” ، ترى عبير ان تغير نظرة المجتمع تجاه حقوق المرأة واعطاءها حقها، من العوامل المهمة في تقدم المجتمع والدولة، والبداية من التوعية واقامة الدورات وتدريب أبناء المجتمع وتعريفهم بتلك الحقوق، من أجل الحد من العنف ضد المراة، يسهم في أحداث التنمية، وهذا ما تقوم به منظمات المجتمع المدني، تقول عبير” إذا تريد ان ترى تقدم أي شعب أو دولة شاهد حقوق المراة عندهم، لهذا يجب أحداث فرق وتأثير في هذا الجانب لأنه سيكون فارق كبير ومهم في تقدم الدولة والمجتمع”.
خلال الأربع السنوات الماضية عملت عبير كمدربة متخصصة في النوع الاجتماعي، بالاضافة لتدريب والاشراف على العديد من المشاريع الخاصة بالسلام، وتنمية القدرات، مع العديد من المنظمات والمؤسسات المدنية المعروفة في البلاد، فبرغم التحريض خصوصاً الفترة الماضية ضد الناشطين وعمل المنظمات من قبل أطراف الحرب المتعددة، إلا ان عبير واصلت العمل، ورأت ان التحريض ناتج عن المتغيرات التي احدثتها الحرب، حيث اخرجت الكثير من النساء إلى سوق العمل، بسبب تردي الوضع الاقتصادي، وقتل عائل بعض الأسر، أو ذهابهم إلى الجبهات، هذه العوامل جعلت الكثير من النساء يخرجن إلى سوق العمل وسط قبول من المجتمع بذلك بفعل آثار الحرب، وهذه المتغيرات في الأدوار، جعلت أطراف الحرب تقوم بالتحريض ضد عمل النشطاء والمنظمات، خصوصاً القوى الدينية التي ترى مشاريعها المفروضة على المجتمع بدأت بالتأكل كما تقول عبير.
تواصل عبير التي اصبحت أم لطفلين عملها المتقطع بين الحين والآخر كمدربة ، ونضالها في التأثير على المجتمع من أجل أحداث فرق في الحقوق وبناء القدرات رغم الواقع المُعقد،وتواصل آملها، بالعودة للعمل في مؤسستها المتعثرة، خصوصاً وقد ساءت اوضاعها كبقية اليمنيين الواقعين في خندق الحرب، تُعد عبير القدسي من أبرز الوجوه النسائية اليمنية، وتُعد ايضاً نموذج للمراة اليمنية، الطامحة والمناضلة والناجحة، والتي أحدثت فرق وتأثير كبير في المجتمع من خلال عملها في الجانب المدني منذ أكثر ستة عشر عاماً.